تمر مصر الآن بمرحلة فاصلة وعصيبة من تاريخها، وهي تشهد خلال تلك المرحلة مجموعة من التحديات البالغة الخطورة ؛الأمر الذي يستلزم من كل فرد فينا أن يكون علي قدر المسئولية وعلي قدر تحديات المرحلة، فمصرنا في أمس الحاجة إلي أن يضع الجميع مصلحتها العليا قبل أي مصلحة شخصية، وأن يتحلي أبناؤها بكل القيم التي تحس علي العمل والجد والاجتهاد، وأن يقوموا بالتضحية والإيثار، وسد كافة السبل التي يمكن لأعداء مصر وشعبها التسلل منها ليبثوا الشائعات و الأفكار الهادمة، ويروجوا للفتنة الطائفية، ويشعلوا نار الخلافات لكي ننشغل عن إعادة بناء مصر والنهوض والارتقاء بوطننا للمكانة التي تليق به .. لقد ابهرنا العالم كله بثورتنا وعلينا أن نكمل الإنجاز ونستمر في التغيير والتطوير، والحقيقة أن التحدي الذي نعيشه يستلزم من كل فرد فينا أن يعيد بناء نفسه ويسلحها بمقومات النجاح، ويلتزم بكل ما نادي به ديننا الحنيف من قيم وفضائل ويرسخ ما رسخه الإسلام من مبادئ،، يقول فضيلة الشيخ فرحات سعيد المنجي وكيل الوزارة بالأزهر الشريف سابقا: التحديات السياسية و الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها مصر جد خطيرة، ولا يستهان بها، الأمر الذي يحتم علينا أن نكون علي قدر المسئولية، مدركين لحجم تلك التحديات وما يحيط بنا من مخاطر، ولما يجب علينا القيام به، أننا بالفعل في تلك المرحلة المهمة من تاريخ مجتمعنا نحتاج إلي وقفة تصحيح مع أنفسنا، نحتاج لإعادة بناء أنفسنا بما يتناسب مع تحديات تلك المرحلة لكي يتمكن كل فرد فينا من أن يكون قوة فاعلة محركة لمسيرة العطاء والنهوض والبناء، ولهذا يجدر بكل فرد فينا علي أن يتحلي بالفضائل والقيم الإسلامية، و أن يستقي أحكامه علي الأمور كلها من هدي الإسلام وشريعته، و أن يراقب الله في كل أعماله وشئون حياته. و أن ندرك أن بالعمل وحده يكون سبيلنا للغد الذي نرجوه ونسعي إليه، فبالعمل تحدث التنمية وتنتقل مصر من حال لحال، و العمل من الأسس الهامة في بناء شخصية المسلم، لذا علي الفرد أن يحرص علي إتقان العمل المكلف، فالمسلم العامل له في الحياة أهميته مهما كان عمله ما دام عملا شريفا وما دام كسبه حلالاً، فهو يشارك في عمارة الحياة وازدهارها،و يعمل علي دفعها إلي الأمام . ويشدد المنجي علي أن التنمية وبناء اقتصاد الوطن،لا يقومان إلا علي الأموال العامة، وأن بالاقتصاد القوي يتحقق التكامل الاجتماعي بين أبناء الوطن وبسببه تتوافر أسباب القوة ووسائل الدفاع عنه، وعن أمنه وحدوده وهيبته، والمحافظة علي المال العام هو حفاظ علي قوة مصر. ويقول: الجميع مطالب بالحفاظ علي الممتلكات العامة والخاصة أيضا، والابتعاد في تلك الفترة الحرجة عن الدخول في إضرابات فئوية والتي كلفتنا الكثير في فترة وجيزة، فاقتصادنا في حاجة للدعم وليس في حاجة لمن يزيد أوجاعه ومشاكله، وما نراه من اعتصامات ومن تخريب للمنشآت وإحراق لمرافق الدولة وتعطيل لحركة العمل والإنتاج كلها سلوكيات لا تتوافق مع ديننا وقيمنا و حبنا لوطننا، وتكلفنا الكثير وتعود بنا للوراء. التطبيق العملي للعقيدة ويشدد د. محمد فؤاد شاكر أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، علي أننا بالفعل في أشد الحاجة إلي بناء مجتمعنا علي أسس جديدة وصحيحة، في حاجة لعمل إحلال وإبدال للكثير من الصفات التي يجب أن نتخلص منها لأنها ستعيق مسيرتنا نحو الغد الذي ننشده والذي من اجله خرجنا ثائرين علي الظلم، في حاجة لتحلي بصفات وأخلاقيات وفضائل تمكنا في السير والنهوض والارتقاء بمصرنا فنعود لها بكل انتماء حقيقي وتعود لنا بعد سنوات طويلة من الاختطاف.و يقول: لقد كان الهدف الأساسي من بعثة الأنبياء والرسل هو بناء الشخصية الإسلامية المحققة لغاية وجود الإنسان علي الأرض، وتنظيم تكوينها، وتثبيت مقوماتها علي قواعد الإيمان بالله، والاستقامة علي منهج الإسلام في الفكر والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جاء القرآن الكريم، ليأمر خاتم الأنبياء والمرسلين والمؤمنين به بقول الله: " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير".. وحدد الحكيم العليم كيفية تنفيذ هذا الأمر فقال تعالي: "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك علي صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون "، كما قال سبحانه : "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوّ مبين"، كذلك قوله تعالي: "ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك". ويوضح د. شاكر أنه حين يرغب الإنسان بصدق في إعادة بناء نفسه وتقويم شخصيته هناك مجموعة من الأسس عليه الالتزام بها، و يقول: منها أن يختار لنفسه الأسوة الحسنة، إذ يبدأ المسلم تكوين شخصيته الإسلامية سلوكا وتطبيقا من القرآن الكريم ومنهج الرسول " صلي الله عليه وسلم "، فقد ذكر القرآن الصفات الأساسية التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالي، وهي الصورة التي تمثلها شخصية النبي "صلي الله عليه وسلم" لأن خُلُقه القرآن ولأن الله قد أدبه فأحسن تأديبه.