أسعار اللحوم اليوم الأحد 19 مايو 2024 في محلات الجزارة    رئيس «إسكان النواب» يرفض مشروع «مشاركة القطاع الخاص في المستشفيات»: ليس به ضمانات تحمي المواطن    توريد 244 ألف طن قمح منذ بدء الموسم بالمنيا    الرئيس السيسى يهنئ محمد إدريس ديبي على الفوز برئاسة تشاد    عاجل.. «صدمة الموسم» في الأهلي قبل إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    المشدد 5 سنوات لمحاسب اختلس مبلغا ماليا من جهه عمله في التجمع الخامس    السجن 3 سنوات ل حارس عقار و2 آخرين بتهمة «السرقة بالإكراه» في منطقة التجمع الخامس    لأول مرة.. عرض «انتحار معلن» يمثل مصر بمهرجان آرانيا الدولي للمسرح في الصين    تعرف على النجم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر أفلام السينما السبت    رئيس اقتصادية النواب يعدد ضمانات مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالكليات    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    وزير العمل يُعلن عدم إدراج مصر على قائمة الملاحظات الدولية لعام 2024    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    الأرصاد: استمرار الموجة شديدة الحارة حتى هذا الموعد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    موانئ البحر الأحمر تحقق تداول 704 ألف طن بضائع عامة خلال شهر أبريل الماضي    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص    الحب لا يعرف المستحيل.. قصة زواج صابرين من حبيبها الأول بعد 30 سنة    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    وزارة التجارة والصناعة تستضيف اجتماع لجنة المنطقة الصناعية بأبو زنيمة    رئيس «النواب»: أي سعى من الحكومة لتطوير المنظومة الصحية سندعمه ونسانده    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    الاسماعيلي يستضيف بيراميدز في مباراة صعبة بالدوري    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. صلاح فضل :
لايوجد عمل ابداعي يوازي حرب 73
نشر في أخبار اليوم يوم 05 - 10 - 2012

عرفناه ناقدا أدبيا، يمتلك حاسة خاصة جدا، يقرأ مابين السطور ويضعه في ثوب ابداعي ، له عين كاميرا تلتقط أعمق المعاني لتبدو لنا فوق سطح السطور لغة مفهومة للجميع، يضئ الحكايات والروايات والقصائد بمعايير مبنية علي قواعد ونصوص علمية،لايخضع لفكر جامد، أو يتبع فيها شللية او تكتلات فكرية، له فكره الخاص الذي بناه بعد دراسات عميقة ومنهجية، فجاءت آراؤه مشبعة بالجرأة والشجاعة والمعلومات المعرفية، لديه رصيد في الدراسات النقدية، وكتب تحمل كل معاني الديمقراطية والدعوة الي الحرية التي ظنها يوما قيما جمالية.
في بداية الحوار كان السؤال الذي طرح نفسه علي واقعنا ونحن نعيش اليوم ذكري الاحتفال بنصر اكتوبر 73 هو: علي الرغم من صدور كتب عن حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل. فما زال هناك كثير من الحقائق الخافية، التي لم يتعرض لها أحد، كما أن ثمة حقائق أخري قام بعضهم بتشويهها. أحياناً عن جهل، وأحياناً عن خطأ متعمد لإخفاء هذه الحقائق.. وفي نفس الوقت لم يصدر حتي يومنا هذا رغم مرور 39عاما علي هذه الحرب أي عمل ابداعي يساوي تلك المعركة المقدسة؟
