علي بعد 04 كيلومترا من العاصمة الفرنسية باريس وفي معرض »سيال« الدولي أكبر المعارض المتخصصة في الصناعات الغذائية دخلت دول العالم في منافسة شرسة لبيع انتاجها من المواد الغذائية في محاولة للحصول علي النصيب الأكبر من »كعكة« عائدات وأرباح هذه الصناعة، وعلي أرض معرض »سيال« عرضت الدول أفضل انتاج شركاتها من كل أشكال وأنواع المأكولات في محاولة لجذب الزبون، ودخلت مصر المنافسة في هذا المعرض بقوة وتصدرت مساحة الجناح المصري الذي عرض انتاج 07 شركة متخصصة في هذا المجال باقي أجنحة دول العالم بما يشير إلي ان مصر أصبحت علي قدم المساواة مع كبري دول العالم من هذه الصناعة التي لا غني عنها. وقبل الحديث عن المعرض والمعروضات.. فان الحدث أو السؤال الأهم هو كيف تمكنت الشركات المصرية من الوصول إلي العالمية ومن القدرة علي المنافسة بهذه القوة وحصولها علي مركز متقدم في مجال تصدير الصناعات الغذائية بعد ان ظلت لسنوات ماضية بعيدة عنه. فالأرقام تقول ان مصر استطاعت خلال سنوات قليلة ان تنتقل بتصدير المواد الغذائية من خانة المليون إلي خانة المليارات حيث اشارت احصائية العام الماضي ان دخل مصر من تصدير الصناعات الغذائية وصل إلي 8.01 مليار جنيه فكيف تحقق ذلك.. يقول رؤساء الشركات المصدرة للمواد الغذائية الذين شاركوا في المعرض ان التفوق والنجاح لا يأتيان من فراغ، فالسياسة والخطة التي انتهجها المهندس رشيد محمد رشيد منذ ان تولي مسئولية وزارة التجارة والصناعة. كانت السبب فيما وصلت إليه الشركات المصرية من قدرة علي المنافسة والتحول من المحلية إلي »العالمية« في انتاجها، وأوضح رؤساء الشركات ان الخطوة الأولي التي بدأ بها المهندس رشيد كانت خطته لزيادة الصادرات العمل بالمثل العامي »اعطاء العيش لخبازه«. حيث عهد الوزير بقضية التصدير إلي المتخصصين في هذا المجال، ولم يعد المصدر يعمل من تلقاء نفسه انما أصبح له شركاء في الوصول بانتاجه إلي المستوي العالمي، وشاركته في ذلك ثلاث جهات مركز تحديث الصناعة وجمعية المصدرين المصريين »اكسبولينك« والمجلس التصديري للصناعات الغذائية.. هذه الجهات الثلاث تولت دعم المصدرين من الالف إلي الياء.. وسخرت ما لديها من امكانيات وخبرات في التدريب والتحديث لمنتجات الشركات والعاملين بها كما دعمت المصدرين ماليا وفنيا للمشاركة في المعارض الدولية المتخصصة، وساعدتهم في عمليات التسويق الخارجي إلي درجة المشاركة في اختيار الملصقات الدعائية وكيفية الاعلان عن المنتج وابرازه، كل هذه الاسباب أدت إلي تشجيع الشركات والمصدرين علي المشاركة دوليا وهو ما اتاح لهم فرصة الاحتكاك بالمنافسين والتعرف علي أساليب عرض المنتجات، وكيفية تسويقها والتعرف علي مايريده السوق، وهو ما ظهرت نتائجه في معارض سابقة، وتمكنت الشركات المصرية من ازاحة عدد من الدول كانت منافسة لها في بيع اصناف من الخضراوات المجمدة والحبوب. تعديل السياسة الزراعية ورغم ما وصلت اليه الشركات المصرية من تفوق الا ان عدد من هذه الشركات وخاصة من العاملة في