المتظاهرون عبروا عن روح الوحدة الوطنية في أجواء مشحونة وتوترات تسود الحديث عن العلاقة بين »أقباط ومسلمي« مصر.. وفي وقت قد يفهم فيه البعض ان طرح هذه التساؤلات محاولة للانتصار لطرف علي حساب آخر.. قررنا أن نبادر ودماء الشهداء لم تجف ورائحة الحرائق لم تغادر بعض منازلنا وكنائسنا ان نناقش المسكوت عنه الاسئلة المحرمة بين »اخوة الوطن« والتاريخ وشركاء الحاضر والمستقبل. قائمة الاسئلة المحرمة طويلة وممتدة وعلامات الاستفهام تتزايد والاتهامات المتبادلة بين المصريين »علي أساس طائفي« لا تقف في كل الحالات علي أساس هش وليست دائما قائمة علي أوهام.. من هذه الاسئلة المنتشرة التي تدور في غرف مغلقة ما يتردد بأن الكنائس لم تعد دورا للعبادة والصلاة بل مخازن للسلاح ليتم استخدامها في الوقت المناسب؟ ويغذي هذا الاحساس تصرفات بعض الاقباط خارج مصر وفي الداخل أيضا عندما يطالب هذا البعض واشنطن بالتدخل لحماية اقباط مصر من الاضطهاد الديني ووصلت قمة التصعيد الطائفي في حادث القديسين بالاسكندرية حيث أعلنت قيادات من أقباط المهجر قيام دولة مستقلة للمسيحيين في مصر، وراح هؤلاء يذهبون بخيالهم المريض بأن دولتهم المزعومة تشكلت من خلال هيئة تأسيسية من مائة قبطي من داخل وخارج مصر وطالبوا بالحصول علي 52٪ من المناصب السيادية في مصر واطلاق حرية بناء الكنائس بلا حدود وتشكيل محاكم للأقباط تمهيدا لحكم ذاتي للاقباط في مصر! وتبني ما يسمي بالدولة القبطية اسماء وجهات معروفة بتطرفها الشديد مثل موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية ومنظمة كميل الدولية من أجل يسوع وقناة الحقيقة المسيحية ومنظمة »ستاند اب امريكا« وقناة الطريق المسيحية بولاية نورث كارولينا وتم الاعلان عن ذلك من خلال مسيرة نظمها اقباط المهجر لتأييد مطالب زعيم الفاتيكان بالتدخل الدولي لحماية المسيحيين في مصر. التشكيك في الكنائس بالتأكيد قوبلت هذا الدعوات بالرفض الشديد داخل الاوساط المسيحية والكنيسة نفسها التي تنحاز لصوت العقل والحكمة في إدارة الملف بينما تتصاعد اتهامات وتطفو الشائعات مجهولة المصادر لتقفز علي تصريحات الكنيسة المعلنة فإذا كانت تصريحات المسئولين لا تحظي بثقة الشارع فيصبح التشكيك فيما تعلنه قيادات قبطية كبيرة - وسط هذا المناخ - محل رفض وتشكيك وتصل الاتهامات إلي درجة الاسفاف من البعض بأن الكنائس أوكار للمخدرات والتجسس علي مصر لصالح جهات أجنبية!! كل الاتهامات حول الكنائس تؤدي في النهاية إلي طريق واحد لإزالة الشبهات حيث يطالب هؤلاء بضرورة فتحها للتفتيش للتأكد من عدم وجود أسيرات أعلن اسلامهن أو سلاح ويقترح البعض تشكيل لجان من الجيش والشرطة ورموز المجتمع المدني للقيام بهذه المهمة. هذا المطلب تحديداً يراه الكثيرون اهانة للكنيسة المصرية وتشويه لسمعة دور العبادة.. واعتبرت قيادات كنسية مثل القمص صليب متي عضو المجلس الملي بأن الازهر والكنيسة لهما قدسية يجب الحفاظ عليها، ومثل تلك الافعال لم تحدث من ايام الفتح الاسلامي بينما يري القمص عبدالمسيح