حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقى نظيره بجمهورية الكونغو الديمقراطية    الفلبين تهدد بالتدخل لوقف تراجع العملة المحلية    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    مجاهد: الاستثمار في التعليم و تأهيل الكوادر البشرية اهم خطوات زيادة الصادرات الرقمية    تعزيز تكافؤ الفرص والخدمات الصحية المقدمة للمرأة.. ندوة في جامعة الوادي الجديد    إسبانيا تسحب سفيرها من الأرجنتين وسط خلاف بشأن تصريحات ميلي    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    بلينكن: نعمل على تحرير "الرهائن" والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة بمساعدة مصرية    بلينكن: إيران قريبة من تصنيع قنبلة نووية بسبب قرارنا "الأسوأ"    بديل كروس في ريال مدريد.. تغيير دور بيلينجهام.. و3 أسماء مقترحة    محمد صلاح ضمن ترشيحات تشكيل الدوري الإنجليزي المثالي    "هُدد بالإقالة مرتين وقد يصل إلى الحلم".. أرتيتا صانع انتفاضة أرسنال    وزارة النقل: معدية أبو غالب محرر لها 3 محاضر لإيقاف تشغيلها    الأمن العام يكشف غموض بيع 23 سيارة و6 مقطورات ب «أوراق مزورة»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    رئيس مكتبة الإسكندرية: إشادة وتقدير كبير بدور الرئيس السيسي تجاه القضية الفلسطينية    بقرار وزاري.. محمد ناصف نائبًا لرئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    كيت بلانشيت ترتدي فستان بألوان علم فلسطين في مهرجان كان.. والجمهور يعلق    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    المصل واللقاح: كورونا لم ينته.. ومتحور FLiRT لم يصل بعد إلى مصر    الكشف على 769 مواطنا بقافلة بقرية توفيق الحكيم في البحيرة    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    شرط مهم حتى تحل له.. طلق زوجته ويريد الزواج من أختها فما رأي الشرع؟    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    رئيس الوزراء يتابع موقف منظومة رد الأعباء التصديرية    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    والدة مبابي تلمح لانتقاله إلى ريال مدريد    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
لا تسأل عن اسمي .. اسألني عن نفسي وروحي !

« هل الصوت الذي سمعته كان صوتا من الأرض .. أم من السماء، هل هو صوت عذراء أم صوت ملاك؟! »
الاثنين:
تلقيت هذه الرسالة من صديق عزيز انقطعت الصلة بيني وبينه منذ أمد طويل، كنا طلابا معا في المدرسة الثانوية ثم في كلية الحقوق، وغداة تخرجنا ظللت علي ودي وصلتي به، ثم طوحت به الأقدار، فانقطعت الصلة بيننا ولكن ظل الود يشرب من ماء الماضي، فلا يضعفه انقطاع الصلة، ولكن يزيده ذكري عطرة، لأمسيات رقيقة عذبة طالما قضيناها علي شاطيء النيل، وفي شوارع القاهرة نجوبها وقت السحر، والناس نيام، ونور رقيق ينبعث من النجوم في السماء.
وكنت أعرف أخبار صديقي، وأتتبع خطواته في الحياة، كان النجاح يرافقه خطوة خطوة، والدنيا لا تتعثر معه، يعيش في هناء ورخاء، ثم كان أن تلقيت منه رسالة، وقرأتها مرة ومرة، وأحسست في كل مرة أنني أشد رغبة في تلاوتها، كانت العواطف المنبعثة من كل حرف فيها تجعل لها في قلبي هزة وحنينا، وطلب الصديق إلي أن أنشرها كما هي، وأخفي اسمه.. قال:
إني لم أتزوج حتي الآن، ولن أفعل حتي تجيء هي، ومع ذلك فقد فقدت الأمل منها، كان آخر العهد بها منذ خمس سنوات.. لم أرها.. هل تصدق؟ لست أعرف إذا كانت جميلة أو دميمة، ومع ذلك فإن روحها قد رسمت في خيالي صورة رائعة لها، أعيش معها ومن أجلها، وقد حاول أبي وحاولت أمي وحاول أصدقائي جميعا أن يحملوني علي الزواج، والتقيت بفتيات جميلات ساحرات ولكنني كنت أقارن بين الصورة التي أعيش معها وبين هؤلاء الفتيات فأجد الفرق شاسعا..
