تخيل حادث تصادم سيارتين تسيران بأقصي سرعة في اتجاهين متضادين وتصطدمان بقوة تتطاير قطع الزجاج الصغيرة والبلاستيك والمعدن. هذا بالضبط ما فعله العلماء بنجاح في المركز الأوروبي للأبحاث النووية »سيرن« بهدف محاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون منذ 7.31 مليار عام. والآن لنتخيل مدي تعقيد التجربة علينا ان نتخيل هاتين السيارتين اللتين نتحدث عنهما في حجم الذرة متناهية الصغر.. وقد تم في التجربة التي تعد أضخم تجربة علمية في العالم إحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البرتونات تسيران في اتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 72 كيلومتراً في مصادم الهورونات الكبير وبكم طاقة يصل الي 5.3 تريليون إلكترون فولت في الاتجاه الواحد في محاكاة للانفجار العظيم وتكلفة ما يقرب من عشرة مليارات دولار. ولدي بدء التجربة تعالت صيحات الفرح من 08 عالماً ومهندساً في غرفة المراقبة بالمجمع البحثي المترامي الأطراف الواقع في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف وعلي عمق مئة متر تحت الارض وربما تعود هذه الفرحة الشديدة الي فشل المحاولة السابقة العام الماضي مما سبب حرجاً بالغاً للمعمل بعد التعبئة والحشد الإعلامي الذي شهدته التجربة الأولي. تظهر التجربة ما بمقدورنا بذله من اجل دفع المعرفة والعلم الي الامام فيما تعلق بمستوي العلوم الراهنة وبكيفية نشأة الكون في اطواره المبكرة وقال ان هذه التصادمات التي تمثل حتي الآن ذروة التجربة والتي تستغرق فترات متناهية الصغر وبسرعة تكاد تقترب من سرعة الضوء ستستمر لسنوات ايذاناً بخطوة عملاقة في علوم الفيزياء تمثل انطلاقة هائلة للبشرية. ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات ويصل عمره الافتراضي الي 02 عاماً.. والالكترون فولت هي وحدة لقياس الطاقة وتعادل كمية طاقة الحركة التي يكتسبها الكترون وحيد حر الحركة عند تسريعه بواسطة جهد كهربائي ساكن قيمته واحد فولت في الفراغ.. ويعكف عشرة آلاف من العلماء في شتي أرجاء العالم خلال الأشهر والسنوات القادمة علي رصد وتحليل الكم الهائل من المعلومات المستقاة من التجربة وذلك عبر شبكة كومبيوتر لازاحة اللثام عن طلاسم كونية منها منشأ النجوم والكواكب والمجرات. وقال سيرجيو بيرتولوتش مدير الابحاث في سيرن انها خطوة نحو المجهول حيث سنكتشف اموراً كنا نتصور وجودها وربما اكتشفنا أشياء لم نكن نعلم بوجودها اصلاً.. ننجز عملاً لم يسبق لأحد أن قام به قبلنا.. نتمني ان نتوصل الي حقائق جديدة.. وقال ان التجربة تفتح الباب لحقبة جديدة تماما من الاكتشافات واضاف توجد حقائق مجهولة هناك علي غرار المادة المعتمة والابعاد الجديدة وهي امور نود الإلمام بها.. غير انه من الممكن ان نجد بعض الحقائق التي قد تعود بالنفع علي البشرية.. بالاستعانة بمصادم الهدرونات الكبير اصبح لدينا الأداة التي نحتاجها.. والمادة المعتمة في علم الفيزياء الفلكية تعبير أطلق علي مادة افتراضية لا يمكن قياسها الا من خلال تأثيرات الجاذبية الخاصة بها والتي بدونها لا تستقيم حسابياً العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات.. ويرجح انها تشكل حوالي 52٪ من مادة الكون الكلية فيما تمثل الطاقة المعتمة التي يعتقد انها مسئولة عن اتساع الكون واستمرار حركته حوالي 07٪ من كتلة الكون. ويركز العلماء في تجاربهم المستفيضة علي التعرف علي كيفية نشوء المادة.. وكانت التجربة قد تأجلت لعدة ساعات بسبب خلل في حصد إمدادات الطاقة وفي نظام للأمان المغناطيسي الفائق الحساسية وأدي ذلك إلي تعليق التجربة.. وبعد ظهور مشاكل مع سريان حزمتي الجسيمات في قلب المصادم في بداية يوم التجربة سارع مسئولو »سيرن« بنفي اي تلميحات إلي ان ما حدث هو تكرار لحادث كبير وقع في سبتمبر 8002 ادي الي افساد مراحل من التجربة علي نحو خطير وأجل إطلاق المشروع بصورته الكاملة حتي الآن كما نفي المسئولون ايضاً تصريحات اطلقها علماء من خارج التجربة بأن ثقوباً سوداء صغيرة قد تنجم عن التجربة وربما التهمت هذه الثقوب كوكب الأرض ان آجلاً او عاجلاً.. والثقوب السوداء هي مناطق في الفضاء تكون فيها الجاذبية قوية بصورة مطلقة بحيث لا يمكن ان ينفلت منها اي ضوء او مادة وتنتج بسبب انهيار نجوم عملاقة في المجرات.