ما الذي يمكن الآن أن يفعل الشعراء ؟! ليس إلا البكاء ! من قصيدة الشعراء يغادرون .. للشاعر الكبير فؤاد طمان؛ في منتصف ستينيات القرن اللي فات،كان شباب المثقفين في بلادنا عندهم ضمير مهني ووطني وانساني، وكانوا واخدين الدنيا جد، كنا بنتعلم من بعض ونعلم بعض، ونتناقش مع بعض، ونحاسب بعض علي اساس الكلمة اللي اتعلمناها من موريس توريز : «النقد والنقد الذاتي..هما خبزنا اليومي». وحصل ايامها ان واحد من أصدقاءنا وزملاءنا بدأ حياته بكتابة القصة القصيرة، وبعدين خدته الدراسات النقدية والترجمة، ونشر ترجمة جميلة لبعض أشعار «لوركا»، وكتب لها مقدمة نقدية قصيرة عن جماليات القصيدة عند لوركا، وكانت والحق يقال دراسة جيدة، لكنه قال في المقدمة دي جملة اعتبرناها جريمة أدبية، قال ما معناه ان انا مش ح أقدر أنقل لكم جمال هذه الأشعار في لغتها الأصلية، بشكل يوحي بانه ترجم عن الاسبانية اللي ما يعرفهاش ! أو علي الأقل طابق الترجمة الانجليزية اللي نقل عنها بالأصل الاسباني، ولأننا نحب هذا الزميل،ونحب كتاباته، ونعرف أنه ترجم عن الانجليزية، وانه ما بيعرفش اسباني، فالجملة دي أزعجتنا، وقررنا اننا نحاسبه حساب الملكين عن هذه الجملة اللي بتدي ايحاء يخالف الحقيقة، وبالفعل انعقدت الجلسة في «كافيه ريش»، وانتهت الجلسة باعتذار الزميل عن هذه الجملة الملتبسة. وأظن ان هذه الجلسة، كانت دافع للزميل ده إنه يحرص بعد كده علي الجدية مع الأمانة الأدبية، واستكمل دراسته العليا في جامعات انجلترا، واصبح الآن واحد من أهم نقاد الأدب في زماننا. ما اعرفش ليه الحكاية دي جت علي بالي، وانا باتفرج ع البرنامج الفضيحة اللي قدمه الاستاذ أحمد موسي، وشرح فيه ضربات روسيا لمعاقل الارهاب في سوريا، وهو بيستعين في شرحه ببرنامج لعبة من ألعاب الكمبيوتر، وكأنه رصد بالتصوير الجوي للضربات الروسية !!! فرق كبير بين المثقفين من أبناء رفاعة وطه حسين في الستينيات (وما أدراك ما الستينيات!)، وبين المثقفين من أبناء مبارك والعادلي، اللي بيحلموا يرجعوا مصر لعصر الاستبداد والفساد والتبعية. عن الضلمة والنور واحنا صغار، أو لما كان ينقطع التيار واحنا كبار، كنا نخاف م الضلمة. دلوقت لما تيجينا فاتورة الكهربا، أو نسمع فتاوي ياسر البرهامي، بقينا بنخاف م النور وحزب النور ! مع جنرال القهاوي المتقاعد أخدت معايا صديق اعلامي سوري معارض، وطنيته وعروبيته فوق مستوي الشبهات، ورحت لصاحبي جنرال القهاوي المتقاعد، وأول ما هلّينا ع القعدة قابلنا بسؤال : تعرف بوتين كانت شغلانته وتخصصه إيه في الكي جي بي ؟!، مارديتش، وقدمت له صديقي الاعلامي السوري، وقعدنا وانا باقول له : كان تخصصه ايه يا عم الجنرال ؟، قال وهو بيضحك: كان تخصص بوتين في الكي جي بي، قراية أفكار الخصوم والمنافسين لروسيا، قلت له بطريقة الحوار في الأفلام القديمة : واذن ؟!!، واندفع صاحبي جنرال القهاوي المتقاعد يقول : ما هو ده اللي مخلي روسيا تنزل بكل تقلها في المنطقة، قلت له: ازاي؟