بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    موسم مبشر.. حصاد 14280 فدان بصل بالوادي الجديد (صور)    بوليانسكي: أوكرانيا تتفاخر بقتل الصحفيين الروس والغرب يغض الطرف    اعتقال متظاهرين داعمين لفلسطين في جامعة بتكساس الأمريكية (فيديو)    الشرطة الأمريكية تكشف كواليس حادث إطلاق النار في شارلوت بولاية نورث كارولينا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    الجنائية الدولية تأخذ إفادات العاملين بالمجال الصحى فى غزة بشأن جرائم إسرائيل    محلل سياسي: أمريكا تحتاج الهدنة وتبادل الأسرى مع المقاومة أكثر من إسرائيل    باحث في الأمن الإقليمي: مظاهرات الطلبة بالجامعات العالمية ضاغط على الإدارة الأمريكية    اعتصام جديد فى جامعة بريتش كولومبيا الكندية ضد الممارسات الإسرائيلية    خبير تحكيمى: المقاولون تضرر من عدم إعادة ركلة الجزاء بمباراة سموحة    تعيين إمام محمدين رئيسا لقطاع الناشئين بنادى مودرن فيوتشر    أزمة الصورة المسيئة، رئيس الزمالك يوبخ مصطفى شلبي بسبب طريقة احتفاله أمام دريمز الغاني    صدمة للأهلي.. الشناوي لم يستكمل المران بسبب إصابة جديدة| تفاصيل    متحدث الزمالك: أخطاء إدارية فادحة فى 14 قضية على النادي تستحق المساءلة    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة بقنا    سعد الدين الهلالي يرد على زاهي حواس بشأن فرعون موسى (فيديو)    وزير الأوقاف: مصر بلد القرآن الكريم ونحن جميعًا في خدمة كتاب الله    بالأسود الجريء.. نور الزاهد تبرز أنوثتها بإطلالة ناعمة    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    العميد المساعد لجامعة نيويورك: جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    شم النسيم 2024: موعد الاحتفال وحكمه الشرعي ومعانيه الثقافية للمصريين    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    مصدر أمني يوضح حقيقة القبض على عاطل دون وجه حق في الإسكندرية    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    متحدث الحكومة يرد على غضب المواطنين تجاه المقيمين غير المصريين: لدينا التزامات دولية    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    مجدي بدران يفجر مفاجأة عن فيروس «X»: أخطر من كورونا 20 مرة    سر طول العمر.. دراسة تكشف عن علاقة مذهلة بين قصر القامة والحماية من الأمراض    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    جامعة المنصورة تكرم نقيب المهن التمثيلية خلال ندوة الصالون الثقافي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    ميترو بومين يرفع علم مصر بحفله الأول في منطقة الأهرامات    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    7 معلومات عن تطوير مصانع شركة غزل شبين الكوم ضمن المشروع القومى للصناعة    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    محطة مترو جامعة القاهرة الجديدة تدخل الخدمة وتستقبل الجمهور خلال أيام    محافظ دمياط: حريصون على التعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    مدير تعليم دمياط يشهد ملتقى مسؤلات المرشدات بدمياط    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبنودي الثائر دائما:
الذين يأگلون من الثقافة : .. هم الخطر الحقيقي!
نشر في أخبار اليوم يوم 31 - 08 - 2012

عبد الرحمن الأبنودى فى حواره مع زينب عفيفى الحب عنده حرية، والعشق لديه غيه، وحياته ملحمة ثرية، معجون بمياه النيل النقية، هناك في الجنوب لفحته شمس الكلمة الحرة النابعة من شفاه أمه فاطنه قنديل،التي كانت معلمته الاولي لأبجديات الغناء الشعري،أما ابوه الشيخ الابنودي فعرف عنه بردة البوصيري وألفية ابن مالك، فغني لنا اروع القصائد الشعرية التي حفظتها بائعة الجرجير المجهولة، وذلك الرجل المريض الذي كان حلمه الوحيد ان يراه قبل أن يموت.. هذا هو شاعرنا الجميل عبد الرحمن الابنودي المهموم بالحب والسياسة.
