كنت أراه كثيرا عندما أصعد إلي شقة العندليب عبدالحليم حافظ لاستمتع باجواء اجراء بروفة اغنية جديدة.. وكنت قبل أن اراه مبهورا بقوة صوته وأدائه أمام المكيروفون الاذاعي سواء عندما يقدم اذاعات خارجية لخطب الرئيس جمال عبدالناصر أو حفل في حفلات سيدة الغناء العربي أم كلثوم!! ولكن المرة الأولي التي دار بيننا حديث وجها لوجه كانت في بيت الموسيقار فريد الاطرش عندما ذهبت مع الكاتب الراحل والصديق العزيز نبيل عصمت لتسجيل سهرة رمضانية في منزل الاستاذ فريد!! وكان الأستاذ فريد يقطن في الدور العاشر في عمارته المطلة علي النيل وبها شرفة كبيرة وصالون شرقي كبير.. وفجأة رأيته يجلس بجوار زوجته الفنانة الجميلة ليلي فوزي أو فرجينيا جميلة الجميلات كما كان يسمونها في فيلم »الناصر صلاح الدين«، واقترب مننا الاذاعي اللامع الاستاذ جلال معوض فعرفه نبيل عصمت بي ونظر جلال معوض لي وقال: إزاي اتعينت في الإذاعة ونبيل بيقول انك لسة طالب في كلية الآداب؟ أنا با عمل بنظام القطعة يعني بالمكافأة عن كل عمل في البرنامج الاوروبي وأيضا في اذاعة الشرق الأوسط! مبسوط في شغلك في الإذاعة؟ جدا.. كفاية الناس اللي زي حضرتك اللي الاذاعة خلتني اشوفهم عن قرب!! مهم جدا انك تحب الحاجة اللي بتعلمها علشان تنجح فيها انا مبسوط من حماسك ده. ابقي تعال احضر معايا حفلات اضواء المدينة.. حاخليك تقدم بعض فقرات الحفل.. وده بيبقي عالهواء.. والشغل علي الهواء يصقل ويخلق المذيع الناجح.. احنا عندنا حفلة نادي الزمالك يوم الخميس الجاي.. تعال مع نبيل.. ما هو زملكاوي كبير زي أنا.. وأنت ايه؟ أوعي تقوللي انك اهلاوي زي حليم؟ ولم اعطه جوابا واضحا وهو درس تعلمته من معايشتي لعبدالحليم!! ولم اصدق نفسي وانا اجلس وراء كواليس المسرح المعد خصيصا للحفل في ستاد نادي الزمالك اجلس مبهور بجوار الاستاذ جلال اتابعه وهو يتحدث في الميكروفون علي الهواء.. وهو يعطي أوامره الحازمة للمطربين والمطربات: يا فايزة.. 3 أغاني بس فاهمة؟ عندك نص ساعة!! يا شادية حاولي تقولي 5 أغاني في النص ساعة بتاعتك.. بلاش إعادات!! وكان الحفل يضم عددا كبيرا جدا من نجوم الغناء والفكاهة.. والكل يسمع كلام الاستاذ جلال الذي يدير الحفل بحزم وحب.. وكان الاستاذ جلال يكتب لي ورقة هي تقديمي للفقرة الثانية في الحفل. أقرأها بيني وبين نفسي في خوف شديد قبل أن ادخل المسرح ونظر إلي الاستاذ جلال وقال: ايه مالك؟ خايف؟ أوعي الجمهور يشعر أنك خايف منه. خش علي المسرح وافرد صدرك وحط الجمهور في جيبك!.. خش قدم نادية لطفي وهي حاتقدم بيجو وأبولمعة.. انت حا تقول معانا نجمة السينما الكبيرة.. الفنانة نادية لطفي.. الناس حاتسقف. حاتمشي نادية تقف جنبك تقدم النمرة وترجعوا انتو الاثنين مع بعض علي الكواليس!! ودخلت المسرح وقدمت نادية لطفي التي حضرت ترتدي فستان احمر وفي يدها منديل أحمر!! وفين؟ في نادي الزمالك!! واللون الاحمر ده لون فانلة النادي الاهلي!! واستقبلت نادية لطفي بعاصفة من التصفيق وابتسمت ونظرت إلي وقالت هامسة: هو انا حاقدم ايه؟ حاقول ايه؟ قلت هامسا ايضا وبعيدا عن الميكروفون: بيجو وابولمعة! ومرت لحظات صمت ثم ضحكت نادية لطفي ضحكة كبيرة وقالت في الميكروفون: أنا اهلاوية!1 وسكتت!! ولم يفهم جمهور الحفل وهم طبعا زملكاوية والحفل في نادي الزمالك.. لم يفهم الجمهور معني ما قالته نادية لطفي.. وبعد فترة صمت اخري كررت نفس الجملة: أنا أهلاوية!1 وبعدها ايضا فترة صمت وبدأ جمهور الحفل يصفر.. واقتربت منها هامسا: أنا اهلاوية لكن جايه اقول مبروك الكأس لنادي الزمالك..! قوللي يا مدام نادية! ولكن نادية لطفي كأنها لم تسمعني ونظرت أنا في الكواليس ورأيت استاذي جلال معوض يكاد ينفجر وفي نفس الوقت يضحك ويشاورلي أن اشدها وادخلها في الكواليس.. اقتربت اكثر من نادية لطفي وكررت ما سبق قلته »أنا أهلاوية لكن جاي أقول مبروك لنادي الزمالك ولكنها وقفت مبتسمة ونظرت لي مرة أخري ثم قالت مرة أخري. أنا اهلاوية!! وهنا توصلت أنا وقلت: ومع ذلك جاية تباركي لنادي الزمالك مش كدة أدي الروح الرياضية بصحيح!! وصفق الجمهور. نظرت في الكواليس ورأيت الاستاذ جلال يشير بيده لي أنني احسنت التصرف فتشجعت أكثر ونظرت إلي نادية لطفي: دلوقتي حنشوف مين في حفلنا الكبير؟ قالت.. آه ايوه.. مين يا سمير. قلت هامسا برضه: بيجو وأبولمعة!! قالت: آه.. أيوه.. دلوقتي مع الخواجة والخواجة!! وتركتني ودخلت الكواليس التي كان يقف فيها فؤاد راتب »الخواجة بيجو« ومحمد أحمد المصري »أبولمعة« وهما في حالة بين الضيق الشديد. وهنا وقفت انا أمام الميكروفون وقلت: حانضحك ونفرفش مع نجوم الكوميديا الكبار.. بيجو وأبولمعة!! ودخل بيجو وابولمعة وهما يقولان لي شكرا يا سمير وفي الكواليس كانت نادية لطفي تضحك علي ما فعلته بحسن نية طبعا وكانت بداية صداقة عمر بيني وبين النجمة الكبيرة التي مثلت معها في بطولة فيلمين » بيت بلا حنان « و » منزل العائلة المسمومة « واستقبلني الاستاذ جلال معوض باسما وقال: هو ده.. اول درس للمذيع علي الهواء.. التصرف.. وأنا بقي مش حاسيبك.. كل حفلة انت معايا فيها! حاتشوف انا حاعمل فيك ايه! وفعلا لم يتركني الاستاذ جلال معوض عند باب الاذاعة الذي علمني مواجهة التصرف والجمهور بثقة وثبات.. ولي معه اكثر من موقف في اكثر من حفلة من حفلات هذا الزمن الذي لن يعوض واحمد ربنا الف مرة كل يوم أني عشته!