لعلك تقول: ما هذا الخلط.. بل إني أحيانا يعتريني الشك في حقيقة الصورة التي أعيش معها، هل توجد في الحياة؟ هل الصوت الذي سمعته، كان صوتا من الأرض أم من السماء؟ هل هو صوت عذراء تعيش كما يعيش الناس أم صوت ملاك هبط حينا ثم عاد إلي الملأ الأعلي؟ أليس هذا عذابا.. وهو عذاب أعيش فيه منذ خمس سنوات.. لم ينقطع تفكيري.. لم أنم ليلة إلا علي أهازيج لسانها العذب وتنغيمها الساحر.. ماذا أقول.. ولكن أي إنسان رأي ما رأيت، وقرأ ما قرأت، وسمع ما سمعت، وشمله من الإحساس، وفيض الشعور ما شملني لابد أن يفعل ما فعلت!!
بدأت القصة بدقة تليفون، وانتهت بدقة تليفون، حقا ما أعجبها من قصة، فقد فصل بين الوقتين عالم من الأسرار والأحلام.. كان فيه الحب والهناء والصبر والعذاب والرضي والابتسام.
من يقول إن المادة في الدنيا ضرورة مخطيء، فقد عشت أربع سنوات في فيض من الشعور والإلهام دون أن أدنس جسدي أو جسدها، ولعل خاطرينا قد أحسا أحيانا برغبة الجسد، ولكن روحينا ظلتا أبدا في صفاء البللور ونقاء الشعاع.
ماذا أقول لك يا صديقي، قضيت أربعة أعوام سعيدا وشقيا.. أسألها في نصف الليل، وصوتها الحنون الأخاذ يصل إلي أذني دون أن أسمع أو أري غيره، من أنت؟ فتقول أنا فتاة أحلامك.. ماذا يعنيك اسمي.. إن الغموض هو الجمال، إنني جميلة، بل جميلة جدا.. وأنا غنية ولا أكذبك في هذا، يحاول الكثيرون أن يغروني بالحب والزواج، ولكنني لا أفهم إلا أنت، لا أحب غير روحك، أتريد أن تحرمني منها.. لا تسأل عن اسمي.. أسألني عن نفسي.. عن روحي.. وهما أدني إليك مني، لقد رأيت صورتك.. إن هاتين العينين قد رأيتهما قبل أن أحدثك، قبل أن أعرفك.. أمجنونة أنا.. لست أدري.. ولكنني أقسم لك أنني رأيتهما!!
وأخذت أعيش يا صديقي، كانت آمالي ضيقة، وكانت الدنيا أمامي أشبه بالسجن، أخذت آمالي تنفسح والسجن ينقلب إلي حديقة غناء تغرد فيها البلابل الصغيرة، لم أكن آراها، ولكني كنت أسمع صوتها وتنغيمها الساحر، يا للأمسيات البديعة التي تمتد إلي انبثاق الفجر وبزوغ الشمس، وأنا أسمع صوتها، تسألني أن أقرأ لها فاقرأ، تسألني أن أكتب من أجلها فأكتب.. كانت تقول إنني أحس أنني لك.. ستعرفني يوما من الأيام.. ساعة من الساعات، وسيكون قاسيا علي أن أرفع النقاب، فإن هذا الغموض الحلو هو حلمي وأملي، أغمض عيني فأري وجهك وأسمع صوتك.. أستعيد كل ما قلت.. إنني أعيش في أحلام، ولكنها أعذب عندي من الحقائق!