، قال : بوتين جه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي علي ايدين جورباتشوف ويلتسين، وقرأ أفكار ونوايا قادة النيوليبرالية في الغرب، سواء المعلنة أو الخفية، وعرف ان امريكا حاطة روسيا في دماغها، حتي بعد انهيار الكتلة اللي كانت بتقول انها اشتراكية، وعرف ان الرأسمالية اللي بلغت اقصي درجات توحشها، عايزه تفتت العالم كله لكيانات صغيرة وده يسهّل اخضاع الشعوب واستكمال نهبها، وعرف ان مشروع الشرق الأوسط الجديد من اهدافه حصار الصين وايران وروسيا، وإبعادهم عن المتوسط اللي كان قلب العالم القديم، وما زال قلب العالم في زماننا، ومن خلال قرايته دي، وبعد ما اتعافت روسيا من وقعتها، قرر انه ينزل بقوة للميدان، واللي يبص لخريطة الشرق الأوسط النهارده، ح يشوف صراع داير بين محورين واستراتيجيتين، محور النيوليبرالية اللي بيقوده ثلاثي أمريكا وأوربا واليابان، وحلفاؤه وأدواته في المنطقة زي اسرائيل وتركيا وبعض الدول العربية زي قطر والسعودية والأردن مع داعش وأخواتها، وده محور كانت استراتيجيته ولا تزال تهدف لإغراق المنطقة في سلسلة من النزاعات والحروب العرقية والطائفية والمذهبية، بشكل يضمن أمن اسرائيل للأبد، ويسهل اخضاع شعوب المنطقة ونهب ثرواتها. والمحور التاني اللي ابتدا يتشكل من روسيا وايران وسوريا والعراق وحركات المقاومة (وان شاء الله يكمل بمصر والجزائر)، ووراهم الصين وكتلة البريكس وكل شعوب الانسانية اللي بتحلم بالسلام والتقدم، واستراتيجية المحور ده زي ما يبان لنا يوم بعد يوم، هو الدفاع عن الدول الوطنية واسقاط سياسات التقسيم والتفتيت. ولقيت صاحبي الاعلامي السوري المعارض بيصرخ :يعني تا تضل سوريا موحّدة، لا بد نتجرع كأس السم ويضل نظام بشار السفاح بيحكمنا، وساد صمت عميق علي الجلسة للحظات، ورجع صاحبي جنرال القهاوي المتقاعد يقول : انا ما اظنش ان المحور الأولاني هو محور الشيطان زي الايرانيين ما بيقولوا، ولا المحور التاني محور ملايكة، والمحورين بتحركهم مصالحهم، وعندي تحفظات وانتقادات لا أول لها ولا آخر، علي بشار وبوتين وولاية الفقيه الايراني، وعارف ان روسيا مثلا موقفها من اسرائيل يختلف عن موقف المقاومة والشعوب العربية، بس رأيي ان انتصار المحور ده هو اللي ح يفتح الباب للحل السلمي لأزمات المنطقة في سوريا ولبنان واليمن وليبيا، ويمهد الطريق لشعوب المنطقة عشان تقرر مصيرها بنفسها وتختار حكامها. أوراق قديمة في ستينيات القرن اللي فات، كتبت قصيدتين في يوم وليلة، ورحت تاني يوم أعرضهم علي صديق عمري اللي كان ناقد يساري وزميل في التنظيم السري اللي كنت بانتمي له، كانت القصيدة الأولي مُغرقة في الذاتية، أرهقتني كتابتها، وحسيت بعد ما خلصتها اني حققت فيها أقصي ما استطيع من الصدق مع الذات ومع الوجود ومع فهمي لجوهر الشعر آنذاك، كان اسمها «المشنقة»، والقصيدة التانية كتبتها في اطار اللي كان بيقوله الناقد الروسي الستاليني «جدانوف» حول الواقعية الاشتراكية، وضرورة البشارة بانتصار الانسانية علي كل عوامل الضعف والقهر، وكان اسم القصيدة «الموت في برمهات»، وكانت القصيدة بتتكلم عن صياد فقير سايب مراته بتولد في البيت وما حيلتوش في بيته إلا حق خرجته ودفنته، وراح يصطاد في البحيرة في عز برمهات، لقي السمك المبطرخ هاجر عشان يفقس بيضُه في بحور بعيدة، ولقي الطيور البرية رجعت لبلادها، وبتنتهي القصيدة بصرخة ميلودرامية : أهلا بالابن اللي انا باحلم به بقي لي زمان، ضاع حق التابوت الخشبة وكفني الكتان !!! صاحبي الناقد اليساري سمع القصيدتين، وقطّعني علي قصيدة المشنقة : انت كده يا زميل وقعت في خية التفسخ البورجوازي، آدي آخرة عشقك وتأثراتك بالشاعر الرجعي ت.