هناك في قرية "الضبعية " إحدي قري محافظة الاسماعلية، كان موعدنا في بيته الريفي الهادئ الكائن في قلب أشجار المانجو والياسمين والورد البلدي والرياحين والوجه الحسن زوجته الجميلة الاعلامية الكبيرة نهال كمال، ونور ابنته الصغري التي استقبلتني بابتسامتها الساحرة، في جو عائلي دافئ كان حوارنا أشبه بالفضفضة والدردشة، ولكن عندما كانت تأتي سيرة معشوقته الأولي مصر كانت قصائده تنساب بين كلماته وأتوقف انتباها للاستماع إليه في شغف واستمتاع بصوت محب يروي عذاباته لحبيبته مصر وما يحدث لها من احزان وأفراح خلال مسيرته الابداعية.
في بداية غير معدة بدأ حواري التلقائي مع شاعرنا الكبير.. قلت: قرأت تعليقا للروائي خيري شلبي -رحمة الله عليه - في احد حواراته يقول فيه: ان الابنودي لم يتعلم الشعر من أحد، ولم يدرسه علي يد أحد وإنما هو مولود به.. ما هي حكايتك مع الشعر؟
- اجابني شاعرنا الكبير مبتسما: اشكرك علي تذكيرك لي بصديقي خيري شلبي أحد رموز جيل الستينيات،الذين افخر بهم، وهم مازالوا اصحاب الحركة الفاعلة في الحركة الثقافية المصرية من جيلي بالفعل، نعم أنا لم اتعلم الشعر من احد لأنني كنت في اعماق الصعيد في ذلك الوقت وكانت كل مصادري في المعرفة الشعرية هي غناء البشر وأشعارهم التي يتبادلونها.. بمعني انه في البيت كان يوجد غناء، وفي السامر الليلي كان يوجد الغناء، بلدنا كان كل من فيه يغني ماعدا البقالين أصحاب المحلات لان الغناء مرتبط بالعمل وبالتالي فان البقالين هم من يجنون الغناء اليومي .. لا يوجد امرأة في صعيد بلدي لا تغني،ولا يوجد رجل يعمل تحت الشادوف او فوق نوارج القمح أو خلف الساقية أو حتي وهو ينقل الحبوب أو وهو يمارس اي عمل من اعمال الزراعة والحياة إلا وهو يغني والمرأة لا يمكن ان تجعل الحياة تستمر من طحن الحبوب بالرحي الي الخبيز إلا بالغناء لا يمكن أن تستمر حياتها إلا بالغناء والغناء يتشكل حسب حالتها المزاجية فإذا كانت سعيدة تغني اغنية سعيدة، وإذا كانت حزينة فهي تغني بكائياتها الخالدة وهي اجمل نصوص الادب الشعبي المصري علي الاطلاق،هذا هو استاذي..
وفي المساء كان الرجال يتبادلون الصياغات التراثية علي شكل ونحن نسميه اللاقش بفن اسمه فن المجارجه أي المشاكسة المتبادلة فهي اشبه بالصراع ولكن الصراع الذي يأخذ شكلا فنيا رائعا لان هذا هو بذرة السامر -المسرح الشعبي المصري - فلم يكن هناك مسرح او سينما او تليفزيون ولذا فالناس عرفت طريقها لاختراع هذه الاشياء شفهيا.
قلت: الشعر العامي إذن لم يكن اختيارا كان واقعا !؟
- أنا كنت واقعا في مأزق اخر كان هذا هو انتمائي للشعر الحقيقي وفي نفس الوقت حين انتقلت الي مدينة قنا وجدت والدي مدرس لغة عربية وقد تخرج من تحت يده شعراء كبار وكان مأذونا شرعيا ورجل دين من الطراز الاول وجدت له ديوانين مطبوعين أحدهما بردة علي نهج الامام البوصيري والآخر الفية في النحو علي غرار الفية ابن مالك فسقطت في هذا التناقض بين عالمين،عالم خصب رائع ورجل منفلت من خيمة عربية قديمة فالمنزل في ابنود مغمور بالأدب الشعبي بينما العالم في بيت الشيخ الابنودي عالم علماء دين ولغة، هذا الحصار اوقعني في تناقض كبير في الفترة الاولي لاني حين بدأت الشعر بدأته بالفصحي حين كنت اقراه لأصدقائي كنت اكتب اشياء يفهمها هؤلاء الاحباب ولابد ان الحاجة للقوالب الفنية التي يفهمونها فيها مفردات لا يفهمها إلا اصحابي من البسطاء والفقراء
أنا و دنقل
هل الشاعر بكلماته يستطيع ان يغير الواقع ؟
- حين بدأت اكتب اغنيات تحت الشجر يا وهيبة وأغاني محمد رشدي كانت تغني في افراحهم كان يقال سلام وهيبة يا جدع،وعندما انتقلت للمدينة بدأت لغتي تتسع وتختلف مع قراء المدينة انا وصديقي امل دنقل ومحمد سلامة آدم، حين كنا نسمع بأن احدا يملك كتابا في قرية ما كنا نجمع قروشنا المتواضعة ونرسل بأحدنا للحصول علي الكتب كانت الامور شاقة أما اليوم الكتب ملء الدنيا ومع ذلك الناس لا يقرؤون !!، وسط وسائل تخطف العقل والبصر وفي النهاية تكتشف ان ما يقيم أودك ويصلب عودك هو ما قرأته في الكتاب واتسعت مخاطبه القرية الي الامة الي مخاطبة العالم العربي الي مخاطبة كل العالم الي مخاطبة الانسانية وكل هذا انا مدين به الي الحفاة العراة الذين كانوا معي في طفولتي.
