يبدو ان رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف لم يجد لديه متسعا من الوقت لكي يأخذ حفيدته »جيداء« للفسحة ايام العيد. واعتقد ايضا ان حفيدته لم تعد تملك القدرة علي ان تطلب من جدها الخروج وهي تراه منهكا وقد بدأت علامات الشيخوخة والكبر تغزو شعر رأسه وتضع بصماتها علي تجاعيد وجهه. وأخشي ما اخشاه ان »جيداء« ربما تمنعه قريبا من الخروج.. وكأنها تريد ان تقول له »بلا.. هم.. سيبك من الشغلانه دي«. ورغم انني قضيت سنوات طويلة في عملي الصحفي قريبا من حكومات مصر المختلفة.. وسيكون حكمي مجردا وقائما علي الخبرة إلا انني اجد نفسي حائرا في الحكم علي حكومة الدكتور عصام شرف.. بكل ما يحمله من دماثة في الخلق. ففي الحقيقة لم تقدم الحكومة حتي الآن أي إنجاز غير عادي يمكن أن نتوقف أمامه أو نتحدث عنه. وأعرف أن ضخامة المشاكل ربما كانت سبباً في ذلك. بالاضافة للصخب والضجيج الإعلامي الذي تفرغ للحديث عن الماضي، وأغفل التواصل بين الحكومة والمواطنين. واذا كان من المنطق ان نقول ان احساس الناس بالحكومة وما تقوم به من اجراءات تستهدف تحسين احوالهم يظل مقياسا مهما في الحكم علي اداء اي حكومة.. فإن الامر ايضا يختلف مع هذه الحكومة الاستثنائية التي تضم ألوانا من الطيف والاتجاهات والافكار والرؤي.. ربما تؤثر علي الحصيلة النهائية لمدي نجاحها. واعتقد ان احد اكبر الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة هو عدم وجود رؤية واضحة لطبيعة عملها.. فرغم انها حكومة لتسيير الاعمال إلا انها بدأت تفتح ملفات كثيرة من تلك التي يمكن ان نطلق عليها قضايا استراتيجية.. اي تحتاج لدراسات ورؤي طويلة الاجل.. تناست الحكومة قضايا آنية يعاني منها الناس مثل ارتفاع الاسعار وعدم وجود سياسة واضحة لزيادة الاجور تعتمد علي زيادة الموارد وليس مجرد الانفاق الذي قد يصل باقتصاد مصر لنقطة الصفر. بالاضافة لقضية البطالة التي زادت سوءاً. تناست الحكومة قضية الانضباط داخل الشارع المصري وبدا تعامل الوزراء والمحافظين مع الناس باسلوب لا يحمل من الود والاحترام بقدر ما يحمل من الوهن والضعف والتدليل المبالغ فيه.. وكأن الديمقراطية والحرية تعني الانصياع لرغبات وطلبات الناس أيا كانت!! اعتقدت الحكومة ان الحرية هي ان نترك الناس يفعلون ما يشاءون دون عقاب رادع.. وبدأت مصر تعيش حالة رخوة تنذر بأخطر العواقب لان علاج هذه الحالة ربما يستغرق سنوات عديدة ويكلف تضحيات ضخمة. هذا العام أو العام القادم أو بعد عدة اعوام سيكون لدينا برلمان ومجلس للشوري ورئيس للجمهورية ونائب للرئيس.. ربما يكتمل الشكل القانوني للدولة وفي اطار ضوابط وقوانين تكفل الممارسة الديمقراطية وتعلي من قيمة العدالة الاجتماعية.. وتجد حلولا لمشاكل مزمنة مثل البطالة وارتفاع الاسعار والزيادة السكانية. سوف يحدث ذلك إما آجلا أو عاجلا. لكن ذلك كله سوف يواجه خطرا وتحديا صعبا يتمثل في سلوكيات وأخلاقيات المصريين وما شابها واختلط بها من قيم وثقافات وانماط غريبة وشاذة من