أعتقد أن »جيداء« حفيدة الدكتور عصام شرف لن تسأله بعد اليوم انت رايح فين ياجدو؟! وهو يتأهب للذهاب إلي عمله. لكنها حتماً سوف ترتمي في أحضانه لتمنعه من الخروج وهي تقول له : »أنا عايزاك ياجدو!!«. لكن قدر الجد الدكتور عصام شرف سوف يحتم عليه الخروج لكي يكمل المسيرة التي انساق إليها بوطنية جارفة وانتماء أصيل ولم يكن يدور بخلده ولو للحظة واحدة أنه سوف يواجه هذا القدر الكبير من الأنواء والتحديات والصعاب فتحقيق معادلة ارضاء كل الناس بات أمراً صعباً ومستحيلاً. ورغم ثقة الجميع بعدالة مطالب الناس بعد طول صبر وانتظار إلا ان تحقيقها بسرعة يمثل تحدياً تقف ظروف مصر الاقتصادية حائلاً دون تحقيقه. وإذا كان رئيس الوزراء بدماثة خلقه قد أكد أن ادراك الناس للتحديات والعقبات التي يواجهها سوف تعينه علي اجتياز الأزمة الصحية الأخيرة وليست الوحيدة التي تعرض لها. إلا أنني أختلف تماماً معه لأن الناس في النهاية سيكون حكمها بقدر ما جنت يداها من ثمار الثورة وانعكاسها علي حياتهم وقدرتها علي الوفاء بكل الوعود والعهود التي التزمت بها ومعظمها لايزال محلك سر! علي مدي 03 عاماً تابعت عن قرب العديد من التغييرات والتعديلات الوزارية خلال عملي كمحرر لشئون مجلس الوزراء. وكان ل »أخبار اليوم« سبق الانفراد بالعديد من التعديلات والتغييرات والتي شهدت مواقف عديدة تلقي بعض الضوء علي طبيعة العمل في مطبخ الحكومة كما نسميه نحن الصحفيين. غير أن متابعتي للتغيير الوزاري الأخير تجعله يخرج تماماً عن النص الذي كان مألوفاً سواء في طريقة الاختيار أو أسلوب رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف أو المناخ العام الذي تتم فيه التعديلات والذي يضع صاحبه دائماً في مهب رياح عاتية أتحدي واثقاً أن أحداً في مصر يعرف من أين تهب وكيف تأتي؟! واكتفي الجميع بالتزام السكون والانتظار الممل حتي تنقشع آثارها. غير أن تزايد قوة الرياح يؤكد بما لا يدع مجالاً لأي شك أن هناك من يوقد نيرانها ويؤجج ثورتها وهي تدمر كل لحظة أي بصيص للأمل في الخروج من هذه الحالة الرخوة التي تنزوي فيها مطالب ثورة يناير أمام طغيان مصالح سياسية خارجية لا تبغي لمصر خيراً وهو ما يدعونا ويفرض علينا جميعاً اليقظة والحذر والايمان الكامل بأننا جميعاً في سفينة واحدة تجتاز الآن حدود الخطر في بحر من المصالح يتوه فيه الصديق والعدو وتبقي وطنية وانتماء أبناء مصر هي بوصلة الأمان الوحيدة لها.