مجال الخضراوات المجمدة أكدت »تخوفها« من عدم قدراتها علي الاحتفاظ بهذا المركز المتقدم الذي وصلت اليه بين دول العالم بسبب »السياسة الزراعية الحالية«. حيث أشار عدد من رؤساء الشركات المشاركين في المعرض انهم يواجهون مشكلة في نقص انتاج الحاصلات الزراعية وهو ما يمثل بالنسبة اليهم عبأ سواء في عدم قدرتهم علي الوفاء بالكميات المطلوبة منهم، وفي تحملهم عبء زيادة الأسعار. بسبب نقص المعروض عن الطلب رغم ان سعر »المنتج« في التصدير يمثل بالنسبة إليهم ميزة »للمنافسة« وقال اخرون ان مشكلة اخري تواجه التصدير حيث ان عدد المصانع العاملة في هذا المجال تزيد في حين ان مساحة الأرض المزروعة ثابتة. كما نبهوا من ان الحديث عن الغاء الدعم المادي الذي تقدمه وزارة التجارة للمصدرين قد يكون سببا في تراجع الصادرات وعودتها إلي ما كانت عليه بعد ان حققت مركزا متقدما حيث اشاروا إلي ان »دعم التصدير« معمول به في كل دول العالم ولا يستطيع »مصدر ان ينافس بمفرده أو ان يشارك المصدرين بشكل جماعي في مثل هذه المعارض المتخصصة الا مع مساندة من الحكومة«. داخل المعرض وعودة إلي المعرض الدولي »للصناعات الغذائية« بداية يمكنك ان تتخيل انك تقف علي أكبر مائدة طعام في العالم »فيها« أو عليها ما يمكن ان تتخيله أو حتي من الصعب تخيله من أنواع وأشكال وأصناف الطعام، ولو حاولت ان تكتب قائمة بما حوته هذه المائدة لاحتاج الأمر إلي مجلد، وهذه المائدة يشارك في اعدادها جميع دول العالم.. وكل دولة تدخل بشركاتها بما تري ان لديها ما تتفوق به عن غيرها من الدول ولا تكتفي »الشركات« بعرض ما لديها بل تحاول كل دولة وكل شركة جذب »الجمهور« بكل الطرق والوسائل بما في ذلك اللجوء إلي »الغناء« بفرق موسيقية أو »الرقص« براقصين متخصصين. واستعانت مصر في هذا برقصة التنورة والتي شهدت اقبالا واسعا من الجمهور الزائر وكانت دعاية مبهرة لمشاهدة الجناح المصري، وحينما يفتتح المعرض أبوابه تجد مجموعات رجال الأعمال من دول العالم المختلفة كل منهم يحمل حقيبة سفر أو حقيبتين يجمع فيهما ما يريد التعاقد عليه بعد نهاية المعرض حتي ان مصر وفرت للزائرين حقائب لهذا الغرض، فأصبحت كلمة »ايچبت« في كل مكان في المعرض. ولان مساحة معرض »سيال« كبيرة للغاية فقد تم تقسيم الصالات لتعرض كل صالة انتاجا »واحدا« لكل الدول.. فتم تخصيص صالة أو قاعة للأغذية المحفوظة واخري للحبوب، وثالثة للمخبوزات ورابعة لمصنعات اللحوم والعصائر والمشروبات بأنواعها، ويمكنك خلال المعرض ان تتذوق كلما تريد كما يمكنك الحصول علي عينات لكل المأكولات بما في ذلك عينات من المشروبات الكحولية، وتركز الدول في معروضاتها علي ما يعرف بالميزة »النسبية« فالهند مثلا تدخل المنافسة »بالارز« بكل أحجامه وأنواعه.. بما سمعت عنه وبما لم تسمع، وجاءت إنجلترا بمصنعات اللحوم وفرنسا دخلت »بالاجبان « و»المخبوزات«. أما دول شرق آسيا.. فقد دخلت المنافسة أو السباق بنوعيات من الاطعمة لا يمكن من غرابة شكلها وطريقة اعدادها وتقديمها ان تعرف ما هي الا