منذ أن عادت قناة السويس لأحضان مصر، لم تتوقف الأفكار لتحسين الخدمات وتطوير القناة وإعدادها لمرور السفن الأكبر حجما. لم تفعل مصر كما فعلت الشركة التي كانت تملك القرار قبل التأميم، حين توقفت لسنوات قبل التأميم عن أي جهود للتحديث، حتي تضع مصر في موقف صعب عند نهاية الامتياز الذي كان مقررا عام 1968 فتكون أمام خيارين: إما أن تتولي المسئولية في ظروف صعبة، وإما أن تمد الامتياز كما كان يخطط المنتفعون من المساهمين في الشركة بدعوي أن مصر لا تملك الأموال المطلوبة للتطوير ولا الخبرة لإدارة هذا المرفق العالمي.. وهو المخطط الذي تم إجهاضه بزلزال 1956 وقرار التأميم الذي غير مسار الأحداث ووجه التاريخ. قبل 67 كان هناك مشروع معد لمنطقة حرة شرق بورسعيد. بعد 73 كان هناك مشروع آخر بعد تعديل الدراسات، لكن «الفهلوة» التي تم اتباعها عند تحويل بورسعيد لمنطقة حرة أجهضت المشروع الأصلي. ورغم ذلك لم يتوقف الإيمان بضرورة الاستغلال الجيد لهذا الموقع العبقري، ولم يتوقف الحلم بتحويل المنطقة إلي مركز عالمي للتجارة والصناعة، ونقطة ارتكاز وقاطرة اقتصادية تقود التقدم في مصر. بعد ثورة يناير التقط «الاخوان» أو من يعملون لحسابهم الحلم ليحولوه إلي كابوس، وإلي جزء من مؤامرة تريد أن تعيد السيطرة الأجنبية علي القناة، وأن تجعل منها مرة أخري عازلا بين وادي النيل وشبه جزيرة سيناء وأن تترك القناة في قبضة القوي الأجنبية التي تريد تركيع مصر، وتحت تهديد عصابات الإرهاب التي كان حكم الاخوان يمهد لهم الأمر ليستبيحوا سيناء، وليقيموا فيها إمارتهم «الإسلامية» وليفتحوا الطريق لتضيع قضية فلسطين عن طريق ضم أجزاء من سيناء مع غزة.. تحت زعم أن الراية الإسلامية المزيفة التي ترفعها هذه العصابات لا تعرف معني للحدود، ولا قيمة للأوطان!! وكان رد الشعب المصري في مدن القناة عاصفا. وحين اضطر المعزول مرسي لإعلان الطوارئ هناك وفرض حظر التجول وكان التحدي صارخا. وحين نزل الجيش كان لابد أن يلتحم مع الشعب في مظاهرة حب لا يعرفها «الاخوان» لكن شعب القناة يعرفها جيدا بحكم الشراكة الوطنية طوال سنوات النضال. سقط الإخوان «وحكمهم الفاشي» وسقط معهم مشروعهم العميل بشأن القناة. وكان طبيعيا بعد 30 يونيو أن ينطلق المشروع الوطني الأصيل لتنمية القناة، وأن يكون الفرع الجديد للقناة هو البداية. وكان جمع 64 مليار جنيه من الشعب في أسبوع هو البشارة بأن النجاح قادم.. وبأيدي المصريين، وكدهم وعرقهم، وأموالهم، وتحت قيادتهم الوطنية. وها نحن نحتفل بانجازنا. لم نحفر فقط قناة للملاحة، بل استعدنا روح التحدي والثقة في النجاح وأكدنا قدرتنا علي قهر الصعاب وتحقيق المستحيل. إنها البداية لطريق صعب ولكنه رائع لبناء مصر التي نحلم بها والتي نعرف الآن وأكثر من أي وقت مضي أننا قادرون علي بنائها، ومستعدون لذلك. علي بركة الله نبدأ، ومعنا رعايته وتوفيقه، ومعنا إرادة شعب يعرف حين تتوفر له أقل الامكانيات - كيف يقهر الصعب ويصنع المستحيل.