السادات بعد 24 ساعة فقط من قيام ثورة يوليو وقبل أن يغادر الملك فاروق البلاد.. استمع المصريون لأول خطاب سياسي للرئيس محمد نجيب وذلك يوم 42 يوليو عبر الإذاعة المصرية. الخطاب لم يستغرق سوي ثلاث دقائق فقط وفيه قال اللواء نجيب: اخواتي أبناء وادي النيل: يسرني ان أتحدث إليكم بنفسي وذلك لأقضي علي ما ينشره خصومكم وخصوم الوطن من شائعات مغرضة حقيرة. لقد أعلنا من البداية أغراض حركتنا التي باركها الشعب من أول لحظة ذلك لأنكم لم تجدوا فيها غنما لشخص.. ولا كسبا لفرد.. بل اننا ننشد الاصلاح والتطهير في الجيش ومرافق البلاد ورفع لواء الدستور. لا تنصتوا للشائعات.. واتجها لله العلي القدير بقلوبكم.. وسيروا خلفنا للأمام.. إلي رفعة الجيش وعزة البلاد. أحلام مؤجلة ولكن ما أعلنه محمد نجيب من رغبته في الاصلاح.. وتطهير البلاد.. ورفع لواء الدستور.. عجز عن تحقيقه طوال سنوات حكمه التي امتدت لثلاثة سنوات.. وانتهت بعزله بعد خلاف مع مجلس قيادة الثورة.. وظلت هذه الأهداف التي أعلنها مجرد أحلام مؤجلة. يقول السادات في كتابه «البحث عن الذات» بعد شهرين فقط من الثورة.. وفي 9 سبتمبر 25.. كانت الصورة قد اتضحت أمامنا.. فقانون الاصلاح الزراعي مرفوض من رئيس الوزراء علي ماهر ومن الأحزاب.. وتطهير الأحزاب لم يكن إلا تطهيرا بالاسم فقط. إذن وكما يقول السادات «يجب علينا تولي السلطة وهذا فعلا ما كان». ومع تولي السلطة.. بعد الصراع عليها بين نجيب وعبدالناصر وأعضاء قيادة الثورة. وكانت الفترة ما بين 35 6591 فترة مليئة بالأحداث المهمة.. فقد ألغيت الأحزاب.. وتولي مجلس قيادة الثورة حكم البلاد.. وعزل الرئيس محمد نجيب.. وأطلق الإخوان المسلمين النار علي عبدالناصر.. وتم تأجيل إعلان الدستور لمدة ثلاث سنوات انتهت في 61 يناير 6591.. وبعدها بدأ التفكير في دستور جديد للبلاد. معركة البناء أما عبدالناصر.. فقد ألقي أول خطاب سياسي له بعد اختياره رئيسا للجمهورية لأول مرة عام 65. حدد عبدالناصر سياسته بقوله: «اخلاص لكم.. عمل من أجلكم.. تفان في خدمتكم». وأضاف: لابد أن ننتصر في معركة البناد الكبري لابد أن نعمل لتحقيق العدالة الاجتماعية لهذا الوطن.. فإذا أخطأنا فلن يكون الخطأ في المبادئ والأهداف فمن يعمل لابد أن يخطئ.. ولكن المهم ألا يكون الخطأ عن خداع وخيانة. علينا أن نتجه للمستقبل بثقة وإيمان وتضحية ونعمل علي تحقيق هذه الأهداف ونعمل علي تدعيمها. وأضاف: لابد أن نحقق الآمال والأهداف.. معركتنا هي البناء.. وإقامة عدالة اجتماعية لهذا البلد.. العدالة الاجتماعية التي كنا نحلم بها وكنا نتمناها. وقال: يجب أن نعمل حتي نقيم عدالة اجتماعية حقيقية أنا وحدي لا أستطيع أن أقيم هذا كله.. بل واجب علي كل مصري أن يتعاون في تحقيق أهداف الثورة. وختم عبدالناصر خطابه بقوله: ان مصر اليوم قد أعلنت إرادتها بعد ان أعلنت سياستها للعالم كله.. أعلنت ان المصريين صمموا علي أن يعبروا عن إرادتهم رغم المشقة ليبرزوا رعايتهم ويضربوا المثل للعالم علي تحمل المسئولية.. وعلي انه لابد من بناء مصر متماسكة قوية.. هذا هو سبيلنا.. وإلي الأمام. شهادة محايدة هل حقق عبدالناصر العدالة الاجتماعية وانتصر في معركة البناء الكبري؟ الإجابة شهادة محايدة لوزير الدولة البريطانية «انتوني ناتنج» الرجل الذي قدم استقالته من الحكومة احتجاجا علي العدوان الثلاثي. يقول ناتنج في كتابه «ناصر»: كان عبدالناصر رجلا فذا يضمن له ما أسهم به في تطور مصر مكانا بارزا في التاريخ.. فقد خلق احساسا بالكرامة والعزة الوطنية في شعب لم يعرف كثيرا غير المهانة والقمع طوال ألفي وخمسمائة عام. لقد أحالت إنجازاته أمة من الفلاحين المتخلفين المطحونين يحكمها طاغية أجنبي فاسد ويحتلها جيش أجنبي إلي مجتمع يضم مواطنين مستقلين لهم نصيب في أرضهم.. كما انه غرس بذور مجتمع صناعي حديث. ويضيف الوزير البريطاني قائلا: ان السد العالي الذي بناه ناصر قد زاد من الرقعة المزروعة بما يزيد علي مليون فدان. كما انه يفضل الاصلاح الزراعي أصبح الفلاحين فيمصر والذين لم يمتلكوا شيئا أصبحوا يمتلكون 57% من الأراضي. أما الصناعة فقد قطعت فيها مصر شوطا طويلا علي طريق أن تصبح دولة صناعية تنتج مصانعها سلسلة من المنتجات المتطورة مثل الثلاجات وأجهزة التليفزيون والجرارات وبلغت قيمة الانتاج الصناعي أربعة أضعاف ما كان عليه في فترة حكم عبدالناصر. كما اتسع نطاق التعليم بعد تطبيق سياسة التعلم المجاني وأصبح 4 ملايينطالب وانخفض نسبة الأمية وتم التوسع في التعليم الفني والصناعي والجامعي، وأصبحت مصر تعد ما تحتاج إليه من مهندسين وعلماء وفنيين ينعكس نجاحهم في شبكات الإذاعة والتليفزيون الحديثة للغاية التي تفوق من حيث الكيف ما يوجد لدي أية دولة عربية أخري. ويختم الوزير البريطاني شهادته بقوله: يرجع الفضل في كل هذا إلي إنجازات عبدالناصر نفسه الذي لولا حملته علي فساد نظام الحكم القديم ما كان يمكن تحقيق كل هذا. علي طريق عبدالناصر أما السادات فقد حدد عدة مبادئ لبناء مصر المستقبل بعد وفاة عبدالناصر في أول خطاب سياسي له. ففي تأثر بالغ بدأ السادات خطابه بقوله: جئت إليكم علي طريق عبدالناصر.. واعتبر ترشيحكم لي بتولي رئاسة الجمهورية هو توجيه بالسير علي طريق عبدالناصر. وأضاف السادات وهو يكاد يبكي: انني أضع في تفكيري قاعدة واحدة وهي ان ابدأ كل تصرف لي بسؤال محدد هو: ماذا كان يطلب مني عبدالناصر لو انه كان مازال بيننا؟ سكت السادات وبكي ثم قال: لو كان عبدالناصر حيا لقال لكم: «لا تحزنوا.. ولكن تحركوا.. لا تقفوا ولكن تقدموا.. لا تترددوا.. ولكن أكملوا الطريق». وحدد السادات 6 مطالب.. وكلها علي طريق عبدالناصر هي تحرير الأراضي المحتلة.. التمسك بسياسة عدم الانحياز.. الحفاظ علي المكاسب الاشتراكية.. علاقات مع دول الكتل الشرقية وأهمها الاتحاد السوفيتي.. وعلاقات عربية مع الدول الشقيقة. وختم السادات حديثه بقوله: مرة أخري.. ألتزم أمامكم بالسير علي خطي عبدالناصر. بالأستيكة ولكن السادات.. سار علي خط عبدالناصر بالأستيكة فبعد شهرين فقط أعلن السادا تكما يقول هو بنفسه رسم سياسيته الجديدة.. والتي بدأت أولا بابعاد جميع رجال عبدالناصر.. ثم إخراج السوفييت من مصر.. والانحياز الكامل للغرب.. والإيمان بأن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا.. ثم بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي والتي قضي بها علي جميع مكاسب يو ليو.. ودمر الصناعة المصرية وتحولت مصر من دولة منتجة إلي أكبر دولة مستهلكة. ولم يحقق من أحلام