"شاعر البسطاء والغلابة " لقب عرفت به.. الي أي مدي تسعدك هذه الصفة؟
- هذه الصفة تسرني الي ابعد الحدود وسبب فخري انك حين تنزلين مثلا الي قرية مغرقة في بعدها.. وتسألين رجلا بجلابية قديمة وحافي القدمين من تعرف من المثقفين يقول لك: الابنودي .. هذا بالدنيا عندي.. أنا بأقول في شعري: انا اللي ما يحسدونيش الفقراء ومن الممكن ان يرددوا بعض أشعاري سأحكي لك حكاية غريبة وقعت لي: انا جمعت السيرة الهلالية وكان لي صديق اسمه" ابو عنتر" كان مثلي مضروبا بالسيرة الهلالية وحين جاء وقت موته طلب يشوفني وابنه المحامي قال ان ابويا يريد أن يراك، وكنت قد التقيت بالغيطاني الذي تصادف وجوده في البر الغربي وركبنا معا سيارة من اجل التجول، وفي طريقنا لزيارة الرجل المريض وقفت اشتري له بلح، وكانت هناك امرأة تبيع جرجير حافية القدمين وهدومها ممزقة، اقتربت من ابن الرجل المريض تسأله:هو ده الابنودي ؟ فقال لها: ايوه فقالت له: هل اقدر اتكلم معاه، قال لها: ممكن طبعا قالت: طيب والحرس اللي معاه؟ وكانت تقصد الغيطاني..،ضحك الابنودي وهو يسترسل بعفويته الرائعة في حكاية المرأة المجهولة: ثم ادخلت المرأة رأسها من شباك السيارة الخلفي وقالت: مش انت يا عبد الرحمن اللي قلت: " غربي بلدنا بلد سيح وادي الهلف ماشي ورانا مش عيب كراسي التماسيح تركب عليها الورانا. " الورن شكل التمساح ولكنه ليس تمساحا فالزمن الواطي جعل الورن يجلس مكان التماسيح مما جعل جمال الغيطاني انعقد لسانه من الدهشة والمرأة الغريبة بدت وكأن بيني وبينها تاريخا.
وقال الغيطاني: انت عارف ان هذه اغرب ظاهرة ادبية شفتها في حياتي !! كلنا نكتب وكأننا نكتب لبعض لكن انت وصلت لهذه المرأة التي لا تعرف يعني ايه فن وكأنها قريبة لك وذهبنا للرجل المريض ولما سألته مراته:عارف مين اللي قاعد بره ؟ قال: الابنودي ولد الشيخ الابنودي والست فاطنة قنديل.
وقبل ما ادخل بيت هذا الرجل المريض استوقفني مجموعة من الاشخاص يسألونني عن اشعاري.. ان ثروتي الحقيقية في وصول كلماتي الي هؤلاء الحفاه العراه.
نجيب محفوظ استاذي ولكن يقرأه المثقفون والمتعلمون وكذلك يوسف ادريس، وفتحي غانم وغيرهم رغم عظمتهم الابداعية..... لكن انا عيني كانت علي الناس دائما.. انا فخور بأني عرفت كنه الادب الشعبي وتعاملت معهم ككبار. ففي فيلم عرق البلح كانت اغنية "بيبه بيبا عمي حمادة" دي اغنية امي فاطنة قنديل الناس خرجت من الفيلم مدهوشة بالكلمة.
