هل آن الأوان لكي يقف كل المصريين وقفة واحدة، لمواجهة ألد الأعداء الذين يتربصون بنا؟! هل آن الأوان لكي يحاسب كل واحد منا نفسه، ماذا قدم لبلاده من أجل مواجهة طوفان الزيادة السكانية الذي يبتلع كل شيء، ويساهم في زيادة وطأة المشاكل التي نعانيها، ويغلق »بالضبة والمفتاح« أي أمل لنا في غد أفضل!! مضحكات مبكيات أن نعرف جميعاً أسباب الداء الذي نعانيه، ورغم ذلك نكتفي بالدوران حول مشاكلنا، دون أي محاولة جادة لاقتحامها ومعرفة أسبابها الحقيقية. فحقيقة الزيادة السكانية وضرورة التصدي لمواجهتها، لم تعد نوعاً من الترف أو مجرد الأماني، ولكنها أصبحت ضرورة حتمية، وقبل أن نغرق جميعاً في طوفان لن ينجو منه أحد، ذلك أن الزيادة السكانية تمثل بحق الأساس لكل مشاكل مصر والمصريين. ومنذ تولي الرئيس مبارك مسئولية الحكم، احتلت قضية الزيادة السكانية جانباً كبيراً من اهتمامه، ولا يكاد خطاب أو مناسبة تمر دون التحذير من خطورة تلك الزيادة. ورغم تنفيذ العديد من البرامج والسياسات الخاصة بتنظيم الأسرة، إلا أنها لاتزال تصطدم بعقبات كثيرة، لعل أهمها وأخطرها هو الثقافة والمفاهيم الدينية الخاطئة. في بدايات القرن العشرين، كان عدد سكان مصر عشرة ملايين نسمة، وخلال خمسين عاما تضاعف هذا العدد ليصبح 02 مليونا عام 0591، غير ان مؤشر الزيادة أسرع في دورانه ليصبح عدد السكان 03 مليونا في عام 6691، ثم ارتفع إلي 04 مليونا عام 9791. وبعد ذلك حدثت الطفرة لتضيف لمصر 01 ملايين نسمة كل 8 سنوات ليصل العدد إلي 07 مليون نسمة عام 4002، ثم إلي ما يقرب من 08 مليونا هذا العام. كثيرا ما نقول أين نحن مما يحدث في العالم، وخاصة في الدول التي بدأت معنا في مشوار التنمية، ومثال صارخ لها هو كوريا الجنوبية. ففي عام 0691 بلغ عدد سكان كوريا 62 مليون نسمة، وهو نفس عدد السكان بمصر خلال هذا العام. وفي عام 6002 بلغ عدد سكان كوريا الجنوبية 84 مليون نسمة، أما نحن فحدث ولا حرج، فقد ارتفع عدد سكان مصر إلي 5.67 مليون نسمة. وبعد ذلك نسأل عن السبب في انهم صعدوا إلي السماء، بينما نحن نحاول جاهدين مجرد بدء التحليق، والذي تعوقه سحابات من الثقافة والتقاليد والفهم الخاطيء للأديان. في عام 2691 ألقي الرئيس جمال عبدالناصر خطابا، خصص نصفه للحديث عن الزيادة السكانية وضرورة تنظيم الأسرة، وتضمنت بنود ميثاق العمل الوطني ضرورة تنفيذ برنامج قومي للحد من الزيادة السكانية، وعندما كان عبدالناصر يلقي خطابه الذي يحمل جرس انذار بخطورة المشكلة، كان عدد سكان مصرنا المحروسة 82 مليون نسمة فقط! الاحصائيات تؤكد ان عدد سكان مصر سوف يصل إلي 59 مليون نسمة عام 7102، و021 مليون نسمة بحلول عام 0302، وذلك في حالة ثبوت معدلات الانجاب كما هي الآن. وتنبع المشكلة الأساسية في عدم التوازن بين هذه الأعداد وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسر عدم احساس معظم المصريين بثمار التنمية. لقد حققت مصر انجازات غير مسبوقة، تمثلت في زيادة الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات، وتم انفاق مليارات الجنيهات لاعادة بناء البنية الأساسية، وتم تطوير كافة الخدمات التي تقدم للمواطنين، غير أن شكوي الناس تتزايد دون أن نعي جميعاً أن السبب يرجع إلينا، وإلي الزيادة الكبيرة في عددنا. الكثافة السكانية في مصر تشير إلي وجود 0002 نسمة بالكيلو متر المربع، في حين تصل الكثافة في الصين إلي 009 نسمة فقط في الكيلو متر. والمعروف ان 