عبدالناصرسوي حرب أكتوبر فقط. الكفن ليس له جيوب أما أول خطاب للرئيس مبارك بعد اختياره رئيسا خلفا للسادات فقد قال فيه: «فلسفتي وأسلوبي في الحياة: جدية وطهارة.. لا هزل ولا تضليل.. لا افساد ولا اتجار بقوت الشعب.. لا عصمة لأحد من سيف القانون.. لا وساطة ولا شفاعة»، وأضاف مبارك: ان العمل العام ليس مغانم إنما عطاء وبذل.. فالكفن ليس له جيوب.. وان مصر لن تعيش إلا مستقرة.. ولن تبقي إلا مستقرة. وعن رؤيته الاقتصادية قال: ان سياسة الانفتاح الاقتصادي باقية.. وانه سيكون انفتاح انتاجي يحقق وفرة وجودة في الانتاج وفرص العمل. أما سياسته الخارجية: فأكد ان مصر مصممة علي المضي في طريق السلام.. وانه قائم علي كامب ديفيد ومعاهدة السلام.. وان مباحثات الحكم الذاتي سوف تستمر لوضع الفلسطنين علي الطريق وان علم مصر سيرتفع علي كل أراضي سيناء المقدسة وان أمريكا شريك كامل في كل خطوات السلام. وختم مبارك خطابه: سوف نمضي في طريقنا العظيم لا نتوقف ولا نتردد.. نبني ولا نخرب.. نحمي ولا نهدد.. نصون ولا نبدد.. وان البناء سيرتفع بوحدة الصف وطهارة القلب واليد. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية بعد 03 عاما من حكمه.. جاءت ثورة يناير لتؤكد بشعارها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. ما وصلت إليه مصر من تدهور في جميع مرافق الدولة. لقد أصبحت مصر كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه «مبارك وزمانه» (خرابة) وهو الوصف الذي قاله مبارك نفسه عندما سئل عن توريث جمال ابنه حكم مبارك، فقال: «وهل أورثه خرابة». ويعلق هيكل ساخرا ومن الذي جعلها خرابة بعد 03 عاما من الحكم. نحن نقرأ ونسمع عن حجم المليارات التي تم تهريبها ومصانع مصر التي تم بيعها.. والأراضي الزراعية التي تم تبويرها.. أو الصحراوية التي تم نهبها!! وعدد العاطلين الذي وصل إلي 21 مليونا لا يجدون فرص عمل.. وان 56% من الشعب المصري أصبح الآن تحت خط الفقر بشهادة الدول الأجنبية. عندما نعرف كل هذه الحقائق.. نعرف لماذا قامت ثورة يناير.. وكيف أصبحت مصر خرابة؟ توحيد الصفوف أما د. محمد مرسي أول رئيس منتخب بعد ثورة يناير فقد أكد في أول خطاب له: ان كل المصريين متساوون ولا مجال للغة الصدام والتخوين.. وانني علي المعاهدات والمواثيق الدولية.. وإن دماء الشهداء لن تضيع هدرا. وأضاف: ان مصر في حاجة إلي توحيد الصفوف وجمع الكلمة ولا مجال للتخوين والصدام.. وان قرار مصر من داخلها بإرادة أبناءها.. ولن نسمح لأحد بالتدخل في شئوننا الداخلية. وقال د. مرسي: انه سيتبني الشعارات التي حملتها ثورة يناير وهي: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. وانه خادم للشعب وأجير عند المواطنين. وأعينوني ما أقمت الحق والعدل فيكم.. وان لم أفعل لا طاعة لي عليكم. سأعمل جاهدا معكم وبكم للحفاظ علي أمن مصر القومي في كل أبعاده العربية والافريقية والاقليمية. ورددوا معي أيها الأحباب: «بإرادتنا وبحبنا لبعضنا البعض نستطيع أن نصنع المستقبل الكريم لنا جميعا قد لا يري البعض ذلك من خارج الوطن أو قد يستصعب علينا بنا ربما أو غير ذلك.. ولكننا إن شاء الله قادرون علي المضي بهذه المسيرة إلي غدا أفضل والله ولي التوفيق وهو الهادي إلي سواء السبيل.