كلنا لم يكن لدينا الوعي الكافي للاقتناع بأن هناك أموراً أخري أهم وأولي من زيادة مرتبات الموظفين وإعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية وزيادة وجبة عمال مثل عمال غزل المحلة.. لم نكن ندري أن الأولوية تحتم تدبير الملايين لصرف مرتبات السادة مساعديه ومريديه ورؤساء المصالح التابعة لوزارة المالية! ولم نكن نعلم أن الحوافز والمهام غير العادية التي يقوم بها هؤلاء تحتم صرف عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الجنيهات كل شهر! وبالطبع لم يكن لدينا علم بأن أسطول السيارات الفارهة التي كانت تحت أمره وأمر السادة والسيدات مساعديه تحتاج لمصاريف ضخمة.. وكله علي الموازنة العامة.. أقصد الموازنة الخاصة بعزبة غالي! وبالمناسبة هنا فإنني بدأت أشم روائح الحسم والحزم في صورة إجراءات قرر د. سمير رضوان وزير المالية اتخاذها لإزالة آثار الفساد الذي أصبحت رائحته تزكم أنوف كل العاملين في الضرائب والجمارك وديوان عام الوزارة! بدأت عملية تحريات واسعة النطاق عن ذلك الفساد وفي المقدمة بالطبع المرتبات الرهيبة التي يحصل عليها البعض وفي المقدمة مساعدة وزير المالية السابق منال حسين وغيرها من المحظوظين.. تصوروا أن هؤلاء كان البعض يصل مرتبه إلي 002 ألف و003 ألف جنيه شهرياً وأن هناك »مسكين« كان يحصل علي 97 ألفاً و007 جنيه فقط! ماعنديش فكرة هؤلاء وهؤلاء كانوا في قمة ال».....« عندما طلب منهم د. سمير رضوان البحث عن اقتراحات لخفض تلك المرتبات.. حيث جاءت أقوالهم: نحن نحصل علي مرتبات أقل مما يحصل عليه آخرون في جهات أخري!! وأضافوا مؤكدين علي أن خفض المرتبات لو حدث سوف يعني أنهم كانوا يحصلون علي حقوق لا يستحقونها! يا سلام علي المنطق العجيب والمثير للسخرية! والأطرف من هذا وذاك قولهم إن ما يحصلون عليه يعادل المعدل العالمي لمن هم في مثل وظائفهم بالدول الأخري! ولكن الرد جاء مغايراً لأكاذيبهم وادعاءاتهم حيث اتضح أن هذا المعدل يساوي 34 ألف جنيه كل شهر.. وليس 08 ألفاً أو 003 ألف جنيه أو مليون جنيه بالنسبة للبعض! المهم أن التحريات سوف تكشف المنجم الذي كانت تخرج منه تلك المرتبات والحوافز.. هذه التحريات بدأت بسؤال مسئول بالوزارة والذي ادعي عدم علمه بما يحدث وقال »ماعنديش فكرة«!.. وهو ما ثبت عدم صدقه واتضح أنه يعلم كل شيء.. المرتبات والمشروعات التي كانت تنفذ بالأمر المباشر وغيرها من أوجه الفساد التي تركها الوزير وسافر للخارج هارباً وتاركاً مساعديه بدون سند! حوافز شبه يومية تعالوا بقي نتعرف علي جانب من الصورة في قطاع مهم ألا وهو قطاع الجمارك والحوافز التي كانت تصرف للمستشارين الكبار وكانت كلها تتبع صيغة أصبحت محفوظة من تكرارها بشكل شبه يومي! مذكرة إلي مكتب أحمد فرج سعودي رئيس مصلحة الجمارك تقول الآتي بالحرف الواحد: »... تحية طيبة وبعد، نأمل التفضل بالإحاطة بأن السيد/...... قد بذل جهداً غير عادي في الإشراف علي مشروع تطوير المصلحة لتيسير وتسهيل إجراءات العمل في المواقع الجمركية لضبط العمل الجمركي.. مع عظيم الاحترام. كلمات قليلة تأتي أسفلها تأشيرة رئيس مصلحة الجمارك فرج سعودي: يصرف لسيادته كذا ألف جنيه! ولأن الصراحة مطلوبة في مثل هذه الأمور فإن السيد المقصود كان أكثر من مسئول أو مستشار لكن اسم جلال أبو الفتوح مستشار وزير المالية لشئون الجمارك كان القاسم المشترك في كل هذه الحوافز! والصراحة تقتضي أيضاً القول بأن تلك الحوافز كانت تصرف بشكل شبه يومي وتتراوح بين ألف وأربعة آلاف جنيه وفي حالات أخري أكبر من ذلك! ولم يكن أبو الفتوح وحده بل كانت هناك أسماء أخري مثل أشرف العربي رئيس مصلحة الضرائب السابق. وبالطبع لم تخل الكشوف من اسم منال حسين مساعدة وزير المالية! كان جلال أبو الفتوح هو صاحب نصيب الأسد في كل المذكرات التي يوقعها أحمد فرج سعودي رئيس مصلحة الجمارك تطلب صرف الحوافز.. هكذا تشير المستندات التي تحت يدي والله أعلم إن كانت هناك أسماء أخري تنافسه فيها أم لا.. فما أمكن حصره يثير العجب العجاب! في يوم واحد علي سبيل المثال مذكرة من 5 سطور تطلب ألف جنيه حوافز لأبو الفتوح ويتم الصرف فوراً يوم 11 نوفمبر 7002، وبعدها بأسبوع واحد يوم 81 نوفمبر يصرف له 3 آلاف جنيه، ثم 0051 جنيه أخري بعد ذلك بأسبوع واحد أيضاً يوم 82 نوفمبر. ولم يمر أسبوع ثالث حتي يتم صرف 3 آلاف جنيه يوم 92 نوفمبر نفس العام!.. وكلها 5 أيام ليتقرر صرف ألف جنيه يوم 4 ديسمبر. أطرف ما في هذه الحوافز ما حدث يوم 11 فبراير من عام 8002 حيث يقرر رئيس مصلحة الجمارك صرف ألف جنيه حوافز لمستشار الوزير تحت رقم 503ق.. وفي نفس اليوم يقرر صرف 3 آلاف جنيه تحت رقم 603ق.. يعني 4 آلاف جنيه في يوم واحد! ما شاء الله! ولم تتوقف الأمور عند ذلك ففي يوم 02 فبراير 8002 يتم صرف 4 آلاف جنيه وبعدها بثمانية أيام ألف جنيه أخري وفي يوم 3 مارس ثلاثة آلاف جنيه وفي نهايةذلك الشهر ألف جنيه فقط.. ثم تتكرر حكاية صرف الحوافز خلال يوم واحد وهو 7 أكتوبر من ذلك العام بواقع ألف جنيه مرة تحت رقم 553ق وأخري ألف جنيه أيضاً تحت رقم 653ق. ما علينا.. فلم تكن تلك سوي عينة.. لكن ما لم نستطع الحصول علي مستنداته كان أعظم فالرجل أبو الفتوح يتم التجديد له للسنة الثامنة علي التوالي بعد سن الستين.. وبالطبع يستحق ما يحصل عليه من حوافز ومرتب يقال والله أعلم أنه لم يصل بعد إلي نصف مليون جنيه كل شهر! مش قلت لكم.. يوسف بطرس غالي كان معذوراً.. فالميزانية العامة لم يكن بها ما يكفي لتمويل زيادة مرتبات الموظفين الغلابة!