علي باب مصر، تدق الأكف، ويعلو الضجيج.. جبال تدور، رياح تثور، بحار تهيج وتصغي! وتصغي!!.. فتسمع بين الضجيج سؤالا وأي سؤال!! وتسمع همهمة كالجواب ، وتسمع همهمةً كالسؤال!! أين؟ ومن؟ وكيف إذن ؟ نعم.. كيف أصبح هذا الجلال بأقصي مداه!؟.. حقيقة شعبٍ.. غزاه الطغاة، وأي طغاة؟!.. امعجزة مالها أنبياء؟!.. أدورة أرض بغير فضاء ؟!.. استطاع الشاعر كامل الشناوي بعبقريته في كتابة الكلمة الممزوجة بالإحساس ان يصف شعب مصر بكل هذه الروعة، ولِمَ لا؟! وهو الشاعر المعجون بالحب والوطنية والذي عاش وسط عمالقة الأدب والصحافة في زمن كان جميلا بالفعل، زمن مازلنا نحن ابناء الزمن الصعب ننهل من رحيقه ونتنسم رائحته.. ونعيش في أجوائه كلما فاض بنا الحنين الي الكلمة الحرة الصادقة المعبرة عن حالنا، فهناك كلمات تشحذ العاطفة والوطنية حين تجدب الارض بما يليق بما يحدث فوقها من أحداث عظيمة والدليل علي ما اقوله ان قصيدة " انا الشعب كان يرددها ثوار يناير رغم مرور كل هذه السنوات عليها، وهذا ما يؤكد علي ان الشاعر الحقيقي تظل كلماته باقية رغم رحيله . بالأمس كانت ذكري مولد الشاعر العذب كامل الشناوي الذي كانت كلماته تملأ الدنيا حبا وضجيجا، والذي قال عنه في حياته : "عدت يا يوم مولدي عدت يا ايها الشقي " ونقول نحن عادت ذكري شاعر استثنائي لتذكرنا بماض كان يحمل كل روائح الفن والابداع والعبقرية يا ليت هذه الايام تعود. كان كامل الشناوي صحفيا كبيرا وشاعرا قديرا، تجلت موهبته وقدرته الرائعة.. علي الإمساك بروح لحظة معينة و تصويرها في صور بلاغية رائعة، وفي قصائده كلها كانت هناك دائما هذه القدرة علي الإمساك باللحظة. وعادة نقول إن الصورة هي تثبيت للحظة.. وإن الصورة أمسكت بموقف عند لحظة معينة، وقبضت عليه وأبقته للزمن وللتاريخ... نعم كانت لديه القدرة في رسم صور لمواقف معينة بالكلمات.. وإن هذه الكلمات وهذه الصورة تبقي فيما بعد ، والعودة إليها يمكن جداً أن تكشف ظلالاً، وزوايا، وأن تكشف أضواء مما كان في لحظة بعينها.. استطاع بحس وروح الشاعر أن يمسك بها. حين قال: "أنا الشعب لا أعرف المستحيلا .. ولا أرتضي بالخلود بديلا.. بلادي مفتوحة كالسماء.. تضم الصديق، وتمحو الدخيلا.. انا الشعب، شعب العلا والنضال.. أحب السلام، أخوض القتال.. ومني الحقيقة.. مني الخيال!! " اشتغل محررا للصفحة الأدبية بالأهرام عام 1935 وخلال عمله بالأهرام كان يكتب في مجلات آخر ساعة والمصور والاثنين إلي أن انتقل للعمل مع العملاقين علي ومصطفي أمين. حيث تولي كامل الشناوي رئاسة تحرير آخر ساعة عام 1943 وانتقل رسميا إلي " دار أخبار اليوم " عام 1945 ثم ترك أخبار اليوم ليعمل رئيسا لتحرير الجريدة المسائية عام 1949 ثم عاد إلي الأهرام عام1950رئيسا لقسم الأخبار ثم عين عام 1955 رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية.. ولم يطل به المقام هناك حتي عاد إلي الأخبار وتولي رئاسة تحريرها، وظل بها حتي وفاته في منتصف الستينات.. وفي عام 1965 نال وسام الجمهورية تكريما وتقديراً لدوره في الحياة الصحفية والأدبية.