لقد مرت علي مصر ساعات من الكرب والبلاء، ما كان يليق بأحد أن يفرط في حق هذا الوطن، أو يتطاول علي تراثه، أو يعوق مسيرة الإنتاج، والوطن في مرحلة يعبر بها حاضرا مريرا من أجل مستقبل الأبناء والأحفاد والأمة.. إن واجبنا تجاه مصر يستوجب علينا أن نحميها وأن نحرسها وأن نصونها.. وذلك بالعمل المخلص الجاد وأن نعلم أن العمل عبادة وأن السعي للمصلحة العامة من أهم العبادات التي أتي الله سبحانه وتعالي بها. إنه لن يكون إنتاجاً ولا تنمية في ظل ظروف قاسية ومناخ ملبد بالغيوم والاضطرابات،، فعلي كل التيارات وعلي كل الاتجاهات أن يفسحوا المجال للعمل فالكل محاسب علي هذه الفترة، والله مطلع علي الجميع.. قال الله تعالي: »وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون. وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون« سورة التوبة501. ولمصر مكانتها العالية، ومنزلتها السامية، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم في خمسة مواضع: منها ما جاء في سورة يوسف في قوله تعالي: »فلما دخلوا علي يوسف آوي إليه أبويه وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين« سورة يوسف99. وكان هذا عند ورود يعقوب عليه السلام علي يوسف عليه السلام، وقدومه لمصر لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحملوا عن آخرهم، وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر، فلما أخبر يوسف عليه السلام باقترابهم خرج لتلقيهم وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب عليه السلام. ويقال إن الملك خرج أيضاً لتلقيه. وقال لهم بعد أن دخلوا عليه وآواهم إليه: ادخلوا مصر وضمنه اسكنوا مصر إن شاء الله آمنين. وجاء ذكر مصر في قوله تعالي: »وأوحينا إلي موسي وأخيه أن تَبَوَّءَا لقومكما بمصر بيوتاً« سورة يونس 78. كما جاء ذكر مصر في قول الله تعالي: »وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه« سورة يوسف12. كما ورد ذكر مصر أيضاً في قول الله تعالي: »ونادي فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر« سورة الزخرف15. كما ورد ذكر مصر أيضاً في قول الله تعالي: »اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم« سورة البقرة16. كما جاء ذكر مصر أيضاً في الأحاديث النبوية الشريفة: »إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً« وفي قوله صلي الله عليه وسلم منوهاً بفضل جند مصر: »إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد أهل الأرض« قيل: ولما كانوا كذلك يا رسول الله؟ قال: »لأنهم وأهليهم في رباط إلي يوم القيامة« كما تتجلي مكانة مصر في تاريخها وحضارتها ومكانتها في العالم عبر عصور التاريخ، وأنها التي حمت تراث الإسلام من الهجمة التتارية الشرسة التي كادت تقضي عليه لولا إرادة الله تعالي بعد القرون الثلاثة الأولي حيث قام علي أرض مصر أعظم صرح إسلامي وهو الأزهر الشريف فحمي هذا التراث وصانه من الهجمة الشرسة وأخذ يعلم أبناء المسلمين ويحتضنهم في أروقته ويبعث بعلمائه إلي كل الأرض. ومن أجل ذلك كله وجب علينا جميعاً أن نحمي مصر وأن نصونها من أي انحراف يميل بها ومن أي شطط من أحد. فواجبنا تجاه مصر أن نحفظ مجدها وتراثها ففيها مجد الإسلام كما قال أحد المؤرخين: من لم يذهب إلي مصر ما رأي مجد الإسلام ولا عزة، لأن فيها الأزهر الشريف. إن واجبنا أن نعمل، وأن نضاعف الإنتاج وألا نركن إلي أحد من الناس بل علينا أن تكون لنا شخصيتنا المستقلة التي دعانا إليها الإسلام كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم« رواه الترمذي. وعلي كل إنسان أن يراعي ربه ويراقبه في عمله ويخلص فيه ولا يركن إلي رضا أحد من الناس، لأن الإخلاص في العمل هو سر النجاح.. أما الذي يعمل ابتغاء وجه الناس فليس له من أجر علي عمله عند الله، فمن أرضي الله في سخط الناس رضي الله عنه. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضي الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضي عنه من أسخطه في رضاه حتي يزينه ويزين قوله وعمله في عينيه« رواه الطبراني. وعلي كل إنسان أن يستعين بالله في عمله وألا يعجز كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو إني فعلت كذا لكان كذا ولكن قد قدر الله وما شاء فعل فإن »لو« تفتح عمل الشيطان« رواه مسلم. وعلينا أن نعمل ونتوكل علي الله تعالي فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من أحب أن يكون أقوي الناس فليتوكل علي الله، فبالتوكل علي الله مع العمل والسعي والكفاح تقاوم كل ظلم وأذي »وما لنا ألا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن علي ما آذيتمونا وعلي الله فليتوكل المتوكلون« سورة ابراهيم21. وبروح الإيمان والعمل والإخلاص ولاتوكل علي الله سبحانه وتعالي يمكن لكل إنسان أن ينطلق في حياته بالعمل والإنتاج ويسعي لبناء مجتمعه والدفاع عن وطنه والانتماء إليه وحراسته، لأن حب الوطن من الإيمان. وواجبنا في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا، وتعيشها مصر في مرحلة من مراحل التحول التاريخي والمنعطف الوطني المهم، واجبنا أن نسعي لمصر وأن نحميها وأن نخلص في أعمالنا لبنائها ونهضتها. وأن يكون الجميع عيوناً ساهرة للمحافظة علي أمنها وعلي إنتاجها وتراثها وألا يسمح أحد للعابثين أن يجروا المسيرة المتقدمة إلي الوراء، والله سبحانه من وراء القصد، وهو حسبننا ونعم الوكيل.