- هذه ليست القضية، وإنما القضية تتمثل في أننا أخطأنا بما جري لنا في الستينيات والسبعينيات من عدة جوانب.. الجانب الاول : اننا اعتبرنا حرب67 حربا مستقلة دمرت اعتزازنا بأنفسنا، وكسرت فينا كبرياءنا، واعتبرنا 73 حربا أخري انعشت قليلا ما كسر في 67 بعد بُعد منظورنا الزمني أربعة عقود او يزيد رؤية الصائبة التي تجعلنا قادرين علي تحسن استحضار هذه الفترة لابد ان تدعونا الي ان نعتبر حربا واحدة مرت بثلاث معارك وليست معركة واحدة.. المعركة الأولي كانت قاسمة وقاسية استطاع العدوان يفاجئنا الي حد كبير وان يضربنا ضربة كاسرة لروحنا المعنوية في 67 لكن لم يمض علي هذا عدة شهور حتي بدأنا نستجمع قوانا مرة أخري عندما رفضنا الاعتراف بنتيجة الحرب ورفضنا ان يتنحي الزعيم الذي قادنا الي هذه الحرب ليس حبا فيه فقط وإنما رغبة في عدم الاعتراف بالنتيجة وإظهار لروح المقاومة، لم ننكسر، لا نستحق ذلك فأبقيناه كي نعذبه مرة اخري بقيادتنا ولكي نجبره علي أن يرأب الصدع ويجبر الكسر ويعيد الأمر الي ما كان عليه من العزة الوطنية وبالفعل اضطر الي ان يفعل المستحيل الي اعادة تكوين الجيش وحرب الاستنزاف البطولية ثم لم يمهله القدر كي يخوض المعركة الاخيرة، فخلف من ترك في نفوسنا مرارة شديدة عندما خلف السادات علي حكم مصر. لم يكن السادات يملأ عين الشعب حينئذ ولكنه كان سياسيا ماكرا داهية، استطاع أن يمضي في إعداد الجيش علي نفس النسق السابق وان يخوض معركة اكتوبر التي رد بها الكرامة والاعتبار ورد الروح في الجسد المصري بحرب اكتوبر، وبهذا ختمت الحرب في ثلاث معارك " معركة 67، ومعركة الاستنزاف ومعركة 73" لكن الكارثة بعد ذلك كانت في هذا الدهاء ذاته لأنه أراد ان يجني ثمار الحرب بطريقة بطولية هائلة تغير دفة مصر من النقيض الي النقيض وقد كانت وقتها بناء شخصية قوية، قاعدة تصنيع هائلة، الاستقلال التام عن القوي المهيمنة في العالم المتمثلة في امريكا، تحقيق قدر اعلي من العدالة الاجتماعية فانطلق العنان لشهوة الرأسمالية كي تفتك بالجسد المصري في منتصف السبعينيات عقب الحرب مباشرة فيما اسماه " الانفتاح المطلق " كما أطلق العنان الي التشبث بالسلطة الدولية العليا وهي امريكا فوضع في ايديهم اوراق الحل كلها وأطلق العنان لإعادة ارباك المنظومة المصرية فانفصلت مصر عن الجسد العربي الذي كان قد صنع لحمته جمال عبد الناصر بزعامته.. ووقعت اتفاقية كامب ديفيد وكانت هذه ذروة المرارة لدي الشعب المصري.. كل هذا حرم الادباء من تمثيل بطولات الحرب في 67 الي 73 لم يكن بسبب عدم احساسهم بالفترة وإنما لان السادات كان بتوقيعه الصلح المنفرد وخروجه من الصف العربي وانحيازه للرأسمالية العالمية وتبعيته لامريكا قد اذاق المصريين ذلة النصر.. أنا عشت هذه الفترة ولم اشعر بحلاوة نصر اكتوبر ولم نكد نمثله.
هل هذا يفسر عدم وجود اعمال ابداعية تساوي قيمة "معارك 67 و73« تلك المعارك النضالية الكبري في حياتنا كمصريين؟
- الادباء هم اكبر كاميرا حساسة لاقطة لأعماق الوجدان القومي.. كل الادباء العظام في تلك الفترة مهما كانت آراؤهم موافقين علي كامب ديفيد وكانوا قلة ومعارضين لها وكانت هي الاغلبية تركوا وطنهم اضطرارا وطردوا من اعمالهم وذهبوا الي اوروبا وهؤلاء الادباء الذين ناضلوا ضد السادات كان احساسهم بأنهم لم يشعروا بانكسار 67 مضاعفا إلا عقب انتصار 73، حرمنا السادات بجلبه وركضه وراء التبعية الامريكية من ناحية والبطولة الزائفة من ناحية اخري من الشعور بلذة نصر اكتوبر لان مصر لم تحارب في 67 أو 73 من أجل ذاتها وارضها فقط وانما من اجل القضية العربية كلها، من أجل الفلسطينيين، او من اجل صلح منفرد هذا هو المعني العميق لاتفاقية كامب ديفيد التي حرمت الادباء الكبار سواء كانوا علي وعي او غير وعي ان يتمثلوا البطولات الحقيقية للحرب لان نتائجها كانت بهذا القدر من خيبة الأمل.. اتفاقية السلام خيبت امل الوجدان المصري وحرمته من الاستمتاع ببطولات الحرب في النصر والهزيمة فحرب 67 كانت فيها بطولات لم نلتفت اليها مثل ماكان في 73 وكل ما كتب عنهما كان مجرد هوامش ابداعية ضعيفة نسبة الي تلك المعركتين.. فلماذا كل هذه الحروب منذ 48 اذا كنا سنترك الشعب الفلسطيني في النهاية يواجه مصيره المجهول وحده ويصبح لقمة سائغة لليهود؟!
