مبدأ من مبادئ الحياة المهمة: أن تطالب الآخرين بما يمْكنك أنت أن تؤديه؛ فالتأثير يا صديقي يأتي من القدوة، وأولي خطوات التعليم: أن تعمل. وبينما نحن نعيش في زمن امتلأ بضوضاء الأحرف والكلمات، نجد أن البشر قد صاروا في أمسّ الحاجة إلي أن يختبروا الأعمال والأفعال الصادقة؛ وحقاً ما قيل: "العالم لا يحتاج إلي النصائح، بل إلي القدوة". ليس حسنًا كما ليس من دُروب العدل في مسيرة الحياة أن تطالب البشر بالخير أو التسامح أو الاحتمال، وأنت لا تعرف الطريق إلي إنجاز تلك الأمور التي تسأل الآخرين إياها! حينما تكون قُدوة، فإنك تدرك وأنت تقوم بذلك مدي الجُهد وقدْر المشقة والتعب في الوصول إلي تحقيق ما تطالب الآخرين بتحقيقه؛ كذلك تتعرف حينئذ المتاعب والمشكلات التي تعرقل خطوات كل من يحاول الوصول إلي ذلك الهدف، وبذلك تَضْحَي أكثر حكمة وعدلاً وإنسانية في كلماتك وأحكامك وتقديراتك للبشر والأمور؛ وبهذا تكتسب تدريجيا الحكمة والتعقل التي تمكنك من اتخاذ القرارات الصحيحة في وقتها المناسب، فتتفادي كثيرًا من أعاصير الحياة. وقد يتساءل أحدهم: ولكن، أين هي تلك القدوة، أو ذلك الأُنموذج الذي أسعي لمحاكاته؛ لأن العالم الآن يحيا، كل فرد فيه، في جزيرة منعزلة، أو يسعي لتحقيق ما يظن أنه الأفضل؟! لا أجد سوي تلك الكلمات تتردد أصداؤها في أعماقي: "إن لم تجد ِ قُدوة فيمن حولك، فكُن أنت القدوة.". فماذا يعني أن يظل كل إنسان منتظرًا آخر يبدأ في إيقاد شمعة؟! إن الانتظار لا يعني سوي أن الجميع سوف يسيرون في ظلام إذ كل منهم يُلقي مسئولية المبادرة علي الآخر! في حين، إ ن بادر أحدهم بإيقاد شمعة، فحتماً يبدد وجودها ظلمات الطريق للعالم، ويتعلم بعض الناس أن يوقدوا مزيداً من الشُّموع تُنير طرقات الحياة. هكذا أيضا ما تقدمه من سلوك وما تسير به من مبادئ في الحياة: يصير ومضات بهجة، وراحة، وتعليم لكثيرين. أما إن رغبت أن تقود آخرين وتُسدي إليهم النصيحة، فاستمع إلي المثل الإنجليزي: "القدوة الحسنة خير نصيحة". أتذكر قصة حدثت قبل زمن في أحد البلاد الشُّيوعية: حيث انتُدب أحد أساتذة الجامعات للتدريس، وكان الشرط الوحيد هو ألا يحدث الطلبة عن الله تبارك اسمه، فقِبل الأستاذ التدريس علي ذلك الشرط. وفي نهاية العام، وجدت إدارة الجامعة أن عددًا كبيرًا من الطلبة يرغَبون في اتّباع إيمان ذلك الأستاذ؛ تحدث إليه المسئولون واتهموه بأنه أخل بشروط التعاقد؛ فما كان منه سوي أن أكد لهم أنه لم يتحدث عن الله قط! وحين سألوا عددًا من الطلاب، أجابوهم: "هو لم يتحدث عن الله ولا مرة واحدة، لكننا نريد أن نكون مثله"!!