محمود صلاح نعم جلست علي مقعد أمير الصحافة العربية أربع سنوات كاملة.. عملاق واستاذ شارع الصحافة محمد التابعي.. صاحب المدرسة الصحفية المميزة. الذي حول المقال الصحفي من مجرد سطور جامدة تعتمد علي السرد الممل والالفاظ الرنانة. الي كلمات جذابة رشيقة ذات معان عميقة.. تجسد تماما ما يسمونة اسلوب »السهل الممتنع«. كنت في دراستي الجامعية للصحافة معجبا بأسلوب الاستاذ محمد التابعي.. لكن علاقتي به بدأت يوم وفاته ورحيله عن الحياة! في اول عملي بدار »أخبار اليوم« فوجئت ذات صباح باستاذي مصطفي أمين رئيس التحرير يستدعيني ويبلغني ان امير الصحافة محمد التابعي قد توفي صباح اليوم، ويطلب مني كتابة تحقيق صحفي عنه. اسرعت بالذهاب الي منزل الراحل محمد التابعي في شارع ابن زنكي بحي الزمالك، وهناك التقيت بأرملته الراحلة السيدة هدي التابعي.. والتي روت لي بدموعها قصة حياتها مع أمير الصحافة.. ورحلته مع المرض والالام حتي النهاية. كان أمير الصحافة محمد التابعي صاحب مدرسة صحفية مستقلة وكان رائدا للغة البسيطة المتخففة من اثقال المجاز والقاموس اللغوي الكلاسيكي الرصين.. ومارس معظم فنون العمل الصحفي. من الخبر الي التحقيق والقصة الصحفية. الي المقال السياسي والمقال النقدي الفني بل وكتب في الرياضة والحب والحياة!.وكتب التابعي عدة مؤلفات شهيرة منها »نساء في حياتي« و»اسرار الساسة والسياسة« و»بعض من عرفت« و»ليلة غاب عنها الشيطان« وقصة »حياة أحمد حسنين«.وبعد سنوات من وفاة محمد التابعي حدث ان سافرت الي مدينة استانبول في تركيا في مهمة صحفية.. ونزلت في فندق قديم مطل علي خليج البوسفور، ومن اللحظة الاولي لدخولي غرفتي في الفندق كان يجتاحني شعور غامض غريب لم أعرف له سببا.. وبعد ايام دخل علي غرفتي جرسون تركي عجوز.. ما أن عرف انني صحفي حتي اخبرني انه يعمل في الفندق منذ اكثر من خمسين عاما،.، وانه تعرف علي صحفي مصري عظيم. كان قد تعود علي النزول في هذا الفندق.. وفي الغرفة التي كنت فيها بالتحديد وعندما سألته عن شخصية هذا الصحفي.. قال لي النادي التركي العجوز.. كان اسمه محمد التابعي! وساعتها عرفت سر شعوري الغامض الغريب بمجرد أن دخلت هذه الحجرة! ثم شاء قدري بعد سنوات ان أكلف برئاسة تحرير مجلة »آخر ساعة« هكذا وجدت نفسي ادخل مكتب امير الصحافة وأجلس علي المقعد الذي جلس عليه لسنوات. في مكتبه الذي صنع فيه بقلمه امجاد مجلة »آخر ساعة« الصحفية! وبعد اسبوع فوجئت بمكالمة تليفونية من السيدة هدي التابعي أرملة أمير الصحافة.. وفوجئت بها لا تزال تذكر ما كتبته منذ سنوات طويلة عن وفاة التابعي. وكانت سعادتي ومفاجأتي عظيمة عندما فوجئت بالسيدة هدي التابعي ترسل لي أكواما من اوراق امير الصحافة وبخط يده ما نشر منها وما لم ينشر وهالني هذا الكنز الصحفي.. فقد وجدت فيه علي سبيل المثال بعض مذكرات التابعي السياسية ووجدت فيه مجموعة رسائل نادرة متبادلة بين محمد التابعي واسمهان ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.. ووجدت ايضا الخطابات المتبادلة بين التابعي وأم كلثوم. وحملت نماذج من هذه الاوراق الي استاذي الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل فاطلع علي بعضها في ذهول، واقترح علي ان ابدأ بنشرها في »آخر ساعة« تحت عنوان »اوراق أمير الصحافة« ففعلت ذلك.. بل وجمعتها في كتاب يحمل نفس العنوان ورسما لمحمد التابعي!. ولم تنقطع الصلة بيني وبين السيدة هدي التابعي حتي رحيلها وربطت بيني وبين ابنته شريفة التابعي صداقة جميلة واسعدني ان شريفة التابعي قد خصصت موقعا علي الانترنت يحمل كل شيء عن والدها والكتب التي اصدرها وكل ما كتب عنه. وصورا نادرة لمراحل حياته المختلفة.. لقد عاش محمد التابعي اميراً للصحافة ومات أميرا لها سيظل نفس الامير!.