اذن فإن حركة الابداع لم تساو الحدث التاريخي لمعركة اكتوبر المجيدة؟
- هي لا تساويه في التفاصيل الوقتية الآنية الجزئية ولكنها دائما تساويه في الرؤية الكلية الشاملة عبر مرحلة تاريخية بأكملها، بمعني أن الاديب ليس محققا بوليسيا يمسك بورقة وقلم ويرصد التحولات الوقتية في الأحداث في سخونتها ولكنه في نهاية الامر يختزن كل هذه الاشياء وما رآه وما عاصره او ما نقله الجيل السابق عليه.. كل ذلك يختمر في وعيه العميق كرؤية كلية للوضع البشري والإنساني والوطني والفردي في علاقته بالواقع وليس التجسيد المباشر في لحظة زمنية آنية ولكن الرؤية العامة لأعماق الواقع وما يضمره في داخله من عناصر الماضي من ناحية ومن طموحات المستقبل من ناحية اخري.
ما علاقة الناقد بالسلطة؟
- اذا فقد الناقد شجاعته ورؤيته للمستقبل وادراكه الي منظومة القيم العميقة الحقيقية وقدرته علي التمييز وتجرده من المصالح الشخصية وارتمي في احضان سلطة ما سواء كانت سلطة في الحكم كمنصب او منفعة مالية أو سلطة معنوية مثل السلطات الدينية أو شهوة الشهرة او غير ذلك.. هنا يفقد شرطه كمثقف وكناقد وقدرته علي توظيف وعيه وبصيرته للتميز والتقييم، فالنقد في جوهره عملية تقييم وهو بذلك نوع من القضاء والناقد مثل القاضي، ماذا لو ارتشي القاضي أو اذا حكم بهواه بالتأكيد سينتهي دوره كقاض ومع ذلك القاضي موقفه أسهل من الناقد، لان القاضي محكوم بقوانين وضعت له لا دخل له في صناعتها، أما مشكلة الناقد انه يبتلع القوانين السابقة ويقوم بتأصيلها وتعديلها وربما يضيف عناصر لكل حكم يصدره لان كل حكم هو مادة قانونية جديدة تضاف الي كود الجمال الذي تقره الثقافة الانسانية في عمومها وتبلوره الثقافة الوطنية في اللغة التي ينتمي اليها، والنقاد الكبار هم القادرون علي اضافة عناصر جديدة الي كود الجمال الذي يرثونه عمن قبلهم.
هل علاقة الناقد بالمبدع.. علاقة إصدار احكام أم هي علاقة تنويرية وإضاءة للعمل الابداعي؟
- كان النقاد القدماء الي عهد الجيل الماضي يتصورون أنفسهم علي انهم الاساتذة، والمبدعون هم التلاميذ ويمثلون مهمتهم علي انها اعطاء درجات لهم، لكن منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ومنذ أن تحول النقد الي علم وليس ايديولوجيا بمعني انهم كانوا يضفون تقديراتهم العظيمة علي من يشاركهم مذهبهم أو يؤمن بالمبادئ التي يؤمنون بها، فكان مثلا النقاد الرومانسيون يعشقون الكتاب الرومانسيين مثلهم ويرفعون من شأنهم وكان النقاد الواقعيون يقيمون الانتاج تقييما عظيما لأصحاب الاتجاهات الواقعية. فكان النقد حتي منتصف القرن العشرين نقدا مذهبيا ايديولوجيا تعليميا الي ان تحول النقد الي نقد علمي.
هل النقد بالطرق العلمية الحديثة استطاع أن يقضي علي الشللية والتكتلات الفكرية في حياتنا اليوم؟
- من يتشبع بالروح العلمية قطعا سيبتعد عن منطق العشيرة والانتماء والشللية ومنطق التكتلات، ولكن هذا ليس عملا سهلا وضد الانسان ولا يقوي عليه إلا اصحاب الهمة والوعي العالي. منذ ذلك التاريخ واصبح النقد مهمته توصيف اكثر منه اصدار احكام لكن ظل دائما يخفي في طيات ادواته شيئا من الحكم.. مثلا أنا أقرأ مائة قصيدة ومائة رواية واختار عملا واحدا اكتب عنه بحكم قيمته مع ان النقد يرفع شعار أنه يصنع حكم الواقع محل حكم القيمة.. واقصد بحكم الواقع هو توصيف العمل الادبي فيما يراه بمبادئه وقوانينه وتأثيره وقيمته الجمالية.