س.إليوت. وجه ع القصيدة التانية، وقال : هوه ده الشعر بقي، هوه ده صدق الذات مع الموضوع، والتعبيرالصارخ عن انتصار القيم الانسانية علي عوامل الموت والفناء. ولقيتني باخد القصيدة اللي عجبته، وباقول له وآدي القصيدة اللي عجبتك، وبدأت أقطعها وانطر قصاصاتها في الهوا وانا باقول له : الشعر اللي بيتكتب بقرار حسب وصفة سابقة مش شعر، الشعر الحقيقي هوه اللي انا باطارده جوايا وتتكشف لي ملامحه مع كل بيت لحد ما تخلص الشحنة العاطفية وتخلص القصيدة، وبعدها بكام يوم لقيتني باكتب القصيدة اللي ح اقدمها لكم النهاردة. السفر أدبحوا؟! لأ ح ادبح كفاية الوتر أبو الألم والنغم أدبحكوا؟! لأ دانتم كتار يا غجر كتار بعدّ الموج.. وأد الهرم وانا قُليّل أدّ سن القلم ونحيف كأني نحيب.. .. كأني ربيع ومليان شجر كأني شفة هلال يا ميت ندامه.. والهلال انتحر رمي نفسه فوق الصخر أبو الناب..وقال: «مات الهلال من قبل ما يصير قمر» وداع يا كلمة حب قالها الرباب وياكلمه لسه القلب ما غناهاش وداع يا رعاش بالكلام والصور يا معني في بحور العذاب عني غاب ويا باب..يا أصحاب.. يا قلم يا ورق وداع يا مركب غاب في جوف الضباب ما اقسي وداع لاحباب.. .. وما اقسي الغرق حمامة البنيّه صابها الخرس روحي المغنواتيه قدم جبان داسها جناحها انهرس ماتت غناوي فرحة البنيّة لا المسلمين صلواعلي قبرها ولا النصاري صلصلوا بالجرس.. ولا حوّطت علي جسمها المنهوك .. بنادق حرس يا ويل بلد بيضيّع المقتولين ويلكم.. وبصوا.. .. دمي فوق كفكم !!! ح يزفكم بالدم متجرسين دمي غناوي حمرا.. خنجر.. بكا وأنّة الريح لجلي.. بتلفكم يا ويل بلد.. ريحه أنين القمر من قبل ليلة النُّص ضاع وِلفكم ضاع الهلال.. انتحر وداع يا كلّ الغنا وداع يا ناس مطرح قلوبهم حجر حل القلوع يا ريس البحرين حلوة عيونك زاد يكفينا حلوة رموشك زي شراشيب شال زي الجناح لو شال.. وحط..وشال اطلقنا ويا الريح ورسّينا رسّينا علي بر ابتسامة العيال رسّينا يا ريس غناوينا علي بر غناوينا سيب البلد دي.. .. ناسها ناس شبعانين شبعوا بقِلة حبهم للغنا دكاكين.. وقفاطين يضحكوا بالعنا - ده عهد مين يا ريس البحرين وعهد رب الكعبة.. .. دول ما بيفهموا الأشعار وبيفتحوا الراديو ويتصنتوا ما يميزوا المزازيك من الأخبار سيبك يا شيخ دنا جبت من بلدي كلام المحار ومن قنا الفخار وجبت ملح رشيد.. نسيم بورسعيد جبت اللي جبته..من قريب أو بعيد جبت الكافور والحب، والحبهان ويا جسر يا مقطوع ومين يِوصلك ! وساع عيونهم.. .. إنما عميان وقلبهم حصالة مفتاحها ضاع وبيعرقوا الشغالة في الحصالة غريب يا قلبي.. يا غريب يانا بلدي بعيدة.. قريب أنا منها بلدي الغناوي فيها.. رمانة لكل ولفين حب رمانها وهناك صحاب.. ماعرفش أساميهم هنا صحاب بالإسم.. ما عرفتهمش مدّيت إيدين شماريخ ولا طلتهمش هنا الوشوش الصمغ بتلفني والصمغ موجه حويط.. .. قراره غويط يا ويل بيضيع المقتولين..! يا ويل بلد بتغني فيه وطاويط..! يونيه 1963