بان تلك الافعال تهدف بالدرجة الاولي لاحداث »شوشرة« وإحراج الدولة والكنيسة مشيرا إلي ان الكنائس والاديرة تخضع لرقابة وحراسة مشددة من الامن المركزي وهو ما يؤكده هاني لبيب مدير مركز »تقارب« للثقافات والترجمة بان الكنائس مفتوحة طوال الوقت ولا يمنع احد من دخولها وبسبب حوادث التعدي علي الاديرة كان الامن يطلب بناء اسوار عالية لتحصينها فبدت وكأنها قلاع محصنة. وتطرق إلي اقباط المهجر بأنهم ليسوا جميعا في سلة واحدة فمثلا موريس صادق ومجدي خليل لا يعبران عن كل اقباط المهجر بل ان بعضهم يتواصل الان مع المثقفين المصريين لحل المشاكل التي تواجهنا الان وقطع الطريق علي الاستقواء بالخارج يكون بتفعيل القانون الذي يحسم كل التوترات ولو تم اعدام مفجري الفتنة في حادثة واحدة لتم اخمادها للابد مع عدم اللجوء لمسك العصا من المنتصف حيث نري ادانة شخص من هذا الطرف وشخص من الطرف الاخر لارضاء الجانبين!! وحول التيارات الاسلامية يري انها تتبني خطابا مضطربا ومتناقضا احيانا وعندما يتحدثون عن ترجمة حقوق الاقباط علي ارض الواقع تجدهم يرفضون فكرة »رئيس قبطي« باستخدام ألفاظ مراوغة مثل دولة مدنية بمرجعية اسلامية وللاسف تضع هذه التيارات الدولة المدنية في مواجهة مع الدين..ويشير لبيب ان المادة الثانية في الدستور ليست مشكلة ولكن الخطورة في الاحكام القضائية فمنذ فترة اصدر القضاء الاداري حكما بانه يجوز الارتقاء للدين الاعلي »الاسلام« ولا يجوز الرجوع عنه لدين في مرتبة اقل! رداء الدين وتوصيف ما يحدث بالفتنة لا يلقي قبولا واسعا في اوساط الناشطين فهو علي حد قول كمال زاخر المنسق العام للتيار العلماني تعبير »مراوغ« لانه يعني ان هناك صراعا علي الدين بينما الحقيقة ان اعتي المتطرفين لم يشتبكوا علي الدين والقرآن، واكثر توصيف دقيق لما يحدث بأنه »أعمال اجرامية« تتم لاهداف سياسية تبحث عن رداء ديني لتمنح لنفسها شرعية ولمعركتها قداسة ليست أهلا لها، واذا كانت لها ابعاد سياسية أو صراع علي القوة لا تكون الكرة هنا في ملعب الدين بل السياسة، ويصبح الامر مرتبط بمدي الارادة السياسية والرغبة في فتح الملف بشفافية بكل ابعاده بحثا عن حلول لان هذا الملف يتم الابتعاد عنه عمدا لحسابات متنوعة فمثلا في اجواء الديكتاتورية التي كنا نعيشها كان مهما ان تظل المشكلة بلا حل لالهاء المجتمع عن قضايا اكثر الحاحا مثل الاجور ومستوي المعيشة والانتاج ليتم نهب مصر وتجريف اقتصادها بشكل منظم. وبعد 52 يناير نعيش مرحلة انتقالية بها غليان لكن لابد ان نبدأ صفحة جديدة دون اتهامات متبادلة واعتقد ان المسكوت عنه الان هو هيبة الدولة وسيادة القانون، فنحن لسنا قبيلة بل دولة مركزية منذ آلاف السنين ولا يجب ان نبرر ما يحدث بأنه كبت السنين لان النقاهة يجب ان يكون لها مدة محددة فلا يعقل ان نغامر بمستقبل وطن بسبب قصة غرامية! ويعترض زاخر علي البحث عن الاسباب طوال الوقت، وطرحها في الغرف المغلقة ولكنه يريد ان نقفز بالملف الي منطقة الحلول وعدم الاستعانة في ذلك برموز بعينها خاصة ممن تحيط