أزال خطاب التحرير الذي القاه رئيس المجلس الانتقالي مصطفي عبدالجليل كل الشكوك المتعلقة بالاتجاه الذي ستسير فيه ليبيا بعد رحيل القذافي. فالرجل اعلنها صراحة "الشريعة هي قوام الدستور وجوهر حكومتنا الجديدة". هذا التصريح أطلق سراح المخاوف الغربية من عقالها في ان يمتد التيار الاسلامي ليحصد ما زرعه الربيع العربي في المنطقة. فعلي الرغم من جهود الجناح الليبرالي في المجلس الانتقالي الليبي لتهميش الاسلاميين الا انهم بما يتمتعون به من قوة وحسن تنظيم يبدون الاقرب والاقوي لملء الفراغ الناتج عن موت القذافي وسقوط نظامه خاصة ان بعض التقديرات تفيد بانهم يمثلون من 50 الي 70٪ من مقاتلي الثوار. ويقود التيار الاسلامي في ليبيا عبدالحكيم بلحاج ، رئيس المجلس العسكري بطرابلس والرئيس السابق لجماعات القتال الاسلامية الليبية والتي كانت تتصل بشكل وثيق بتنظيم القاعدة. وقد وصفه تقريرا للبي بي سي بالنجم الصاعد والرجل العسكري الاقوي في العاصمة الليبية. وعلي الرغم من ان بلحاج خريج هندسة مدنية الا ان خبرته القتالية تفوق خبرته الهندسية التي لم يمارسها تقريبا. ففور تخرجه من جامعة الفاتح سافر بلحاج الي أفغانستان للانضمام للمجاهدين ضد السوفيت ومن هناك بدأ جولة جهادية في عدد من الدول منها باكستان وتركيا والسودان وايران. بعد عودته الي ليبيا في التسعينيات شارك في تأسيس "الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة" التي دأبت علي مدار 3 سنوات في اثارة قلاقل لللنظام في الشرق، وبعد 3 محاولات فاشلة لاغتيال القذافي عامي 95 و96 قام النظام بتدمير مواقع تدريب الجماعة وقتل قائدها الشيخ فتحي صلاح سليمان، ليفر بلحاج الي افغانستان مرة أخري. بعد غزو افغانستان في 2001 بدأت رحلة الفرار ثانية حتي تم اعتقاله عام 2004 في ماليزيا واعادته الي ليبيا. وبحسب صحيفة الجارديان فقد قام بلحاج مؤخرا برفع دعوي ضد لندن وواشنطن بعد ان كشفت وثائق تورط المخابرات البريطانية والامريكية في خطة اعتقاله وتعذيبه قبل تسليمه الي القذافي. وقد سجن بلحاج لأكثر من 6 سنوات قضي ثلاثة منها دون استحمام وعام كامل دون رؤية الشمس، وذلك قبل ان يفرج عنه عام 2010 ضمن مبادرة للافراج عن بعض القادة الاسلاميين تبناها سيف الاسلام القذافي بعد وساطة بعض كبار الشيوخ، في اطار ما سمي باعادة تصحيح لمفاهيم هؤلاء المساجين. المفارقة انه بعد عام من الافراج عنه كان بلحاج يقف داخل باب العزيزية علي رأس جيش من الثوار بحثاً عن القذافي وولده سيف الاسلام. ويشيع البعض أن لبلحاج 45 عاما وما يمثله من تيار اسلامي أثر بالغ علي فحوي خطاب عبدالجليل الذي حدد مسار البلاد، حيث سبق ودعا المجلس الانتقالي الي تطهير نفسه من فلول نظام القذافي وجعل الشريعة الاسلامية أساس بناء الحكومة الجديدة للبلاد. وهي الدعوة التي دعمه فيها الشيخ علي الصلابي القيادي الاسلامي الليبي، والمناهض للتيار الليبرالي في المجلس الذي سبق وطالب محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي للمجلس بالاستقالة متهما اياه بالديكتاتورية ومحاولة فرض التيار العلماني. وبحسب صحيفة "فرونت بيدج" الامريكية فإنه رغم افتقاد الصلابي لدور سياسي علي الساحة الا ان شعبيته مستمدة من علاقته الوثيقة ببلحاج حيث كان أحد وسطاء صفقة الافراج عنه. ويري المحللون ان بقاء السلاح في أيدي الاسلاميين يمثل ورقة ضغط لا يستهان بها علي المجلس الانتقالي الليبي الذي يخشي من انزلاق البلاد لهوة الصراع بين التيارين الاسلامي والليبرالي خاصة في ضوء تصريحات القادة الاسلاميين. فقد كتب بلحاج في صحيفة الجارديان "ان قصر النظر السياسي لدي من يحاولون استبعاد الاسلاميين يجعلهم غير قادرين علي رؤية المخاطر الضخمة الناتجة عن هذا الاستبعاد". من هنا فإن هناك شكا يصل لحد اليقين في امكانية سيطرة الاسلاميين علي نصيب الأسد من كعكة السلطة الليبية.. والسؤال الآن لم يعد هل تتحرك ليبيا نحو العلمانية أم الاسلامية؟ لكن السؤال هو الي أي مدي ستصبح ليبيا دولة دينية؟