د. على جمعة د. ريان: مخالفة لتشريع الزگاة.. ود. شاگر: متسقة مع فقه الواقع ردود فعل متباينة ومختلفة أثارتها فتوي دار الإفتاء المصرية بشأن مشروعية إقامة مشروعات استثمارية وإنتاجية بأموال الزكاة والهبات والصدقات لدعم الاقتصاد المصري. وما بين مؤيد ومعارض للفتوي إنقسم العلماء إلي فريقين، الأول يؤيدها، ويراها متسقة مع فقه الواقع، والذي تعاني فيه مصر أوضاعا متأزمة علي المستوي الاجتماعي والإقتصادي، والثاني يعارضها، ويعتبرها مخالفة لتشريع الزكاة، والتي حدد الله تعالي مصارفها حصرا في القرآن الكريم . وفي سطور التحقيق التالي ترصد " أخبار اليوم " مزيدا من ردود الفعل حول الفتوي .. يأتي د. محمد فؤاد شاكر إستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس علي رأس المؤيدين لفتوي د. علي جمعة مفتي مصر، ويعتبرها متسقة مع فقه الواقع، ولاسيما أن مصر تعيش الآن واقعا إقتصاديا وإجتماعيا متأزما للغاية، وهو ما يتطلب من كل مواطن قادر أن يساهم بقدر إستطاعته في مجالات دعم الإقتصاد الوطني حتي تنهض مصر من جديد . ويؤكد د. شاكر أن المشاركة في دعم الاقتصاد المصري بات أمرا واجبا علي القادرين والمزكين من أبناء مصر بإعتباره مجالا من مجالات خدمة الوطن التي حث عليها الإسلام الحنيف في الكثير من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية . ويشير إلي أنه يؤيد تماما ما ذهب إليه د. علي جمعة بشأن مشروعية إقامة مشروعات استثمارية وإنتاجية بأموال الزكاة والهبات والصدقات لدعم الاقتصاد المصري.. ويؤكد أن هذا القول يأتي متماشيا مع ما ينبغي أن يسير عليه أصحاب الأموال والمزكين والمتصدقين، لأن إصلاح الاقتصاد يعد إصلاحا للبنية الاساسية في أي بلد من البلدان، حتي تتعافي مما أصابها من أدواء وعلل، وحتي تعتمد علي نفسها، وتستطيع أن تثبت فهمها لما نادي به الإسلام الحنيف . ويقول د. شاكر : وإذا ما أخذنا بفتوي د. علي جمعة، وساهم كل مزك ومتصدق في مجالات دعم الاقتصاد الوطني، فنحن بذلك نحقق الغاية السامية من فريضة الزكاة.. وبلا شك أن المساهمة في هذا الأمر يعد في حد ذاته مشاركة إيجابية في إنجاح ثورة 25 يناير، والحفاظ علي إنجازاتها ومكتسباتها، لأن انهيار الإقتصاد الوطني معناه ضياع كل شئ، وضياع كل ما حققته الثورة من إنجازات ومكتسبات . ويشدد د. شاكر علي ضرورة وجود رقابة نزيهة وشفافة تشرف علي عملية توجيه أموال الزكاة إلي مجالات دعم الإقتصاد، وذلك لضمان صرف هذه الأموال في أماكنها الصحيحة، وحتي لا تذهب وتضيع هدرا دون الإستفادة منها فتوي مقبولة أما د. سيد عبدالرحيم استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، فيؤيد هو الآخر فتوي د. علي جمعة، ويصفها بأنها فتوي مقبولة شكلا وموضوعا إذا ما تم الالتزام بالضوابط الشرعية . ويؤكد أن الشرع يؤيد كل مسألة تعود بالنفع والفائدة علي الفرد والمجتمع والوطن، مادام أن غايتها مشروعة، ووسيلتها لا تخالف قيم ومبادئ وأخلاقيات الدين،ولكن لابد من التأكد من أن هذه الاموال لا تقع في أيدي الفاسدين كما كان يحدث في السابق . ويشير د. عبدالرحيم إلي أن مصر الآن في أمس الحاجة لجهاد أبنائها بالعمل والتبرع من أجل النهوض بها، والانطلاق بها إلي آفاق رحبة وواسعة.. مؤكدا أن المكتسبات والانجازات التي حققتها ثورة 25 يناير بحاجة إلي تضافر وتكاتف الجهود من أجل الحفاظ عليها، والبناء عليها مكتسبات وإنجازات أخري تحقق لمصر الريادة المعروفة عنها منذ آلاف السنين . ويؤكد د. عبدالرحيم أن المساهمة في دعم الاقتصاد يدخل في نطاق التعاون علي البر والتقوي والتكافل الاقتصادي والاجتماعي، و ذلك طبقا للقاعدة الشرعية " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "، مشيرا إلي أنه يشترط في هذا الأمر التقيد بالضوابط الشرعية ، والتي من أهمها التأكد من توجيه التبرعات نحو الشركات