موال النهار
قصيدة "عدي النها ر" من أجمل قصائدك الوطنية ومازلنا نتوقف عندها طويلا وانت تقول " وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها.. جانا نهار مقدرش يدفع مهرها.....ابدا بلدنا للنهار بتحب موال النهار " كيف تري بلدنا في هذه الايام؟
- كانت النكسة شديدة الظلمة ولكن كان هناك ضوء في اخر النفق اراه وكنت متأكدا منه كنت مؤمنا ان الشعب المصري لن يسمح للغرباء ان يهزموه هي هزيمة قادة عسكرية وهذا ما اعطاني الايمان الشديد فمثلا اقمت علي شط السويس في بيت ريفي لمدة ثلاثة سنين ونصف وسط الضرب والنار والصواريخ وكتبت اغنية »يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي استشهد تحتك وتعيشي انت« كنت مؤمنا بالنصر لو تسأليني الان اقول أن ثمة املا بمنطق الحتمية التاريخية ان الاشياء لا تدوم بدليل ما حدث لنظام مبارك ولكن لا استطيع ان أحس التفاؤل الذي كنت احسه في ظلام النكسة لان انا مؤمن أن اقتصادنا في اسوأ حالاته موضوعيا ان كل الناس تعمل لمصلحتها الخاصة،لا اري هذا التفاني الذي كان يشملنا جميعا في زمن عبد الناصر كان هناك قائد عظيم وان كان الزمن حرمه من الخاتمة وعملها السادات بإعادة بناء الجيش. واري الان ان هناك غياب رؤية حقيقة لعدونا المحيط للأخطار الفظيعة المحاصرين بها.. نحن محاصرون الان من الشرق والجنوب والغرب ومن كل ناحية الجميع كل هدفه السلطة.. هما نوعان من التفاؤل: التفاؤل الذي كنت اراه في النكسة وكنت مؤمنا بأن له نهاية حتمية وقريبة، وهذا التفاؤل الذي املكه علمي يقول: ان التراكم الكمي يؤدي الي تغير كيفي ويقول ان الاشياء تتحول وتتغير وحتما سوف تتغير ولكن متي وكيف هذا السؤال لا يستطيع أي مصري مخلص ان يجيب عليها.
لقد عاصرت ثورتين: يوليو و يناير وكانت كتاباتك في الثورة الاولي تحمل الفرحة والحلم وفي الثانية كانت قصائدك تحمل القلق والحزن والمحاذير.. كيف تصف احساسك كشاعر ومواطن بين الثورتين ؟
- اولا ثورة 23 يوليو كانت انقلابا تحول الي ثورة، وثورة 25 يناير كانت ثورة تحولت الي انقلاب فعلا كان هناك تنظيم يقود حركة 23 يوليو وفيما بعد تبوأ عبد الناصر القيادة ولكن كان يحميها الجيش وكان الجيش غير الجيش، والدور الذي لعبه جيش 23 يوليو مخالف لجيش 25 يناير والأهداف كانت مختلفة تماما وقاد عبد الناصر البلد الي تغييرات حقيقية في حياة البشر وخاصة الفلاحين، لقد غير مصر تغييرا شاملا والفلاحون اكثر من عرفوا طبيعة عبد الناصر بحكم اضطهادهم في التاريخ اما نحن اهل الورق والفكر خالفنا عبد الناصر وبعد ما جاء حكام بعده عرفنا قيمة عبد الناصر.
ثورة25 يناير قامت بلا قيادة واعتبرنا ذلك من فضائلها الكبري، ولكن هذا كان من اسوأ ما فيها!!، وفي النهاية احنا فراعنة وعادة تتجه العيون الي الحكام وان صلح الحاكم صلحنا وإذا فسد فسدنا.....
بعد عبد الناصر بدأ انهيار مصر من اول اتفاقية كامب ديفيد وانعكس ذلك علي كل نواحي الحياة ومنها الثقافة والفن.. وقد عارضت هذه الاتفاقية وقدمت الي المحاكمة بقانون العيب انا وهيكل واستمرت سياسة حسني مبارك وانهيار القيم في علاقتنا داخل الوطن وخارجه وكان لابد من تمزيق الجلباب في ميدان التحرير وبعد ان مزقنا الجلباب وقفنا ننتظر....... انا من اسعد الناس بقيام الثورة كتبت قصيدة في الميدان التي تعتبر تأريخا للثورة ونشرتها قبل ما يقال مبارك بأسبوع ولم يكن يهمني ان تقطع رقبتي، وتوالت قصائدي ملحمة كبيرة اسمها "لسه النظام ما سقطش" ثم "ضحكة المساجين" الي ان وصلنا الي المرحلة التي انقسم فيها المجتمع الي اسلاميين وليبراليين وثوريين، وحدثت هذه اللخبطة التي نعيشها الان، مع ان الثورة استطاعت توحيدهم في الميدان ولكن لأنها كانت ثورة بلا تخطيط علمي وبلا قيادة انقسمت كل الاتجاهات السياسية والفكرية.