لقد اختار الثوار الحقيقيون الدكتور عصام شرف رئيساً للوزراء في تلك الفترة الانتقالية الصعبة وكان ذلك جديراً أن يكون سنده الأول في تحقيق بعض الأهداف والمطالب العاجلة والتمهيد لمرحلة جديدة من العدالة والحرية والديموقراطية. غير أن هذا السند تحول إلي معول هدم يستخدمه اليوم بعض الدخلاء الذين ينتمون لثورة يناير بحناجرهم وسموم أقلامهم التي تشيع جواً من البلبلة والتوتر والشائعات ولا تخدم سوي مصالحهم الضيقة التي لا يستفيد منها سوي أعداء مصر والمتربصين بها والذين يسعون بجد لنشر حالة من الفوضي والتسيب. لقد جاء التشكيل الوزاري الجديد بمجموعة منتقاة ربما لم تأخذ حظها من الإعلام في الفترات السابقة وبالتالي يصبح الحكم علي الكفاءة والمقدرة مجانباً للصواب لكني أعتقد ان وجود النائبين الدكتور علي السلمي والدكتور حازم الببلاوي وبكل ما لهما من باع طويل في السياسة وخبرة ومهارة في الإدارة والاقتصاد وعلوم التنمية يمثل مؤشراً يؤكد أن البوصلة تمضي في الاتجاه الصحيح. وأعرف أنهما قبلا المنصب بوطنية مجردة بعد جهد مضن بذله الدكتور عصام شرف والذي يمثل في رأيي أول رئيس وزراء لا يجد »عبده مشتاق« لأن قبول أي منصب اليوم يمثل مجازفة كبري يقلل من آثارها الثقة في القدرة علي العطاء والتجاوب مع متطلبات وأولويات تلك المرحلة الدقيقة. نعم لقد أشفقنا جميعاً علي رئيس الوزراء الذي لم ينجح حتي اليوم في أي شيء بقدر نجاحه في محبة أبناء مصر له وأعتقد انه يمكن أن يكون سبباً قوياً وأساسياً في نجاحه لتحقيق الأهداف المنشودة من وزارته الجديدة. وأعتقد أنه مع الأسبوع الأول لعمل الحكومة الجديدة فإن إعادة ترتيب الأولويات تمثل أهمية قصوي . إن التفكير في مشروع ممر التنمية ومشروع زويل العلمي يمثلان حاجة ماسة ولكن ليس الآن لأن هناك أولويات أكثر أهمية تعالج مشاكل وتحديات يواجهها الناس وتتعلق بأرزاقهم. ولذلك من الضروري انعاش الاقتصاد الذي يشهد تدهوراً مستمراً نتيجة بعض المفاهيم المغلوطة والمخاوف المتزايدة من استمرار فقدان الأمن والاستقرار. ويتزامن مع ذلك تحسين بيئة العمل وربط الأجور بالانتاج ووضع حلول لمشكلة البطالة في اطار استراتيجية واضحة المعالم تأخذ في اعتبارها حاجات سوق العمل والتدريب والتعليم والمشكلة السكانية وإعادة تنشيط حركة الاستثمار والسياحة والقطاع الخاص وكذلك تمهيد الساحة لاجراء الانتخابات البرلمانية التي يقترب موعدها رغم حالة الجدل العقيم التي كانت مضيعة للوقت. لاشك أن وجود العالمين الدكتور علي السلمي والدكتور حازم الببلاوي يقطع الطريق أمام أي اجتهاد لوضع الأولويات لانهما أكثر ادراكا لها، لذلك أشير في عجالة إلي أولوية خطيرة قد لا نوليها أي اهتمام وهي ولادة واقع جديد للثقافة المصرية بعيدا عن المفاهيم الضيقة لمفهوم الثقافة. نريد ثقافة جديدة تعلي قيم الانتماء والوطنية.. ثقافة جديدة للحرية والديموقراطية يتضح منها الفارق بين الواجبات والحقوق. نريد ثقافة جديدة للاعتصامات والاضرابات التي تحميها الشرعية والقانون. ثقافة جديدة تعلي من القيم الأخلاقية التي تكاد تختفي من وطأة مفاهيم خاطئة ننساق إليها جميعا دون أي وضوح في الرؤية. نريد ثقافة جديدة لتقبل الآخر والخلاف في الرأي وعدم مصادرة أي فكر أو اجتهاد. وبعد التغيير الوزاري أشم رائحة محل »كباب وكفتة« سوف يذهب إليه رئيس الوزراء مع حفيدته جيداء بعد عزومته »الأونطة« علي الفول والطعمية.. واحذري ياجيداء فمصر كلها نفسها في الكباب والكفتة وحساب جدك هيتقل!!