الخوف من الله ومن حساباته وعقابه ومحارمه فرض علي كل مؤمن كما قرر العلماء مستدلين علي ذلك بقوله تعالي: »فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين«.. وهذا الخوف من الله يستلزم عند صدقه الرجوع إلي الله، والاعتصام بحبله وبابه، ومادام القلب مستشعرا روح الخوف من الله فإنه يظل عامرا بالايمان واليقين. وليس المراد من خوف الانسان لله تعالي ما يخطر بالبال من الرعب، بل يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك صدقوا حين قالوا: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا كما ان الخوف من الله ليس شكلا خارجيا فليس الخائف يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف ان يعاقب عليه. والخوف من الله ليس هربا منه أو إعراضا عنه بل هو قوة احساس بعظمته وهيبته، وجلاله وحقه وقوة عزيمة في الاقبال عليه ليكون الانسان اهلا لقبوله ومرضاته، فاذا صدقت في خوفك من الله زدت لجوءا اليه واعتصاما بحبله، وذلك بخلاف خوفك من غيره، فالانسان اذا خاف شيئا اخر غير الله بعد عنه وهرب منه. والصادق في خوفه من الله يبذل غاية جهده في التحرز من المعصية، وفي القيام بالطاعات والقربات ومع ذلك يخاف ألا يبلغ بجهده وعمله مرتبة المقبولين الذين يقول الله تعالي فيهم: »رضي الله عنه ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه«.. ولقد جاء في السنة ان السيدة عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله »صلي الله عليه وسلم« عن قوله تعالي: »والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون« فقالت: يارسول الله قول الله »والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة« اهو الذي زني ويشرب الخمر ويسرق؟. قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ان لا يقبل منه. والدواعي التي تدعو الانسان إلي استثمار الخوف من الله جل جلاله كثيرة، وقد احصي حجة الاسلام الغزالي مجموعة منها، فذكر ان هناك مكروهات كثيرة يخافها الناس، كالذين يغلب عليهم خوف الموت قبل التوبة، أو خوف نقض التوبة بعد القيام بها ونكث العهد بعد ربط النفس به، أو خوف ضعف القوة من الوفاء بتمام حقوق الله تعالي، أو خوف زوال رقة القلب وتبدلها بالقسوة أو خوف الميل عن طريق الاستقامة، أو خوف استيلاء العادة في اتباع الشهوات المألوفة، أو خوف ان يكله الله تعالي إلي حسناته التي اتكل عليها أو تفاخر بها بين عباد الله، أو خوف البطر بكثرة نعم الله تعالي عليه، أو خوف الاشتغال عن الله بغير الله، أو خوف الاستدراج باتصال النعم وتواترها أو خوف انكشاف غوائل الطاعات حيث يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب أو خوف تبعات الناس عنده بسبب الغيبة والخيانة والغش واضمار السوء.. أو خوف مالا يدري انه يحدث في بقية عمره، أو خوف تعجيل العقوبة في الدنيا والافتضاح قبل الموت أو خوف الاغترار بزخارف الدنيا، أو خوف اطلاع الله علي سريرته في حال غفلته عن الله أو خوف خاتمة السوء عند الموت. فعلي المؤمن إذن ان يواصل استشعار الخوف من الله والوجل لذكره، والخشية من عقابه، وليتذكر قول ربه: »إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون« وكذلك يقول الحق جل جلاله: »وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين علي ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون«. وليتذكر ذلك المؤمن المتجلي بفضيلة الخوف من ربه ان سيد الخلق رسول الله صلي الله عليه وسلم كان اشد المؤمنين خوفا من الله وهيبة له، وخشية من جلاله مع انه المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.