48٪ من سكان مصر، يعيشون علي مساحة أقل من 6٪ من المساحة الاجمالية. كما يبرز أحد أوجه الخطورة في التوزيع العمري للسكان، وارتفاع معدلات الزواج المبكر، وبالتالي الانجاب المبكر بالنسبة للسيدات. وقد أكدت الدراسات ان ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، له صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث تبين ان الأسر الغنية هي الأكثر اقبالا علي تنظيم الأسرة والأقل انجابا للأطفال، في حين ترتفع الزيادة بين الأسر الفقيرة، والتي تعتمد علي أطفالها في زيادة دخلها، وذلك من خلال دفعهم لسوق العمل في سن صغيرة. الغريب ان تحسن الأوضاع الصحية بمصر، قد ساهم في زيادة حدة المشكلة السكانية، حيث حدث انخفاض كبير في نسبة الوفيات بين الأطفال، وحدثت زيادة كبيرة في متوسط الأعمار. ورغم كل الجهود التي تتم في مجال التوعية بأخطار الزيادة السكانية، إلا انها تصطدم بمفاهيم اجتماعية وثقافية متوارثة. فهناك معتقدات لدي كل الزوجات بالريف، تؤكد لهن أن زيادة عدد مواليدهن سيؤدي لتوثيق العلاقة الزوجية، وهناك اعتقاد لدي الرجال بأن زيادة عدد أطفالهم تعني مزيدا من القوة والعزوة. كما ترتبط زيادة المواليد بمشاركتهم في مزيد من الدخل، كما ان نوعية المواليد أدت بطريقة مباشرة لزيادة معدلات الانجاب، فلايزال الريف المصري يعتقد ان هناك مزايا عديدة لانجاب الذكور، وهو ما يؤدي إلي مزيد من الانجاب للسيدات اللائي ينجبن إناثا، بغية مجيء مولود ذكر. العلماء يحذرون من ان الزيادة السكانية بمعدلاتها الحالية، سوف تؤدي إلي انخفاض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، لينخفض من فدان لكل 9 مواطنين إلي فدان لكل 51 مواطنا. كما سينخفض نصيب المواطن من المياه إلي النصف تقريبا. كما ان الزيادة السكانية سوف تؤدي لزيادة البطالة، وانخفاض مستوي الأجور، وتدني مستوي القوة البشرية. كما يؤدي النمو السكاني لانخفاض معدلات الادخار والاستثمار، ذلك ان التزايد السكاني يؤثر سلبا علي عملية خلق التراكمات اللازمة للتنمية، بالاضافة لزيادة معدلات الاستهلاك. أين ثمار التنمية؟! لم يسأل أحد منا عن حقيقة عدم احساسنا المباشر بثمار التنمية، وما تم من اصلاحات اقتصادية؟! لم يسأل أحد منا عن السبب في ان مصر - ورغم كل ما حققته من اصلاحات اجتماعية - لاتزال تعيش بعض المشاكل المزمنة رغم ما تحقق لها من حلول، شكلت طفرات في تاريخ مصر. منذ أيام لعنّا جميعا الظلام، وأسرعنا بمعاول الهدم عندما انقطع التيار الكهربائي عن بعض الأحياء، نتيجة الاستهلاك المتزايد وارتفاع مستويات المعيشة، الذي أدي إلي نوع من الرفاهية في حياتنا، تمثلت في زيادة أعداد الأجهزة التي تعمل بالكهرباء، والتي تتواجد اليوم في بيوت كل المصريين، وبلا استثناء. ويكفي ان نعرف حقيقة واحدة كشفت عنها دراسات واقعية للقري الأكثر احتياجا، حيث لا يكاد يخلو بيت واحد فيها من وجود غسالة كهربائية، أو بوتاجاز، و04٪ من بيوتها توجد بها ثلاجة وأجهزة تليفزيون وراديو، و2٪ توجد بها أجهزة للتكييف. تناسينا جميعا عن حسن قصد في أحيان قليلة، وبسوء نية في معظم الأحيان، حقيقة الإنجاز الضخم الذي حدث في حجم انتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، والذي ارتفع بحجم الاستثمارات إلي 51 مليار جنيه سنويا، بالاضافة إلي ملياري دولار سنويا، يتم الحصول عليها علي شكل قروض من مؤسسات التمويل الدولية، وتقوم شركات الكهرباء بدفعها بالتقسيط، وكذلك 