استكملنا في المقالة السابقة الحديث عن الإنسان ذي المبادئ حين يلاقي المشكلات والصعوبات. ورأينا أن عدم الأمانة علي سبيل المثال أدي إلي هلاك أهل بلدة، وفي المقابل رأينا آخرين تتملك الرحمة علي قلوبهم فيشدد بعضهم بعضًا. فتروي لنا »الأم تريزا» إحدي تلك التجارِب التي عاشتها وتعلمت منها في الصغر، حين أحضرت طعامًا لإحدي الأسر الهندوسية الفقيرة، وبعد أن شكرتها ربة الأسرة قدمت نصف الطعام لأبنائها ثم أخذت النصف الآخر إلي خارج المنزل وعادت دونه! تعجبت الطفلة »آجنِس» التي أصبحت »الأم تريزا» فيما بعد من ذلك التصرف، وسألت تلك الأم عن الطعام وما فعلته به، فأجابتها وهي تشير إلي باب جيرانهم المسلمين: وهم أيضاً لم يأكلوا مثلنا منذ أيام. تقول »الأم تريزا»: فرجَعتُ إلي بيتي وقد تعلمت كثيرًا؛ ثم تضيف: تسألونني: متي ينتهي الجوع في العالم؟ وأنا أُجيبكم: حين نبدأ أنت وأنا بتقاسم ما هو موجود.»؛ نعم، سينتهي الجوع وكثير من المشكلات حين يقدم كل منا ما يحمله من مبادئ في أعمال تساعده وتساعد الآخرين في التقدم في الحياة وإحراز النجاح. قد يظن بعضٌ أن زمن المبادئ قد انتهي، ولكن المبادئ أبدًا لا تموت ولا تفقد قوتها في الحياة، بل تشدد وتعين، إذ هي مستمدة من الله ووصاياه للإنسان. كل ما يحتاجه الإنسان أن يقيّم ذاته ومبادئه وحياته من حين إلي آخر حتي لا يفقد معالم الطريق.. حكي لي أحد الأصدقاء قصة عن أحد العمال، وهو كان ما يزال صبيًّا، أن دخل إلي أحد المحال وأجري اتصالًا وصل إلي أسماع صاحب المكان. كان الصبيّ يعرض خِدْماته علي شخص ما طالبًا أن يعمل لديه في تنسيق الحديقة، ولكن محدثه اعتذر إذ يعمل لديه شخص أمين يجيد عمله، وهو لا يرغب في تركه. حاول الصبيّ أن يقنع محدثه بأنه يمكنه تقديم مزيد من الخِدْمات وبأسعار أقل، ولكن جاءت النتيجة في النهاية بالرفض. أغلق الصبيّ الهاتف ليجد صاحب المحل يعرض عليه العمل لديه، ولكنه فوجئ بالصبيّ يعتذر بابتسامة رقيقة بأنه يعمل لدي ذلك الشخص الذي كان يحادثه توًّا، وأنه فقط كان يرغب منه في التحقق من جودة أداء عمله وإتقانه له! كم من البشر من منطلق مبادئهم يهتمون بمراجعة جميع أمورهم وحياتهم وأدائهم فيما يقدمون من أعمال، راغبين في تحقيق مزيد من النمو والتحسن؟! وهل استطاعت الصعوبات أن تهزم تلك الأنفس التي اقتنت المبادئ منهجًا لحياتها، وتسعي دائمًا نحو الأفضل وبذل مزيد من الجُهد؟!