ومن الأسس كذلك العلم، حيث تتسامي شخصية المسلم بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير، وينير مسالك الحياة، فيمضي فيها علي هدي، فتتميز شخصيته من غيره بالفكر والعلم المفيد، أيضا العبادات، فهي دعائم الإسلام، وهي التطبيق العملي للعقيدة، والعبادات بدورها تثمر السلوك الصحيح والخلق القويم، وترسم لشخصية المسلم الخطوط العريضة فيعيش حياته موصولا بربه، حانيا علي مجتمعه، ففي كل عبادة من عبادات الإسلام يستشعر بنبض الإيمان في أعماقه فلا ينبعث من حياته إلا الخير، ولشخصية المسلم سمة من أرفع السمات التي تميزه عن غيره، إنها القوة الدافعة قوة الإيمان التي تستحثه علي ارتياد مسالك الخير، وتجعل منه إنسانا قويا لا يخشي في الحق لومة لائم، وهو يستمد ثباته من عقيدته. عودة مصر للريادة ويؤكد المفكر والداعية الإسلامي د. محمد أبو ليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، علي أننا لابُدَّ أن نعلم جميعا أننا نعيش الآن في مرحلة جديدة قد جاءت نتاج لثورتنا التي كتب لنا المولي"عز وجل" النصر والتأييد فيها من عنده، و هي مرحلة فاصلة في حياتنا تحتاج منا لليقظة والانتباه وعدم خلط المفاهيم، فعلي سبيل المثال كل فرد فينا يجب أن يعرف الفرق بين الحرية والفوضي . ويقول د.أبو ليلة : لابد من الحذر كل الحذر من الانسياق وراء الشائعات التي تطلق، ومن الانسياق وراء المخططات التي تحاك لنا بهدف إشعال نار الفتن الطائفية وخلق حالة من الانفلات الأمني والفوضي، لصرفنا عن إعادة البناء والنهوض. فالكثيرون يخفيهم عودة مصر لريادة العالم الإسلامي والعربي ويسعون بلا هوادة لعدم تحقيق ذلك وعلينا إلا نمكنهم من نيل أهدافهم، بل علينا تقوية الروابط بيننا مسلمين ومسيحيين فنحن نسيج واحد لم تنجح أي محاولة علي مر التاريخ من اختراقه، ولابد من التصدي إلي الغلو والتطرف والتشدد، فالدين الإسلامي هو دين يسر وليس عسرا، يقول تعالي: "وما جعل الله في الدين من حرج"، و"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وفي الحديث الشريف عن الرسول "صلي الله عليه وسلم": "بعثت بالشريعة السمحة السهلة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك". فالتطرف سبب رئيسي لتفرقة أبناء المجتمع الواحد وتشتيتهم وعدم اجتماعهم علي كلمة واحدة إيذاء المخاطر التي يتعرضون لها، وهو فتيل الفتنة، والاقتتال بين فئات الشعب الواحد والأمة الواحدة، وهو سبب رفض الآخر ورفض التعايش والتوافق معه. والواجب الآن يقتضي أن نعلي من قيمة المواطنة التي هي مبدأ أصيل الإسلام أول من رسخه واقره، وأن ننتبه لأعدائنا في الداخل الذين لا يزالون يحلمون بالقضاء علي الثورة، وكذلك الأعداء الخارجون الذين يعترفون في وسائل إعلامهم أنهم يصنعون الفتن وأنهم قد نجحوا في تأجيج نار الخلافات بين المسلمين والمسيحيين في مصر، فهؤلاء أيضا يحلمون ليل نهار بتحطيم استقرار مصر وأمنهم، ومن هنا علينا الحيطة وسد كافة منافذهم وتدمير مخططاتهم الشيطانية، ولنا في تطبيق مبادئ ديننا الحنيف سبيل النجاة من مكرهم، وكما يقول تعالي في محكم آياته: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، فحين نرسخ المواطنة، ونطبق العدل، ونحافظ علي أمن الوطن وممتلكاته ومدخراته، ونكرس وقتنا للعمل والإنتاج، ونبتعد عن الرذائل والمفاسد والفتن ونتقي الله في كل قول وفعل لن يتمكن عدو لنا في الداخل أو في الخارج من النيل منا ولا من وطننا. ولهذا لابد من أن يقوم كل فرد كبيرا كان أو صغيرا بمحاسبة نفسه بعد أن يوقظ ضميره، وأن يحرص علي أن يهتدي بهدي الله، وكتابه، وسنة رسوله " صلي الله عليه وسلم". كي نعرف جميعا الطريق للغد ونرسمه، وكي نعرف الأصدقاء والأعداء، وكي نبني البناء السوي بإتقان، وننجح في مسيرة إعادة بناء الوطن، و إلا فأننا سوف نقضي علي ما حققته ثورتنا من مكتسبات، ولن نصل إلي المجتمع الذي نسعي للعيش فيه.