اذا سألت أي مواطن ، أو أجريت أي دراسة علمية للرأي العام ستجدأن الموضوعات والقضايا الاقتصادية هي محور اهتمام الجميع. أمام هذا الموقف الواقعي والحتمي فإنني إسأل أين القضايا الاقتصادية من اهتمامات الإعلام بكل صوره؟ واذا كان هذا الاهتمام موجوداً فانه يفتقد للعديد من العناصر الهامة. منها جدية الاهتمام المتواصل، منها بساطة التناول الذي يفك المصطلحات الكبيرة ويسهل هضمها للمواطن البسيط. ومنها نوعية وقدرات من يقدمها . ومنها نوعية الشخصيات التي سيتم استضافتها فهي في الغالب وجوه متكررة، منها تواضع مستوي البرامج المتخصصة وان وجدت فهي تذاع في أوقات تتواضع فيها نسبة المشاهدة. والأكثر من ذلك أنها لا تلجأ إلي الشخصيات المتخصصة في مجالها. مثلاً مجال السياسات النقدية والتي يتحمل مسؤلياتها البنك المركزي، وهنا إسأل لماذا لا تستضيف هذه البرامج قيادات البنك المركزي بحكم أنهم الاصل في السياسات النقدية. نعم لدينا صفحات متخصصة وملاحق متخصصة يغلب عليها الطابع الإعلاني أكثر من الطابع الإعلامي الشارح والمبسط والمفسر. نعم لدينا بعض الكتاب المحترمين والمشرفين علي هذه الصفحات والملاحق ولكن جهدهم وحده لا يكفي. إنني حينما أطالب بإعلام اقتصادي ليس بالضرورة ان يتم من خلال برامج متخصصة جافة، وإنما أقصد تناول هذه القضايا والموضوعات من خلال برامج التوك شو وخاصة ذات المشاهدة العالية أن كان هناك مشاهدة عالية. وأقصد أيضاً تلك المؤتمرات والندوات داخل الجامعات ، والجامعات المتخصصة. ودليلي في هذا تري كم مواطن يعرف معني التضخم، وعجز الموازنة، والفرق بين السياسة المالية والسياسة النقدية، ميزان المدفوعات والميزان التجاري. هل تصدقون ان مثل هذه القضايا يمكن تناولها عبر برامج ترفيهية فكاهية ومسلسلات درامية. سؤالي هل لدينا اهتمام إعلامي حقيقي بالموضوعات الاقتصادية وهي الآن لب حياة المواطن والدولة؟. وسؤال آخر هل وزراؤنا وكبار المسئولين يعرفون كيف يخاطبون الرأي العام في هذه الأمور واذا حدث ؟ هل يقوم الإعلام بدوره في تبسيط وشرح هذه المفاهيم؟. لا تتعجبوا حينما تتزايد شكوي الناس من أوضاعهم الاقتصادية لأنهم يتحدثون مع أنفسهم ولا يجدون أحداً يتحدث معهم لأنهم يفاجأون بقرارات اقتصادية ولا يعرفون لماذا حدثت وما الاسباب التي أدت الي ذلك. لقد حدث وهذا أمر لابد من الاشارة اليه ان شاهدت حلقة من برنامج »مال وأعمال» الأسبوع الماضي والذي تقدمه المحترفه دينا سالم ومعها فريق اعداد جيد. شاهدت فيه ثلاث من قيادات البنك المركزي فهمت منهم ما لم أكن أفهمه، فهمت معني تحرير سعر الصرف، فهمت منهم ان القرارات التي يتخذها المركزي تعتمد علي دراسات واقعية وتنبؤ بالمستقبل. وكانت المفاجأة لي انه بناء علي طلب المشاهدين تم إعادة الحلقة. اليس هذا دليل علي ان الناس حينما تسمع ببساطة ومصداقية من وجوه متخصصة فانها تحتاج الي مزيد من الفهم.. يا سادة الاقتصاد، ثم الاقتصاد، ثم الاقتصاد هو الهم الاول والأخير للمواطن. ودليلي وبدون مزايدة ان تحليل خطابات الرئيس السيسي أصبح 95% من محتواها اقتصادي بحت. هل يأتي اليوم ونري إعلاماً اقتصادياً مسئولاً وواعياً.