الإنتاجية التي تعمل في مجال الضروريات والحاجيات ذات العلاقة بحاجات الشعب. مصارف الزكاة ومن ناحية أخري يبدي د. أحمد طه ريان استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر اعتراضا علي فتوي د. جمعة، ويعتبرها مخالفة لتشريع الزكاة، والذي حدد مصارف بعينها يدفع لها أموال الزكاة ليس من بينها إقامة مشروعات بحجة دعم الإقتصاد العام . ويقول د. ريان : مصارف الزكاة معروفة وثابتة بنص القرآن الكريم في قول الله تعالي : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالَمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " التوبة : 60 .. وبالتالي فإن الأمر ليس بحاجة إلي التأويل أو الاجتهاد الشخصي مادام أن النص حسم الأمر . ويقترح د. ريان حلولا أخري لدعم الإقتصاد المصري بدلا من دعمه بأموال الزكاة.. مؤكدا أن أهم هذه الحلول يتمثل في ترشيد الانفاق الذي يصل في بعض الأحيان إلي حد الاسراف، حيث إن هناك صورا كثيرة في دنيا الناس يراها الشرع إسرافا وتبذيرا وتجاوزا للحدود، ومن الممكن ترشيد هذا الاسراف وتوجيه الاموال المرشدة إلي صندوق دعم الاقتصاد الوطني . ويقول : ومن أوجه الاسراف التي يمكن الترشيد فيها المبالغة في متابعة الموضة والانشغال بجنون الأزياء، والاسراف في حفلات الاعراس وأعياد الميلاد، والاسراف في جولات " الشوبنج " وغيرها من أوجه الاسراف، والتي تنفق فيها الملايين من الجنيهات ، وكل هذه الامور من الممكن أن تكون من مجالات دعم الاقتصاد الوطني إذا إلتزمنا بمبدأ ترشيد الاستهلاك . موقف معارض ويتخذ د. عبدالفتاح ادريس استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر موقف المعارض لفتوي د. علي جمعة.. ويؤكد أن الفتوي مخالفة للشرع، فضلا عن أنه ليس هناك وسيلة لتفعيل تطبيقها في المجتمع . ويقول د. إدريس : من ناحية مخالفتها لشرع الله، فإن الله تعالي حدد مصارف الزكاة حصرا في القرآن الكريم، وليس من بين هذه المصارف دعم الإقتصاد الوطني، ويضاف إلي هذا أن إنفاق حصيلة الزكاة في مشاريع لدعم الإقتصاد الوطني يخرج الزكاة عن مسارها الصحيح شرعا إلي غير المستحقين للزكاة، بإعتبار أن الاقتصاد الوطني إنما يعود علي الاغنياء بالدرجة الأولي بالاضافة إلي الفقراء، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ عندما بعثه إلي اليمن : " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلي فقرائهم "، والزكاة إذا خرجت لدعم الاقتصاد فإنما تؤخذ من الاغنياء لتعود إليهم مرة أخري، وهنا تضيع الغاية من تشريع الزكاة . ويضيف : أما من ناحية أنه لا توجد وسيلة لتفعيل الفتوي، فذلك لأنه ليس هناك جهة حكومية أو غير حكومية تحمل علي عاتقها عبء جمع الزكوات، وقد سبق أن طُرح إنشاء هذه الجهة غير أن علماء الأمة رفضوا الأمر خشية أن تذهب أموال الزكاة إلي خزانة الدولة، ويتم إختلاسها من جهة القائمين عليها . ويؤكد د. ادريس أن هناك أمورا أخري يمكن أن نستغلها في مجالات دعم الإقتصاد الوطني، بدلا من زكاة الاموال، حيث يوجد في مصر العديد من أوجه الانفاق الذي يصل إلي حد السفه، ولاسيما في قطاعي الفن وكرة القدم وأيضا في أجور كبار الموظفين، ومن ثم فإنه من الاولي أن نوقف نزيف الانفاق علي هؤلاء حتي يسترد الاقتصاد المصري عافيته وقوته، فليس من المعقول أن نصرف المليارات والملايين علي لاعبي الكرة وعلي فن هابط، وعلي كبار الموظفين، ومصر بحاجة إلي الاموال لتلبية إحتياجات أهلها . ويتساءل د. إدريس : كيف بموظف يصل راتبه إلي ربع مليون جنيه شهريا، في حين هناك من يشغل نفس المنصب لا يتجاوز راتبه ألفا جنيه؟ .. ويؤكد أن ما يقال عن كبار الموظفين يقال أيضا في مجالات عديدة أهمها مجال التمثيل والرياضة.. مشيرا إلي هذا الأمر بالتأكيد خلل يقتضي العمل علي تصحيحه، الأمر الذي يساهم بشكل أو بآخر في دعم الاقتصاد الوطني .