مصر الآن في مفترق الطرق، تشهد صراعا سياسيا بين قوي عدة.. صراع يتأجج يوما بعد الآخر، ما بين نظام حاكم يتشح بعباءة تيار الإسلام السياسي، يتقدمه الإخوان المسلمون والسلفيون، وقوي معارضة تعددت مسمياتها.. وبات المشهد ينذر بخطر يتهدد مصرنا الحبيبة، بما يثيره من شبهة مؤامرة تحاك ضد المحروسة، ترسم ملامحها ما تجنح إليه تلك القوي من إعلان لحرب تكسير العظام، وهو نهج غير مبرر عقب ثورة شعب تفجرت في 25 يناير بإرادة شعبية حقيقية نجحت في خلع رأس نظام فاسد، ولكن علي ما يبدو من تطور للأحداث أن ثورتنا لم تنجح بعد في تطهير البلاد من ذيول هذا الفساد المتغلغل جذوره في الدولة العميقة. وهذا ما يزعج الشارع المصري، خاصة أنه كان ينتظر خيرا كثيرا ممن آلت إليه مقاليد الحكم، والمتمثل في تيار الإسلام السياسي.. ولكن واقع الأمور علي الساحة السياسية، كشف عن اخفاقات متكررة، شوهت الحلم المصري الذي انتظر المصريون تحقيقه بعد إعلائهم للإسلاميين لتولي مقاليد حكم البلاد.. مما كان سببا قويا وجوهريا مبررا لتطاول القوي المعارضة في سعيها نحو التشكيك وإثارة الشك في النظام الحاكم، بل زادوا الهم ضجيجا بإشعال الصراع بين طوائف الشعب وأطيافه، وبات الشارع المصري مجردا من الأمن والأمان، وصارت ممتلكات الدولة والممتلكات الخاصة رهن الدمار والتدمير من أناس تاهت هويتهم، ولم يقف الحال عند ذلك، بل امتد إلي استباحة إزهاق أرواح المصريين المسالمين، دون ذنب اقترفوه! وإن الناظر للمشهد بعين تستبين الحقيقة، يجد نفسه أمام مؤامرة يتوه فيها تحديد المسئولين عن تنفيذها، وتكشف عن أجندات سياسية تفصح عنها شراكة مشبوهة تسعي إلي الإتيان علي مقدرات هذا الوطن، بهدف النيل من ثورة الشعب في الخلاص من قهر النظام البائد.. ويبدو هذا في تعدد صور إشعال الصراع، لتدور الدائرة نحو إثارة المزيد من الأزمات، حتي أصبحت خطيئة.. وهذا الوضع يرفضه الشعب بأكمله، بل يضجر من مؤداه.. وهو موقف يؤكد فيه إعلاء مصلحة البلاد العليا علي مصلحة تلك القوي السياسية علي اختلاف توجهاتها، حتي نقي مصر من عبثية مثل تلك الصراعات التي فضحت مطامع مثيريها. وإذا كان إشعال الصراع - علي هذه الشاكلة - خطيئة.. فإنه يتحتم علي الرئيس محمد مرسي، المنتخب بإرادة شعبية كأول رئيس مدني لمصر، أن يعمل علي إعادة ترتيب أوراقه، وأن يعيد النظر فيمن اختارهم من معاونيه ومستشاريه، وأن يعي بكامل إدراكه، أن مسئوليته التاريخية كرئيس لمصر، تجعل منه المسئول الوحيد أمام شعبه، وأمام شعوب العالم.. والذي لن يرحمه التاريخ أو القانون فيما يخفق فيه، ولن يغفر له أي خطأ دفعه إليه محرك سياسي أيا كان.. وهذا ما يدعونا إلي دعوة د. مرسي لإعلان ثورة اليقظة للإسراع في تصحيح مسارات النظام الحالي الذي هو بمثابة الرأس من الجسد.. ذلك إعمالا للقاعدة السياسية الصحيحة التي تؤكد أنه إذا صحت الإرادة السياسية لرأس النظام الحاكم، صح كامل النظام.. حين تحقق ذلك، وتلمس الشعب النتائج الناجزة لتحقيق أهداف ثورته من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.. وقتها تتضاءل فرص من يسعون لإشعال الصراع، بغية تحقيق مآربهم بعيدا عن مصالح الوطن والمواطنين. الشارع المصري تتملكه الآن غصة، مما آلت إليه الأمور.. ويتقلص أمله في رئيسه الذي انتخبه، ويري أنه يمتلك صدقا، لو نجحت إرادته في تفعيل اختياره لمعاونيه من أهل المعرفة والعلم والخبرة والقدرة علي إدارة شئون البلاد، بعيدا عن معطيات اختياراته السابقة - والتي ثبت وتأكد إخفاقها - لأصبح لمصر ذراع سياسية قوية تمكنها من تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية، وحينها يكون لنا خروج آمن من المستنقع الذي نعاني منه الآن.. ويمكننا فرض التقهقر علي القوي المغرضة ، لتغرب عن المشهد ويتحقق الأمل.. وتحيا مصر.