الادب الثوري
هل المبدع له دور في الاصلاح وتحقيق احلام الناس، ماهي مهمة الادب الثوري؟
- انا اقول اني مازلت احلم وعلي الجماهير ان تتحقق من هذه الاحلام وتري ما الذي تحقق منها وما الذي لم يتحقق، إن مهمة الادب الثوري هو هدم كل القيم البالية داخل الانسان ثم اعادة بنائها علي اسس جديدة، ان مهمتنا أن نرسم العالم الذي نحلم به في مواجهة العالم الردئ، فليس اغرب من ثورة تقوم ثم يشكل ثوارها أكثر من 250 ائتلافا، وأنا حتي الان لا افهم ماذا يعني ائتلاف ؟! أنا أفهم أن الائتلاف يعني بين مجاميع ومجاميع، ثم امامنا فرص للتوحد مثلا المشروع الذي طرحه الدكتور البرادعي وهو حزب الدستور الذي اسماه حلفا وأنا اسميه جبهة كل هذه التنظيمات الشلليه عليها ان تذهب للتعايش داخل الحلف الكبير الذي اسمه الدستور لكي يبدو ثمة قوي لها كيان حقيقي.. ليس بخطب حمدين صباحي،ولا بتحليلات المخرج خالد يوسف ولا بانضمامات د.علاء الاسواني للإسلاميين ثم التململ بعد ذلك، ولا باختفاء صديقنا بلال فضل الذي أيد تماما الاسلاميين ثم لم نعد نراه حين يجب ان يقول رأيه، كل فئة من هؤلاء تري نفسها هي الأحق بقيادة هذا البلد.. وهم في الواقع لا يستطيعون ان يقودوا حتي أنفسهم، وسوف يذهبون بنا الي التهلكة، كلهم جنرالات بلا جنود. بينما الجماهير في اماكنهم وأنا اتعجب من اصدقائنا الذين يملأون الشاشات ونسمع ضجيجهم يخاطبونني وأنا لست في حاجة لمخاطبتهم ولا يخاطبون الجماهير لكن هذه سمة اليسار والليبراليين علي طول مسار التاريخ وخاصة بعد ثورة 23 يوليو، لقد ولدتنا امهاتنا زعماء مهيأين للحكم ولا اقل من الزعامة، الجميع لا يقبل ان يكون وزيرا عند الاخر الجميع يريد ان يحكم.
دور المثقف
ما دور المثقف في الوقت الحالي ؟ وكيف تكون مشاركته فعاله في بناء مصر جديدة ؟
- اكتشفنا بعد قراءة ثورة 23 يوليو أنه بدون جماهير ليس لنا أمل في المستقبل، وأن المثقف اليوم يخاطب المثقف مثله، في غياب مشاركة الجماهير الحقيقية التي من حقها ان تلمس حالة التغيير التي صنعتها الثورة، ولدي قصيدة »الدايرة المقطوعة« كنت كتبتها من زمان باقول فيها:
إذا مش نازلين للناس ف بلاش
والزم بيتك
بيتك بيتك
وابلع صوتك
وافتكر اليوم ده
لإنه تاريخ موتي وموتك.
إذا مش نازلين للناس
فَ بلاش
مادام الدايرة ما كمّلاش
والحاجة ما تمّاش
وأصحاب الحاجة ما عارفاش
إيه المعني
وأي بطولة
فِ إن حياتنا
واحلي سنينَّا
يروحوا بلاش؟
حاجة ماراكباش!!
الله يخرب بيت الفكر
وبيت اليوم
اللي ورانا الفكر
لإن الفكر كتاب
و(عويضه)
حياته هباب وتراب.
عايش زمنه الكداب
زي العادة مرتاب!!
كنكة علي دِمْس
ونفَس مقطوع في الغاب
ماشبعناش عنه بُعد
وهوَّ ما شبعش غياب!!