هناك اتهام لبعض النقاد بأنهم يستخدمون لغة صعبة فيها كثير من الغموض.. مما يصنع حاجزا بين القارئ العادي والعمل الادبي موضع النقد؟
- هؤلاء الذين يلجأون للمصطلحات الكثيرة واللغة الغامضة والمبهمة لم يتمثلوا حقيقة متعة الاعمال الأدبية ولا يجدون التعبير عن شعرية اللغة وجمالها. انا من صناع الفن اللغوي لماذا اكون اقل من المبدع او الاديب.. لماذا لا يستمتع القارئ بلغتي مثلما استمتعت انا بلغة الاديب صاحب العمل،لأنه لابد ان انافس المبدع لا في المعرفة ولا في الوعي ولا في اكتشاف الجمال وإنما في تجسيد كل ذلك في اللغة ولابد ان يشعر قارئي بأنه يستمتع بهذا النقد.
النقد ظاهرة حضارية.. هل نحن نعيش هذه الحالة ؟
- أقرب مثال علي اننا نعيش هذه الحالة ثورة يناير فهي نقد لحياتنا لما قبل الثورة.. نقد عنيف ليس بالكلمة وليس بالكتابة.. لولا نمو الحس النقدي لدينا في مجال السياسة والثقافة ما قامت الثورة، اختيار الشعب للتيارات الدينية في الانتخابات البرلمانية السابقة ممارسة للنقد لنجرب نصا آخر غير النصوص العسكرية، وجربنا النصوص التي تزعم أنها مدنية ولنجرب هذا النص الديني الذي أغرنا بأحلام وصنع لنا الجنة علي الارض مثلما هي في السماء.. وعلينا بعد عدة سنوات ان نكتشف اذا كانوا قد صنعوا لنا الجنة علي الارض أم أنهم أخطأوا وانزلوا علينا الجحيم.
ما مسئولية الناقد في توجيه الرأي العام؟
- هذا عمل اساسي للناقد، قيادة الرأي العام الفني والأدبي.. قبل ثورة يناير كنت قد وصلت من عشقي للديمقراطية ومن دعوتي للحرية الي انهما قيمة جمالية اقيس بها الاعمال الابداعية فآخر كتاب اصدرته منذ عدة سنوات كان عن جماليات الحرية في الشعر وعن الرواية كتاب "التمثيل الجمالي للحياة" وكتاب نقدي بعنوان "لذة التجريب الروائي" بمعني أنني أدركت أن قوة الاحساس الوطني لدي نجيب محفوظ مثلا كانت في انتماءاته السياسية وإيمانه العميق بالديمقراطية ودعوته المستمرة التي اعتبرها هي النموذج الامثل لمصر في حياتها السياسية، كان أدب نجيب محفوظ مصدرا اساسيا لتعميق فكرة الديمقراطية في الوجدان المصري والعربي وعندما نقلت السينما اعمال محفوظ كان مشبعا بروح الحرية والديمقراطية.
ما تعليقك كشاهد وناقد علي ما يحدث في سيناء الآن.. هل تم اختطافها كما يردد البعض أم أنها أصبحت خارج سيطرة الدولة ؟
- نحن الآن نجني الثمرة المرة التي زرعها السادات ورواها مبارك طيلة ثلاثين عاما، هذه الشجرة هي التي اشرت اليها في مقدمة حديثي معك وهي "كامب ديفيد" فرح الناس لأنها جلبت السلام لمصر ولكنهم لم يتأملوا ما جلبته من نتائج اخري بدعوي السلام وسلخ سيناء من السيادة المصرية المطلقة وتحديد وجود قوات الشرطة والجيش والأسلحة ونوعيتها ماذا يسمح منها بدخول سيناء ومن ناحية اخري قيام الامارة الاسلامية لحماس والتغافل عن كل ذلك طوال اربعين عاما، كان لابد أن يؤدي الي ما نحن عليه الآن ولذلك أري مبدئيا أن أحلام هؤلاء التكفيريين أو تلك العصابات التي ترفع الرايات السوداء وهي عصابات اجرامية تتستر وراء الدين وتقوم بالتجارة والتهريب وغير ذلك لابد ان تمر بأمرين أسهلهم شديد الصعوبة.. الامر الأول: هو اعادة الملاحق الامنية في اتفاقية كامب ديفيد حتي نستعيد سيادتنا الحقيقية فقد أصبح ضرورة حتمية تفرضها المتغيرات الدولية وهذا لا يعني شن الحرب علي اسرائيل اطلاقا لكن ان نملك حقنا في التصرف علي حدودنا وأن نزيل القيود التي تحول دون ذلك. الامر الثاني: تنمية سيناء، عندما تنضم سيناء للجسد المصري وتنشأ فيها المدارس والمستشفيات واستزراع ارضها سيتغير الأمر جذريا.