حولهم الشبهات وعلامات الاستفهام من رجال الدين - مع كل الاحترام لشخوصهم - لاننا لا نريد استبدال فزاعة بأخري، فتصدير هذه الرموز للمشهد وقيامهم بحل المشكلة لن يكون عملا مجانيا بل سيطالبون ثمنا ولن يكون بخسا ليس اقل من المشاركة في ادارة شئون البلاد. قانون منع التمييز قد يحسم.. قانون منع التمييز الديني الصراعات التي تتجدد من حين لاخر من وجهة نظر نبيل منير الخبير القانوني والمتخصص في الاديان المقارنة هذا القانون الذي تطبقه الولاياتالمتحدة فمن يسأل الاخر عن ديانته يعرض نفسه للمساءلة القانونية والحبس. ويستند هذا القانون لثلاث دعائم في الدستور الامريكي.. فلكل شخص الحق فيما يدين به وليس من حق احد اتهام الاخرين بالكفر، ويجعل القانون كل شخص مسئول عن حماية ومعتقدات الاخر وهكذا نخرج من دائرة تهييج رجل دين للناس ضد دين اخر، والاحترام لقواعد المجتمع المدني الذي يخدم كل التيارات وللاسف عندنا ميراث سيئ وحساسية ضد العلمانية وكأنها ضد الدين في حين تطبيقها يعتبر حماية لكل الاديان. ويطالب منير بعدم مجاملة طرف لحساب اخر، وتفعيل القانون وعدم وضعه في الادراج، فلدينا المادة 85 و85 مكرر من قانون العقوبات يتم تهميشها، ويشعر منير باستياء شديد من الرجل الذي تنازل عن حقه في واقعة »قطع الاذن« لان المجتمع والدولة لم يحصلا علي حقهما من المعتدي بهذا التنازل ويري ضرورة الغاء مادة التربية الدينية واستبدالها بمادة التربية المدنية لاننا نعلم الاطفال »الانقسام« والاختلاف وان هناك »اخر« وهو لا يفهم ماذا تعني كلمة »اخر« في هذه السن. نسيج لا يحتمل د. رسمي عبدالملك عضو المجلس الملي وبيت العيلة يري ان ما يحدث من اجتماعات بحضور ممثلي »الاسلام والمسيحية« وتشكيل لجان تقصي الحقائق ليس مجرد اجراءات شكلية بل خطوات عملية للحفاظ علي نسيج لم يعد يحتمل، نحن في حاجة لقرارات تخرج للنور بسرعة تعكس الجدية في حماية مصر. ويشير الي دور الاعلام في تغيير ثقافة التحامل بين الاطراف وان يسود المجتمع حوارا هادئا لاعلاء صوت الحكمة. ويتساءل هاني عزيز امين عام جمعية محبي مصر السلام هل الاقباط خونة ليتم استبعادهم من المناصب العليا في الدولة؟! اذا كان النظام السابق اراد تهميش الجميع وفي مقدمتهم الاقباط فيجب ان نتجاوز هذا الماضي، فلا مجال للتخوين أو التقليل من وطنية أحد، فالمعيار هنا للكفاءة، والبابا شنودة اعلن مبدأ ثابتا لا يحيد عنه اقباط مصر يرفض فيه الاستقواء بالخارج ولا يمكن ان ننظر لعشرين شخصا ذهبوا للسفارة الامريكية في مظاهرة بأنهم يمثلون رأي جموع الاقباط في مصر. ويصف اقامة دولة مسيحية في مصر بأنه كلام تافة واعلان لحرب أهلية وهي تصريحات مرفوضة لا أحد يفكر فيها سوي الجهلاء، اما من يتحدثون عن تخزين الكنائس لاسلحة، اعتقد ان الاقباط لو كانوا يملكون ذخيرة لخرجت في المواجهات التي وقعت الايام الماضية في اطفيح أو نجع حمادي، ويتحدي عزيز من يروج هذه الشائعات بانه شخصيا يضع نفسه أمام المساءلة القانونية اذا ثبت صحة هذا الكلام حتي لو وصل الامر لاعدامه.