(عويضه)
هناك في الأرض
في المدن الأُوَض
اللي نايمة علي بعض!!
وأقولك
إيه اللي قطع الدايرة يا أمير
وخلي مابين النبي والخلْق
الغربة وتقطيع المشاوير؟
إن انا وانت
بنلعب طول العمر دورين:
طليعة وجماهير.
و(عويضه)
بينفخ موت الدِّمس
والعالم نِمْس.
العالم..
سرقة وقلْع ولبس
و(عويضه) بقلبه الجبس
اللي معلِّمُه
إمتي ما يحسش
وامتي يحسّ
بيعدِّي في الأيام
جمل المراحيل.
زي ما عدَّاها
من أول ما اتخرط الكون
من أول ما طلع للدنيا
ووجد قبلُه فرعون!!
نفس الأيام
نفس النسخة
مطبوعةعلي كل الأعوام.
ماسمعشي بينا
ماسمعناش.
ما قابلناش.
ما اتكلمناش.
ولإن حمول الأيام مش محمولة
إذا يد (عويضة) ما ترفعهاش.
والقولة الحقَّة مش حقّة
إذا صدر (عويضة) ما طلَّعهاش
والخطوة حَ تفضل مشلولة
إذا قُدّامنا (عويضة) ما خطَّاش.
ولإن دي حاجة(عويضة) لسّه ما يدركهاش
ولا يدركناش ولا يعرفناش
ولإننا لما دبحنا بعض مناقشه
علي القهوة لاجل البشريه
(عويضة) ما سمعناش
تبقي الدايرة ما دايراش!!
واما ييجي المخبر
يسحبنا عَ الزنازين
لازم نبقي عارفين
إن السَّحبه ببلاش
وان الحدوته ما لافَّاش
ف الدايره ما تامَّاش
والدنيا ما حِلْواش
وان (عويضه)
لما قِبل الظلم ماماتْش
إحنا مُتنا
وهوَّ عاش!!
الحاجز أكبر من
كل الأحلام واسْمَك
من جهلي وجهلك
واسمي واسمك!!
مش حتعلمني أكتر ما اتعلمت
روح
علِّم أبو الواد والبت
اللي حَ يرميهم
في فرن الثوره
يطيبوا بُكره
واللي لحد الوقت
مايعرفشي إزاي يكتب
وازاي يقرا
وازاي يعشق
وازاي يكره
ولا عنده فكره
عنك.. أو عن بكره
ولا ليك ذكري
لا انا ولا انت
نجحنا فِ تغيير الفكره!!
الفاس يردم بذرة
المنجل يحصد سبلة
الشغل يجيب أجرة
وانت بعيد
بحكاية ما مفهوماش!!
بينَّنا وبينُه شعْرة
وأرقّ من الشعرة
ده اللي مفروض
ناسج علم الثورة
وصانع بكرة
واحنا شهدا
مع إننا ماحاولناش
حاجة ماراكْباش!!
هناك ناس من الثوريين يقولون أن الدايرة كاملة، وان لنا ناس فلاحين.. ولكنهم طلعوا كدابين. هناك اضطراب بين المثقفين وبين حال الوطن لا يوجد فصل حقيقي بين العمل في هذه الظروف وبين السياسة في هذه الظروف، علينا ان نحسم علاقتنا بالأدب او الابداع من جانب وبكوننا كائنات سياسية مهتمة ب "هم " الوطن لا نجعل احدهم يخدم علي الاخر لا نستغل الثورة في التخديم علي شهرتنا الخاصة وهي ملاحظة في معظم الحركة الثقافية، ان افضل فئة مثقفة هي التي تمارس الثقافة كوعي ثوري، لكن هؤلاء المثقفين الذين يعملون بالثقافة ويأكلون منها هم خطر حقيقي علي الثقافة بمن فيهم انا، مازال دور المثقف هو الدور الذي لم نقم به منذ امد بعيد وهو توعية الجماهير وتطويرها وقيادتها لا يمكن ان نعمل بالسياسة ونصر علي ان تظل قمصاننا نظيفة، لابد من النزول للواقع ولابد من خوض المعارك الجماهيرية وليس في المقاهي الليلية بعيدا عن الناس.