ماذا عن بدء اجتماعات اللجنة الفنية بالمجلس الاستشاري للجمعية التأسيسية للدستور.. وهل هناك عقبات في طريق استكمال بنود الدستور من وجهة نظرك؟
- تبدأ اللجنة اعمالها في توقيت في غاية الاهمية،ولحظة حاسمة كلنا ندرك أن 90٪ من مواد الدستور لا خلاف عليها ومن السهل التوافق عليها، لكن هناك ثلاث مناطق في الدستور المصري سوف تدور حولها المعارك الفكرية الطاحنة والمعارك الايديولوجية القاسية وهي الاختبار الحقيقي لنوع الحكم وشكل المستقبل..
المنطقة الاولي: هي منطقة الحريات.. كانت كل التيارات الدينية تهدف بالحريات قبل ثورة يناير لانها تود ان تكتسب حريتها السياسية دون أن تدرك ان الحرية السياسية مرتبطة بالحرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالحرية كل لا يتجزأ.. ولما قربت من السلطة وامسك فصيل بها ورعاه فصيل آخر أصبحوا يسلمون بالحريات السياسية التي حملتهم الي السلطة ولكنهم يرفضون الحريات الاجتماعية ويعاندون حريات المرأة ويرفضون الحرية الثقافية ويريدون تقييد حرية الرأي وحرية الإبداع.. هذا الخط الفاصل بين أصحاب الاتجاه الوطني ولا أقول المدني وأصحاب الاتجاهات الدينية.
النقطة الثانية: أنهم رفعوا شعارات دينية كسبوا الناخب وغازلوا حسه الديني عن طريق هذه الشعارات وهم مقبلون علي انتخابات أخري يريدون أن يستمروا في هذا الغزل بالدين فيقسمون المواطنة المصرية الي مسلمين وغير مسلمين، الي اسلاميين ومسلمين غير اسلاميين.. هذه القسمة سخيفة ومرفوضة لأنه لا أحد يزايد علي الدين في مصر وشعاراتها كلها فارغة لا جدوي من ورائها ولكنهم يعوقون مسيرة مصر نحو المستقبل.عندما يحاولون صبغة الدستور المصري بصبغة دينية لا تليق بدستور حديث الاديان توضع للعقائد لكن الدساتير توضع للعلاقة بين مؤسسات الدولة ونظم الحكم.. إن التيار الوطني الشامل سوف لا يقبل اطلاقا بدستور المستقبل الذي فيه صبغة دينية بإضافة مواد تربك حياته وخطواته ونهضته في المستقبل.
النقطة الثالثة : هناك فجوة عميقة بين الطبقات.... الفترة الناصرية انصفت بعض الفقراء وقربت المسافات بين الطبقات المختلفة ولكنها افتقدت الحرية.. وجاءت فترة السادات بالانفتاح ومبارك بالفساد لتزيد الفجوة اتساعا فيصبح في مصر آلاف المليارديرات ويصبح لدينا أكثر من نصف الشعب تحت خط الفقر.. هذا الوضع في الدستور لابد من وضع مواد تعالجه.. هؤلاء الذين يرفعون الشعارات الدينية ينسون أنه أول كتاب جذب كثيرا من المثقفين المصريين للدعاوي الاسلامية كان كتاب سيد قطب "العدالة الاجتماعية في الاسلام" الآن يتخلون عن شعار الثورة في العيش والعدالة الاجتماعية ويتمسكون بمواد أخري ليست لها ضرورة علي الإطلاق مثل مادة طبقا للشريعة الاسلامية، كل القوانين المصرية طبقا للشريعة الاسلامية.. هذه المحرمات الثلاث هي ما ستحاول اللجنة الفنية بمساعدة المجموعة الوطنية من أعضاء اللجنة التأسيسية أن ترعاها عند مراجعة صياغة الدستور فإذا نجحت في رعايتها خرج دستور توافقي وإذا فشلت ستنسحب مع الكتلة الوطنية وينهار المعبد علي من فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.