بعد ان تسأل وتحصل علي الاجابة وتحاول دول المشرق العربي بيع انتاجها من زيت الزيتون والبلح وهناك أمريكا تغازل الجمهور بعروضها من »الحبوب« أو ما يطلق عليه »السريال« أما البرازيل فقد »تجاوزت« السقف بانتاجها من الخضراوات.. أما الصين والتي تعد أشد المنافسين فلم تترك صغيرة ولا كبيرة أو صنف يدرج »كطعام« الا ودخلت به، معتمدة في منافستها علي إمكانياتها في توفير الكميات المطلوبة منه وسعرها الأرخص، ودخلت مصر »بالتنوع« وعرضت في كل الصالات انتاجها من اللحوم المصنعة ومن الحبوب ومن الخضر المجمدة ومن العصائر معتمدة علي »الجودة« والمذاق، والسعر أيضا. الحلال والأورچانيك وشهد المعرض هذا العام توسعا من جانب الدول المشاركة في عرض انتاجها من الأغذية الخالية من المواد الحافظة أو التي استخدمت في زراعتها المبيدات أو الأ»سمدة والمعروفة باسم الأورجانيك، وكان اللافت للنظر أيضا توسع العديد من الدول الأوروبية في استخدام كلمة »الحلال« علي منتجاتها وخاصة اللحوم والدواجن حتي ان فرنسا أعلنت بعد توسع الشركات في استخدام هذه الكلمة انها ستضع ضوابط ومواصفات لذلك حتي لا تكتب كلمة »حلال« دون حصول الشركة أو المصنع الذي يستخدمها في انتاجه علي ما يؤكد ذلك، وقد برز هذان الاتجاهان من خلال المعرض نظرا لرغبة أصحاب شركات الأغذية في الوصول بقوة لعموم المستهلكين مستغلين في ذلك ما يتم اعلانه يوميا عن تعرض البشر للأمراض نتيجة استخدام المبيدات أو المواد الحافظة في »المأكل«، ولرغبتهم في دخول أسواق لا تستسيغ منتجات غير مذبوحة بالطريقة الإسلامية أو تستخدم فيها مواد »محرم« عليهم تناولها. وعلي جانب »التعاقدات« ووفقا لما اشار إليه المشاركون من مصر فان السوق العربية لازالت تحمل الصدارة في استيراد المنتج المصري تلتها أسواق دول أوروبية عديدة الا انه خلال هذا المعرض فقد قامت دلائل علي ان فرص تصديرنا لأوروبا ستزيد زيادة واضحة. ومن المقرر ان تقدم كل شركة إلي وزارة التجارة مؤشرات مبدئية للتعاقدات التي تم ابرامها مع المستوردين حتي تتأكد الوزارة من ان خطة زيادة الصادرات تسير في الاتجاه الصحيح. كلمة قبل الختام أول ما »لفت« النظر في الجناح المصري هذا العام اختفاء »تمثال« أبوالهول، والأهرامات من واجهة الجناح، واستبداله بواجهة عصرية للغاية تماشت مع أجنحة الدول الكبري وتفوقت علي أجنحة دول أخري، وكان واضحا ان »اختلاف« أو تغيير »واجهة« الجناح المصري -رغم بساطته- انها رسالة جديدة، للعالم بأن مصر ليست فقط الاثار والمعابد وانما هي دولة كبري تتمتع بكل الامكانيات التكنولوجية والتصديرية التي تمكنها من المنافسة والتسويق في أكبر المعارض المتخصصة في العالم، وفي تقديري ان هذه »الخطوة« هي أولي خطوات النجاح.. ففي معارض سابقة اتاحت لي الظروف زيارتها ومتابعتها. كان تمثال أبوالهول يتصدر مدخل الجناح المصري فقد كان متصورا لدي »موظفي« المعارض الدولية -حينذاك- ومن غير المتخصصين ان مصر »يكفيها« التمثيل المشرف ولا يشترط تحقيق »أي« عائد من هذه المشاركة.