1.3 مليار جنيه تدفعها الحكومة سنويا لدعم الغاز المستخدم في محطات توليد الكهرباء، و3.4 مليار جنيه تقدم دعما مباشرا لأصحاب الدخل المحدود، رغم شكواهم الدائمة من ارتفاع الفواتير، متناسين حقيقة زيادة معدلات استهلاكهم. ويكفي أن نعرف أيضاً أن القدرة الكهربائية قد تضاعفت 55 مرة، عنها في عام 1981 حيث كانت لا تتجاوز 490 ميجاوات، ارتفعت إلي 27 ألف ميجاوات. وتؤكد الاحصائيات ان 6.32٪ من الأسر المصرية تستفيد من الدعم الكامل للكهرباء، وهم الذين تبلغ معدلات استهلاكهم 05 كيلووات، تقدم لهم بسعر 5 قروش. وهناك 9.04٪ من الأسر تستهلك في حدود من 15 وحتي 002 كيلووات ساعة، بسعر 11 قرشا للكيلووات. لقد أشارت الأرقام الموثقة والمؤكدة، ان المنازل تستهلك 93٪ من اجمالي الطاقة في مصر، بينما يستهلك القطاع الصناعي 33٪ فقط. تناسينا جميعا ان هناك 057 ألف جهاز تكييف جديد تدخل الخدمة في منازلنا كل عام، ليصل متوسط عدد الأجهزة إلي 4 ملايين جهاز، تتراوح معدلات تشغيلها من 3 5 ساعات في المتوسط يوميا!! وما يشكله ذلك من ضغط متزايد علي محطات وشبكات الكهرباء، مع الأخذ في الاعتبار ان الارتفاع الذي حدث في درجات الحرارة طوال الشهرين الماضيين، أدي لزيادة معدلات تشغيل أجهزة التكييف، لتصل إلي 01 51 ساعة في المتوسط لما يقرب من 2 مليون جهاز تكييف!! وبعد ذلك نلعن الظلام، ونلوم المتسببين فيه!! ولم يسأل أي واحد فينا عن حقيقة مشاركته في ارتكاب هذه الجريمة، التي تحمل بصماتنا علي »أزرار« ومقابض الكهرباء دليل اتهامنا فيها!! تناسينا جميعا حقيقة الجريمة التي نشارك فيها جميعاً، عندما نهمل حقيقة مشكلة الزيادة السكانية، ومدي ما تمثله من خطورة كبري في المستقبل القريب. ليس فقط في استهلاكنا من الكهرباء، ولكن في كل المشاكل التي نعانيها ونئن منها. الزيادة السكانية تشكل أساسا وسببا رئيسيا لحقيقة الازدحام المروري. تشكل أساسا لمشكلة انهيار الصرف الصحي، رغم عشرات المحطات التي تضاف للخدمة كل عام. تشكل مشكلة لمياه الشرب النقية التي تستقبل أفواها عطشي جديدة، يقدر عددها ب2.1 مليون نسمة كل عام. مشكلة الزيادة السكانية في أعداد طلاب المدارس،والذين يصل عددهم إلي 42 مليون طالب، تعجز المدارس عن استيعابهم رغم الطفرات الكبري التي شهدها التعليم، وأدت لمضاعفة أعداد المدارس الجديدة كل 3 سنوات. تناسينا حقيقة انضمام ما يقرب من 5 ملايين نسمة جدد، كل 5 أعوام لخريطة التشغيل، ورغم ذلك لانزال نئن بعض الشيء، ونشكو من البطالة ومن الاسعار. الزيادة السكانية هي أم المشاكل التي تعانيها مصر، وايجاد حلول لها، لم ولن يكون مسئولية حكومة تلهث من أجل تحقيق طموحات ومتطلبات مواطنيها، ولكنها مسئولية جماعية نشارك فيها جميعا، وقد بدأت مواردنا تضيق بتحقيقها يوما بعد يوم، وتجرنا إلي مستقبل يجعل من مقولة »العدد في الليمون« حقيقة نشكو ونئن ونتوجع منها. ولكن المشكلة تحتاج أيضاً إلي اجراءات حاسمة ورادعة من الحكومة، مثل رفع سن الزواج وربط الحوافز والعلاوات والاعفاءات الضريبية والتأمين الصحي والمعاشات بعدد الأبناء. الندوات والوعظ والارشاد لن تؤدي لأي نتائج إن لم نقرنها بحوافز ايجابية أو سلبية. ويمكن أن يمتد ذلك لقصر مجانية التعليم والعلاج علي الأسر التي تلتزم بطفلين فقط، ويمكن التوسع في مساهمة القطاع الخاص في تلك الاجراءات، من خلال الحوافز التي تقدم للعاملين، بالاضافة لضرورة إعادة التوزيع السكاني،والتوسع في الصحراء.