الصحافة القومية عاشت علي مدي ستين عاماً ضحية للاستبداد وسطوة الحكم العسكري بدءاً من الستينات عندما أراد عبدالناصر وجنرالاته اخضاعها للتخديم علي سياساته وتوجهاته فأصدر قانوناً بتأميمها وتبعيتها للاتحاد الاشتراكي ووظف ضباطاً من صفوفه كرؤساء تحرير ومجلس إدارة فانهارت الصحافة مهنياً ومالياً.! جاء السادات.. وبحكم كونه من الضباط الأحرار وسبق أن تولي رئاسة تحرير جريدة الجمهورية لفترة.. وأسند إليه عضوية مجلس إدارة أخبار اليوم لمرحلة أخري اكتسب خبرة في التعرف علي بعض رموز العمل الصحفي في المؤسسات القومية.. لهذا اختار رؤساء لها من أبنائها الأكثر خبرة وكفاءة وارتباطاً بالنظام.! بعدها أصدر تشريعاً بإنشاء مجلس الشوري.. وأعطي تبعية الصحافة له من خلال المجلس الأعلي للصحافة الذي يضم خليطاً من الصحفيين رؤساء التحرير وشخصيات عامة من الموالين للدولة ومعهم أعضاء من الشوري.! مسك الختام كان بعد تولي مبارك.. الذي احتفظ برجال السادات علي قمم المؤسسات الصحفية ثم أضاف إليهم مجموعة من أهل الثقة للأجهزة الأمنية والمخابراتية وهؤلاء استمروا معه أكثر من عشرين عاماً.. أغلقوا فيها أبواب الترقي الصحفي أمام الصف الثاني والثالث.. واستثمروا موارد صحفهم واغتنموا من أموالها.. وخرجوا مليونيرات يملكون ثروات لم يسألهم عنها قانون من أين لك هذا كما حدث مع باقي رموز وفلول عصر مبارك!. بعد الثورة اختارت المؤسسات الصحفية رؤساء تحرير ومجالس إدارة من أبنائها المشهود لهم بالكفاءة ونظافة اليد وطهارة السمعة.. حاولوا الابحار بصحفهم وسط أمواج الثورة الغاضبة.. والمطالبة بذبح المؤسسات القومية باعتبارها من توابع النظام المخلوع.! لم تتوقف حملة المطاردة لذبح الصحافة القومية واستمرار تبعيتها للدولة حيث أعادت حكومة الدكتور الجنزوري تشكيل المجلس الأعلي للصحافة.. من شخصيات أغلبها من صفوف وفلول النظام السابق وأوكلت إليه شئون الصحافة القومية رغم اعتراض الصحفيين علي اعادة إحياء هذا المجلس المرفوض بالإجماع لعدم جدواه وتبعيته للدولة من خلال مجلس الشوري الذي لم يتشكل في ذلك الوقت بالمخالفة للقانون.! مسك الختام جاء إلينا بعد انتخاب مجلس الشوري الجديد الذي تمسك بتلابيب الماضي وأراد أن يمارس نفس الدور الكريه الذي سبق وقام به رؤساء الشوري وآخرهم كان شيطان السلطة صفوت الشريف.. في إخضاع ترشيحات وتعيينات رؤساء مجالس تحرير وادارات الصحف القومية لاختيارهم وفقاً لحسابات سياسية وتقارير أمنية ورقابية لا نعلم من وراءها.! مجلس الشوري المطعون عليه بعدم الدستورية سارع بتشكيل لجنة من صحفيين خرجوا من الخدمة منذ سنوات طويلة ومن أساتذة إعلام وإداريين من بعض الجامعات والمؤسسات وأغلبهم أسماء غير معروفة.. ولا نعلم ما علاقتهم بالصحافة.. ليختاروا رؤساء التحرير ومجالس الإدارات في الصحف القومية المنكوبة بالتبعية لمن لا يعلمون!. السادة أعضاء مجلس الشوري منحوا أنفسهم حق ترشيح أعداد منهم في مجالس الإدارات والجمعيات العمومية من باب الرقابة واثبات التبعية.. وربما للفشخرة والوجاهة أيضا.! السادة أعضاء مجلس الشوري وجهوا الدعوي لمن يرغب في الترشح للمناصب الصحفية إلي التقدم بملف تاريخه المهني وأعماله إلي موظفي المجلس.. من باب الروتين.. وتعميق مبدأ التبعية.. وقطع جسور الاحترام المفقود.! الآن.. وبعد الثورة أصبح واضحاً لنا أن الصحف القومية لم تتحرر.. ولم تستقل عن سيطرة الدولة.. وتعليماتها واملاءاتها وأن هناك إصرارا علي إبقاء ديكور اسمه المجلس الأعلي للصحافة يضم العديد من فلول نظام الفساد اضافة إلي مجلس شوري ورث منصب الشيطان صفوت الشريف.. بتدخلاته وألاعيبه.. وأصبح يمارس أدواره في اللعب والتلاعب بمصير المؤسسات الصحفية القومية.. والتحكم في اختيار قياداتها.! الصحافة القومية لن تخرج من سوق النخاسة.. إلا باستقلالها عن الشوري ومجلسه الصحفي وتشكيل مجلس أعلي للصحافة من شيوخها وخبرائها وأعلامها المرشحين من أهل المهنة.. يتولون شئونها.. ويراقبون أموالها من خلال الجهاز المركزي للمحاسبات.. ويختارون رؤساء التحرير ومجالس الإدارات بترشيحات من أبنائهم.. بعيداً عن تقارير الأجهزة الأمنية والرقابية. وأسوة بالمجلس الأعلي للقضاء!.