هل لنقابة الصحفيين أزمة مع الرئيس؟ أم أن أزمتها مع وزارة الداخلية؟ أم أنها مع المجتمع؟ من المؤكد أن أزمة النقابة ليست مع الرئيس وما مطالبتها ب «طبطبة» مؤسسة الرئاسة إلا لجوءاً لرأس الدولة الذي استطاع بتدخله نزع فتيل أزمات سابقة تسببت فيها أجهزة الدولة بحمقها وبممارسة بطش السلطة وغشمها. مراضاة رئيس الدولة للصحافة ليست انتقاصاً من هيبته أو من هيبة الدولة كما يردد البعض صيداً في الماء العكر، لكنها حكمة الكبار و»الحنّو» الذي تقتضيه مواصفات الحكم الرشيد، إلي أن تنضج مؤسسات الدولة وتتحلي بالحصافة السياسية التي تحافظ علي تماسك المجتمع بدلاً من تأجيج الفتن بين فئاته وطوائفه. دعنا نتصور سيناريو مختلفاً لأحداث يوم 25 أبريل أو ما سمي بجمعة الأرض. وهي الجمعة التي شهدت مظاهرات مناهضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية. هنا لابد من الاعتراف بأمرين: أولهما وجود قطاع من الشعب يعارض تلك الاتفاقية سواء عن صواب أو خطأ، عن فهم أو بدونه. وثانيهما أنه لا يوجد مجتمع صحي بلا معارضة، ولا دولة مدنية ديموقراطية حديثة كما - نريد لبلدنا - ترفض المعارضة أو تفشل في استيعابها، وحين يضيق صدر أي نظام بتلك المعارضة ويبطش بها فإن تصنيفه يتحول فوراً إلي النظم الاستبدادية الفاشلة. كان لابد من هذا الاستدراك لأتخيل معك عزيزي القارئ السيناريو المختلف ليوم جمعة الأرض. تخيل أن السلطة صرحت بتلك المظاهرات طبقا لقانون تنظيم التظاهر ولم تحدث عمليات القبض العشوائي للصحفيين مصريين وأجانب ممن كانوا يزاولون عملهم بتغطية تلك الأحداث، وقامت الشرطة بتأمين تلك المظاهرات دون حصار لنقابة الصحفيين في ذلك اليوم ودون منع الصحفيين من الوصول إلي نقابتهم، ولم يتم الدفع بالبلطجية - المعروفين بالوجه ويظهرون في كل مناسبة - للتعدي علي الصحفيين بالسباب ومحاولة اقتحام النقابة. هل كانت ستحدث أزمة؟ أبداً.. تخيل لو تم تدارك الأزمة مبكراً وقبل أن تتفاقم إلي الحد الذي يدفع نقابة الصحفيين لتقديم بلاغ للنائب العام ضد وزارة الداخلية بسبب اعتداءات الأمن عليها، وتدخلت الأطراف العاقلة لحلها هل كان الصحفيون سيصلون في اجتماع جمعيتهم العمومية لهذا الحد من الغضب للتجاهل الذي أبدته الدولة؟ تري ما هي الرسالة التي أرادت الداخلية إرسالها للنقابة وللصحفيين في اليوم العالمي لحرية الصحافة؟ هل نتوقع مثلاً والأمر هكذا أن تتبوأ مصر مركزاً مميزاً في ترتيب حرية الصحافة العالمية؟ هل يمكن أن ننتظر أن تحصل مصر علي موقع متقدم في الاتحادات الدولية والإقليمية للصحافة؟ ماذا سيكون شكل النظام المصري في العالم ومايزال ملفنا بخصوص حقوق الإنسان وحرية التعبير مثيراً للجدل في الخارج؟ لا تحدثني عن تطبيق القانون فهو ليس محل نزاع لكن التعسف في استعمال الحق والتجبر من السلطة يسيئ إلي سمعة النظام. هل كان وزير الداخلية مدركاً لأبعاد أساليبه في تنفيذ القانون أم غافلاً عنها. هل كان متعمداً؟ لم تكن علاقة الصحافة بالشرطة أبداً في أسوأ حالاتها مثلما هي الآن. الصحافة دعمت الشرطة في كبواتها المتعددة فهي صمام الأمان للمجتمع. ومنذ ثورة يناير جاهدت الشرطة لاستعادة مكانتها في قلوب الشعب وكان للصحافة الفضل الأكبر في هذا دون منّ أو أذي. وفي معظم بيوت الصحفيين ضابط شرطة أو أكثر.. الأزمة ليست إذن مع جهاز الشرطة أو أشخاصه، لكنها في ممارساته وسياساته. تبقي حالة الشحن العدائي التي يتعرض لها الصحفيون في المجتمع فضلاً عن حملات التشويه والتخوين لكل مخالف في الرأي. والغريب أن هذه الحملة تتطابق مع ذات الحملة ضدهم أيام الإخوان حين وصفهم المرشد بديع «بسحرة فرعون». فهل وراء هذه الحملة العاتية ضد الصحفيين خلايا إخوانية نائمة لإحداث الوقيعة بين الصحافة ونظام 30 يونيو؟ أم أن وراءها تيار مخاصمة ثورة يناير وأبناء مبارك الذين يرغبون في مسح ذكراها بأستيكة؟ أيا كان الفاعل فإن النتيجة المخيفة هي تفتت كتلة 30 يونيو بكل بهائها وتماسكها. هي إذاً أزمة مجتمع وليست أزمة مع المجتمع. أزمة مجتمع مايزال طريقه طويلاً حتي يصل إلي بر الأمان وعلي كل العقلاء الحريصين علي صلابة الجبهة الداخلية عدم السماح للعناصر الشريرة بالتلاعب بها جرياً وراء مصالح ضيقة أو أحقاد دفينة. فكل الفاسدين الذين فضحتهم الصحافة لهم ثأر معها، وكل المرتعشين الخائفين من افتضاح أمرهم يريدون الانتقام من نقابة الصحفيين، كل من له مصلحة ويتودد للرئيس ويتراقص أمامه كمضحك الملك لعله ينظر إليه لديه عداوة مع النقابة. ومفتاح الحل في يد الرئيس.