الأنامل الذهبية هجرت المهنة لضعف العائد منها المشغولات النحاسية التي كانت من أبرز الفنون المصرية التراثية النحاسية التي لم يكن يخلو بيت منها، أصبحت للأغنياء فقط وهواة جمع التحف والأنتيكات،وذلك بعد أن ارتفع سعر الخامات واختفاء الصنايعي الماهر من هذه الحرفة،وانخفاض الطلب علي النحاس الذي كان في الماضي هو سيد معادن أي منزل وكان أحد المتطلبات الأساسية لتجهيز العرائس في الأرياف والمدن. يتحسس الأسطي عفيفي كامل بأنامله قطعة نحاسية بين يديه، وعلي وجهه تختلط تجاعيد الزمن بسنوات عمره الستينية، وتكتمل بملامح الحزن وعلامات الشقاء،وكأن هذه «التجاعيد المختلطة»، تلخص الحكاية الحزينة للصناعات النحاسية عبر الزمن،كان يجلس منحنياً علي تحفته النحاسية منهمكاً في إنجازها داخل ورشته الصغيره في مصر القديمة، خلف المجمع الجنائزي التابع للسلطان برسباي والذي يعود للعصور الوسطي بمنطقة مقابر الغفير،وتشتهر هذه المنطقة بورش النحاس التي تبهر من يشاهدها من أول نظرة،وبرغم ملامح الحزن التي سيطرت علي وجهه ونبرات صوته،فهو ينتظر دائما لحظة الرضا التي يعيشها وتسكن روحه وتجبر شفتيه علي الابتسام عندما ينتهي من تشكيل تحفة،ويقول لنا :يزداد بداخلي الحماس والرغبة في استكمال مشواري،والعمل علي إنتاج العديد من التحف والانتيكات النحاسية والمطعمة بخيوط الفضة والنحاس الملون. ويوضح لنا أنه كان يساهم في تعليم مهنة الحفر علي النحاس من خلال الدورات التدريبية التي كانت تقيمها وزارة الشباب والرياضة لتعليم الشباب والجيل الجديد مهنة النحاس باستخدام الطرق اليدوية،ويوضح أن سبب تراجع واندثار مهنة صناعة النحاس يرجع إلي ارتفاع تكلفة المادة المستخدمة ونقص الإمكانيات والايدي العاملة التي فرت إلي مهن أخري أكثر ربحاً ويقول بأسي : لقد تحول بعض التجار والصنايعية إلي مهن أخري،فهناك من عمل علي «التوك توك» أو فتح محلا للملابس الجاهزة ولم يتبق فيها إلا بعض كبار السن وأبناؤهم الذين ورثوا المهنة عن آبائهم واجدادهم،كما تغير الزبون،فمن يشتري منتجاتنا هم الأغنياء أو اصحاب الذوق الرفيع الذين تستهويهم المنتجات التراثية،فضلا عن السائحين الذين يشترون هذه القطع الفريدة كتذكار لزيارتهم إلي مصر. ويشرح لنا عم «عفيفي» طريقة النقش علي النحاس،ويقول إنه يتم في البداية اختيار الشكل المطلوب تنفيذه للسائح،وذلك عن طريق استخدام منضدة خشبية وأقلام نقش حادة ومطارق حديدية، ويوضع بداخل الوعاء كمية من الاسمنت او مادة شمعية لكي يملء الفراغات بداخل الوعاء مما يساعد الصانع في الطرق علي المنتج وبعد تصميم الشكل المرغوب فيه من قبل السياح الاجانب والعرب،يتم إخراج المادة الاسمنتية او الشمعية من القطعة ثم غسلها جيدا،وتأتي بعد ذلك مرحلة تطعيم المنتج بخيوط الفضة او النحاس الاحمر في الاماكن التي تم تفريغها باستخدام المطرقة والقلم الحاد،وذلك علي حسب أبعاد الشكل المرسوم.