تعلمنا منذ الطفولة ان التربية قبل التعليم …والقيم لا تتجزأ …وان الكذب حرام والصدق منجي . والكذاب اخو الحرامي والاثنين في جهنم … كبرنا وعرفنا ان هناك كذب مباح اطلقوا عليه »الكذب الأبيض » لانه لا يضر ولا يعد من الكبائر ولكن امي رحمها الله رفضت هذه الموضة او البدعة في تحول الأخلاق وكان ياويل من يكذب عليها وكان العقاب شديدا مثل الحرمان من المصروف او النوم بدون عشاء ! ومع بداية سن المراهقة زهقت من فرمانات امي وقررت ان أحرجها بحجة ان الصدق منجي والكذاب يدخل النار … اثناء زيارة واحدة من الجيران لامي وكانت تعاني هذه السيدة من رائحة عرق نفاذة في موسم الصيف قررت اعلان الحرب وقلت لامي بدون مقدمات :( ايه الريحة ديه ؟) لم تتردد امي وأجابت ( ربما تكون ريحة تقلية بصل دخلت من الشباك ) وجاءت الصدمة في قولي ( لا دي ريحة عرق طنط فلانة )!! وفورا اعتذرت امي للجارة التي خرجت ولم تعد بعد ذلك … ثم واجهت غضب امي بعد ذلك في درس قاس لا أنساه حتي الان … قالت : ليس من الأدب ان تجرحي مشاعر الناس وتقولي ( انا صريحة ) او ( صادقة ) هناك فرق كبير بين الصراحة والوقاحة … لقد كنت غاية في الوقاحة وقلة الأدب … تذكرت تلك الواقعة بعد ان اكتشفت ان ابناء هذا الجبل اعتنقوا مبدأ الوقاحة في التعامل مع الصغير قبل الكبير تحت ستار (انا لا اكذب ولا أتجمل)! شاب في الجامعة اعتاد احراج والدته مع كل تجمع للاسرة ويتهمها بالتخلف لان تعليمها متوسط! وفتاة من أسرة راقية دايما تثير الشكوك حول مصداقية والدها بحجة انها صريحة جدا!… وثالث يوكد باستمرار ان أمه لا تجيد الطهي وبصفة خاصة في تجمعات الأصدقاء! نماذج كثيرة عرفتها عن قرب وسمعت مر الشكوي من تصرفاتهم الشاذة وعندما تلفت نظرهم يدعون (الصراحة) التي تحولت الي سلاح قاس يوجه لأقرب الناس! في اعتقادي ان التوعية اصبحت غائبة من الجميع.. من البيت والمدرسة ومختلف وسائل الإعلام مما ادي الي كارثة اخلاقية في الأجيال الجديدة التي حولت (الصراحة) الي (الوقاحة)… نحن جميعا يا سادة متهمون يتفشي تلك الظاهرة ويجب اعادة النظر في أسبقية التربية قبل التعليم… ولكن دايما وابدا تحيا مصر.