اختتمت مقال الأسبوع الماضي بأن سألت كل من قرأ أن يدعو لي بالشفاء من المرض الخبيث الذي امتحنني به رب العباد..بعد نشر المقال تلقيت اتصالات من العديد من الزملاء والقراء الذين أشعروني كم لمحبة الناس وكلماتهم الطيبة الودودة من تأثير علي معنويات المريض بغض النظر عن كون المرض خفيفا أم شديدا. أعجبني تعليق الزميلة العزيزة والكاتبة المتميزة رجاء النمر بأن المقال علي حد وصفها ممتع وأنه شدها من أول لآخر كلمة ولكن أصعب ما فيه أن الشخص المصاب الذي هو محور المقال هو العبد الفقير إلي الله..التقطت الفاظ عنوان مقال هذا الأسبوع من طرف لسان أختي الحاجة سعاد والتي هي بمثابة الأم التي ربتني بعد أن غادرت أمي فاطمة رحمها الله وأدخلها فسيح جناته الحياة وأنا مازلت بعد صغيرا..أختي الحاجة سعاد عادة ما تجيبني كلما سألتها الدعاء بقولها يارب يا خويا يجعل دعاي من حظك ومن نصيبك..ولا أخفي عليكم كم أشعر براحة شديدة كلما سمعت أختي ترد علي بهذا التعليق. عن طريق البريد الالكتروني تلقيت رسالة من أحد القراء يروي لي فيها قصة والدته مع المرض وكيف أنها أجرت الجراحة التي ارتبطت بعملية تحويل عملية الإخراج، وكيف أنها وبعد سنتين من العملية تتلقي جلسات علاج كيماوي دون أن يحقق لها العلاج نتائج إيجابية..القارئ العزيز شفا الله والدته وعافاها من كل سوء طالبني أن أكتب له عن طبيعة العلاج الكيماوي الذي تلقيته..رددت عليه بأن كل حالة تختلف ظروفها عن الحالة الأخري، ولكني أرشدته علي اسم طبيب الأورام الذي يتابعني إذا ما أراد أن يستشيره ويعرض تطورات حالة والدته عليه. في اتصال تليفوني روي لي أحد القراء الذي قال إنه مصاب بسرطان المستقيم في مثل حالتي كيف أنه شعر بصدمة شديدة من تعليقات أحد الجراحين وهو يعرض عليه حالته فإذا به يقول بلهجة ملأها الفظاظة والشدة: «انت طبعا فاهم حالتك كويس من قبل أن تلقاني..وعارف إن الورم قريب من الشرج..يعني ما فيش غير الاستئصال وإجراء تحويل لعملية الإخراج «..لا تتخيل يا أستاذ رضا كم أصابني أسلوب هذا الجراح بالصدمة، حتي إنني خرجت من عيادته يائسا محطما لا أدري كيف قدت سيارتي حتي وصلت إلي المنزل في حلوان.. وعندما رأيت أولادي نظرت إليهم نظرة المودع للحياة ودخلت إلي سريري، لكني لم أذق في ليلتي هذه طعم النوم. قال لقد جاء مقالك بمثابة نافذة أمل فتحها الله لي.. وأخبرني أنه اتصل بالفعل بمستشفي الطبيب الجراح الذي أجريت عنده العملية ليعرض عليه صور التحاليل والأشعات ليسمع رأيه في حالته..وقد كنت صادقا كل الصدق مع الرجل الذي لجأ إلي وأخبرته بحالتي بعد العملية موضحا أنني مازلت بعد لم أبرأ تماما وأنني ما زلت أعاني من بعض تأثيرات العملية، فضلا عن أن العلاج الكيماوي الذي أتلقاه بعد العملية يزيد من معاناتي..أوضحت له بأنه وإن كانت العملية قد أجريت بدون تحويل عملية الإخراج إلا أنها لها معاناتها..قال كل شيء يمكن أن يحتمل إلا أن أري نفسي في الصورة التي يظهر بها المريض بعد التحويل..قلت له استخر الله ثم توكل عليه وهدأت من روعه قائلا إنه ليس علينا إلا أن نصبر ونحتسب معاناتنا عند الله عله سبحانه وتعالي يحدث بعد ذلك أمرا.. والحمد لله علي كل حال. .. وتبقي مصر في رأيي أن ما تعيشه بلادنا كل يوم من أحداث محزنة ليس نتاج ثورة يناير ولا يونيو لكنه نتاج عقود من الحكم الديكتاتوري التي سلمنا فيها زمام الأمور لحاكم فرد يفعل بنا وببلدنا ما يشاء طبقا لما تمليه عليه أهواؤه، وطبقا لما تفرضه مصالحه ومقتضيات الاستمرار علي كرسي الحكم أطول فترة ممكنة بغض النظر عما قد يصيب البلاد جراء فترة الحكم الطويلة من تدهور وتخلف، وهو الأمر الذي ضرب مصر في مقتل، حتي إنها صارت في ذيل الأمم بعد أن كانت تمد يد العون للمتخلفين حتي ينهضوا ويقفوا علي أرجلهم. وللأسف فإن كثيرا من أحوالنا حتي الآن يتشابه مع ما كانت البلاد عليه قبل يناير ويونيو..ويبدو أننا نستعذب أن نترك أمورنا في يد شخص واحد ثم ننام ونشخر معتقدين أن هذا الشخص هو السوبرمان الذي يستطيع أن يفعل كل شيء وأي شيء بعصاه السحرية وعبقريته الفذة..الغريب أنني أري رئيس الدولة نفسه يرفض هذا الفكر الذي عفا عليه الزمن، بدليل أنه كلما التقي بفئة من الفئات أو القوي المؤثرة في المجتمع يطالبهم بأن يتحرك كل منهم لتحقيق إنجاز في مجال تخصصه لأنه لا يستطيع أن يعمل بمفرده. ما طالب به الرئيس السيسي رجال القضاء في كلمته يوم تشييع جنازة الفقيد المستشار هشام بركات رحمة الله عليه من ضرورة تعديل القوانين التي تغل يد القضاء والتي صدر بعضها عام 1937 ومازال العمل ساريا بها حتي الآن رغم تغير أحوال الدنيا، لم يكن بحاجة أن يطالب به الرئيس ولم يكن رجال العدل بحاجة إلي انتظار توجيهات السيد الرئيس في هذا الشأن، بل كان من الواجب والضروري أن يبادروا بأنفسهم بتنقية القوانين المعطلة للعدالة ليس في مجال مكافحة الإرهاب فقط ولكن كل القوانين التي جعلت كثيرا من الناس ترفض اللجوء للقضاء وتفضل بدلا من ذلك أن يستردوا حقوقهم بأيديهم بدلا من انتظار العدالة البطيئة المميتة التي لا تأتي أحيانا أبدا.