هناك شباب مثقف ولا نستمع اليهم ونعتقد اننا وحدنا المثقفون، الثورة ممكن ان تغير البشر الثورة اتاحت للكثير من شعراء الشباب وكذلك من كتب اغاني الثورة مثلا أغنية "صوت الحرية" او اغنية "نزلت وانا مش راجع "او اغنية "فلان الفلاني" في هذه الأغنية عمري ما تمنيت اكتب اغنية مثل ما تمنيت ان اكتب اغنية فلان الفلاني شاعرها وملحنها والذي غناها كلهم رائعون.. هذه نماذج جميلة من الشباب.
دور المبدعين من كتاب وشعراء وفنانين تشكيليين في تغيير الواقع؟
- اذا تواجد مناخ يشغل ارق هذه المجموعات سوف يؤدي الي ما كنا عليه في الستينيات، وكأن احداث الستينيات صارت اساطير !!! طالما كل فئة تحاول ان تحوز كل شئ، وتريد انت تكون هي الحاكمة لن يكون هناك تغيير حقيقي،لكن اتمني ان يخرج بلدنا من عنق الزجاجة وان يصبح بلدنا بلدا للجميع.
الابنودي.. والشباب
قبل ان يصيبني المرض كنت اجوب القري وأقيم الامسيات الشعرية وخاصة في معرض الكتاب حيث تواجد اعداد كبيرة من الجماهير كنت دائما اهدي جمهوري للشباب واهدي الشباب للجمهور ونجح منهم عدد كبير جدا أصبحوا علامات مميزة في الحياة الثقافية، وكنت اتمني دائما ان كل شاعر يقدم شاعرين او ثلاثة من يتوسم فيهم موهبة أو قدرة علي الاستمرار، وهكذا صار لي صداقات كثيرة من هؤلاء الشعراء الشباب، ولكن عاقني المرض الآن عن ان استمر في ممارسة هذا الدور ولذلك كانت ثورة 25 فرصة حقيقية أو معرضا امامك كل الشعراء الجدد والمغنين وأنا كنت من اسعد الناس بهؤلاء الشباب الذين صعدوا ليثروا القصيدة الثورية والغناء.
المثقف والسلطة
كيف تري العلاقة بين المثقف والسلطة؟
- المثقف بطبيعته مستريب في السلطة، حتي لو جاءت السلطة التي يحلم بها سوف يصبح هناك التناقض بين الطرفين، فالسلطة تستريب في المبدع والمبدع يستريب في السلطة، ودائما يخيل للمبدع ان النظام يتآمر علي حريته وهو هاجس دائم لدي المثقف ولذلك المعركة دائما بينهما عن الحرية.
بغض النظر عن نوع السلطة فإن هذه الظاهرة سوف تستمر دائما ليست في مصر وانما في العالم كله، لماذا ؟.. لان حلم المثقف يخالف حلم السياسي، السياسي لديه خطوات عملية لتحقيق ما يراه، أما نحن كمبدعين اساس ابداعنا هو الخيال تخيلي لعالم ليس موجودا، تخيلي لعالم ليس فاسدا ونحن في عالم فاسد، لعالم ليس مكبلا ونحن في عالم مكبل، لعالم ليس فيه ظلم ولا فقر ولا معاناه ونحن مجتمعنا يعج بالفقر والمعاناة والصراع مع الحياة، يعتقد الحاكم دائما أنه حقق للشعب الكثير ونحن مع الشعب انه حقق القليل، لان حياة الناس صعبة جدا ولذلك تحب الجماهير جمال عبد الناصر لانه اتخذ اجراءات حاسمة في التخلص من الطبقات المكتنزة بالمال وبالأراضي وبكل ما استنزف من الشعب واستردها مرة أخري ووزعها علي الشعب ولذلك لا يمكن أن يسب عبد الناصر في معاملة عامل او فلاح فقير فيما عدا ذلك تظل الاسترابه موجودة الي ان يحس الناس في الشارع والفقراء بالذات ان حياته تتغير ليس بالهبة ولا بالزكاة ولا بالمن ولا بالعمل الخيري والتبرعات ولكن بإقامة المشاريع في الزراعة والصناعة وأعمال تستوعب كل البطالة في مصر، الناس ليست في حاجة ان نقول لها حبي هذا النظام او اكرهي هذا النظام لان مقياسها الوحيد هو حياتها.دائما يحتاج الحاكم الي الاستماع الي اهل ثقته، ودائما سيظل مستريبا في المثقفين الغرباء لأننا نحن المبدعين جواسيس الشعب لدي الحكومة.. والحاكم يريد جواسيس الحاكم عند الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.