الفوضي والتسيب والانحلال والتناحر. إن مجرد رصد دقيق لاحوال الشارع المصري اليوم كفيلة بأن يكشف لنا حجم الانفلات الذي يعلو صوته اليوم فوق كل شيء.. ليغتال كل المعاني والقيم النبيلة التي اعلاها شباب مصر وشعبها وجيشها في حركة التغيير يوم 52 يناير. فرغم وجود حكومة ومجموعة من الكوادر الوطنية التي كانت مهمشة خلال السنوات الماضية إلا ان احساس الناس بوجود الحكومة يكاد يتلاشي ويضمحل. فمصر كما يقول الناس تسير »بقدرة قادر«. ساعد علي ذلك تلك التصريحات الوردية التي يطلقها بعض الوزراء.. دون ادني إدراك لمعناها ومدي المسئولية التي تلقيها علي الحكومة. تصريحات تؤكد كلها ان اقتصاد مصر »ميت فل واربعتاشر« وانه قادر علي الصمود وتلبية الاحتياجات.. وغيرها من العبارات الانشائية التي تغفل تماما حقيقة ما تعيشه موارد مصر من نضوب كبير وتآكل الاحتياطي النقدي بصورة متواصلة ومتسارعة.. وعدم وجود اي مصادر اخري بديلة للدخل.. وسط إجازة طويلة وكئيبة تعيشها كل القواعد الانتاجية وحالة من الخمول والكسل والوهن اصابت كل المصريين وسقوط هيبة الدولة. أصبح الناس غير آمنين في بيوتهم أو خارجها وتكررت حوادث الخطف والاعتداء والسرقة بالاكراه وعدنا لزمن دفع الأتاوات من أجل نيل الحقوق. احتل الباعة الجائلون كل الأرصفة والشوارع في كرنفال قبيح يعيدنا لعصور الجهالة. أصبحت مصر التي نسمع عنها في أحاديث جهابذة السياسة والمفكرين الجدد غير مصر التي نعيشها ونكابد من أجل قضاء حوائجنا أو العيش فيها. سلوك الناس في الشارع يسوده منطق غياب سلطة القانون وسيفه البتار.. لتسود حالة من الفوضي والانفلات والتسيب.. تحولت شوارع كل مدن مصر ومراكزها إلي أوكار يديرها البلطجية واطفال الشوارع المدججون بكل انواع الاسلحة الفتاكة والقنابل اليدوية الصنع.. واصبح المرور في كل شوارع المحروسة وكل محافظاتها جزءا من فنون السيرك والبهلوانات وسط تواجد امني يصبح عدمه اقوي واكرم من وجوده. فقدت الحرية اسمي قيمها وتقاليدها لتصبح سلاحا فتاكا لا يعبأ بأحد، أو يخاف سلطة قانون وشرعية تتواري امام شريعة الغاب التي تتحكم اليوم في كل شيء. الاعتصامات والاضرابات ربما تكون قد اختفت من ميدان التحرير.. لكنها امتدت لتشمل كل مدن مصر.. بل وقراها وكل المؤسسات الحكومية التي تحولت إلي ساحات للمعارك وتبادل الاتهامات.. والبحث عن حقوق افرطنا كثيرا عندما أوهمنا الناس بها بعد يناير. شوارع مصر تحولت كلها إلي مقالب للقمامة.. وفي غياب كامل من المحليات التي تم حلها بدأت ظاهرة إنفلات البناء وتعلية المباني القائمة »وأعلي ما في خيلك اركبه.. يا مين.. محدش عارف«!! وأدي ذلك إلي التأثير علي قوة التيار الكهربائي.. وانفجار العديد من خطوط الصرف الصحي ومياه الشرب.. ظاهرة البلطجة والسطو المسلح تنتشر اليوم في كل شوارع مصر.. واصبح اللجوء للامن خيارا لا يفضله الناس لانهم يدركون ان امنا بلا قوة وسلاح ردع يعلي صوت القانون.. يعني السير في اتجاه معاكس تماما لنيل الحقوق. يا سادة مصر في خطر!!