يا صديقي كنت أرجو من الحياة أن يبقي هذا الحلم، إلي أن أقضي الحياة كلها، تمنيت لو عاش معي الصوت والروح وحدهما.. كانا غذاء وكساء وهناء ورخاء، ولكن وا آسفاه، منذ خمس سنوات قبل هذا اليوم قالت سأسافر إلي لبنان وأقضي الصيف مع أبي، وسأكتب لك.. أذكرني ولا تنساني.
كان آخر العهد بها يا صديقي، لم تكتب ولم تعد.. بل لعلها لم تسافر، من يدري، كل ما أدريه أنها منذ هذا اليوم لم تتحدث لي، ولم أعرف مصيرها، هل هي حية ترزق؟ هل تزوجت؟ هل سافرت إلي بلد ناء ولم تعد، هل عادت وانطفأت في قلبها شمعة الروح التي ألهبتها؟
يا صديقي.. هل أنا مجنون؟ قد أكون؟ هل هي مجنونة؟ قد تكون؟ ولكن الذي لا أرتاب فيه أنني عشت وإياها أحلي ساعات العمر، ولا تزال ذكراها تعطر فؤادي وقلبي بأحلي ما في الوجود من نسمات!
لقد احترت حين قرأت هذه الرسالة ولو لم أكن أعهد في صديقي قول الحق لارتبت فيما كتب، ولكن الدنيا فيها الحلم والحقيقة، فيها المألوف والغريب!!
شطحات عقل!
الثلاثاء:
ما سر العام الجديد؟
من يدري إنه غيب محجوب نسأله الرحمة والبهجة ونسأل الله العزاء والسلام، أيام تمر، لا فرق بينها في حساب الطبيعة وحساب الأزل والابد، ولكن الفرق بينها قائم في نفوسنا وحياتنا ومصايرنا، نسميها ونصفها ونرقمها ونؤرخها ونرصدها، فيها تحسب أعمارنا، وأرزاقنا وأمانينا وآلامنا.
اختراع عجيب، هذا التاريخ بالايام والسنوات والشهور!، ماذا لو لم يكن الزمن والتاريخ والأزل والابد! ماذا لو دخلنا الدنيا وخرجنا منها دون تواريخ وأعمار وذكريات؟ ماذا لو لم يكن لنا ماض ولا حاضر ولا مستقبل، وكنا كالزهور البرية والحشائش النامية في السفوح والتلال والنجاد، نحيا ونزدهر ونشيخ ونموت ونتجدد كسائر الكائنات من غير كتب ولا أفكار ولا دموع ولا تراث ولا ميراث!
ماذا يا رب! انها شطحات عقل ضل في ملكوتك، وتجمعه إلي رحابك الكريم نفس شقت، قرأت في جهالتها عظمتك، وأحست في ضآلتها هيبتك... ماذا يا رب؟ مزيداً من فيضك يرحمنا من أضاليل عقل يظن أنه أدرك كل شيء وهو لم يدرك من الكون أي شيء.
علي باب عام جديد، نطرق بقلوب واجفة لا تعرف من أسراره سراً واحداً.
هل هو قدر مكتوب، وليس علينا إلا أن ننزع أوراق أيامه ورقة ورقة، أم نحن الذين نصنعه؟ هل هو جبر أم اختيار؟ هل هو مسطور منذ الأزل ونحن لعبة القدر؟ هل إرادتنا هي التي تكتبه أم نحن نكتب بإرادة القدر؟
نزعت الورقة الأخيرة من السنة الذاهبة وكأنها شيخ يدب علي عصاه.. رويدك يا صاحبي، لقد استودعتك كما من ذكريات، أتراك ترعاها بعين حانية وصدر فيه الوفاء للماضي، أم تراك تدفنها في صدر لا يعرف الوفاء؟
رويدك يا صاحبي، إنها قطعة مني!
من فقي إلي أفندي!
الخميس:
كان صاحبنا العازب يجلس في المقهي والساعة قد جاوزت العاشرة مساء، وبعد أن شرب القهوة والشاي وأخذ نفسين من الشيشة، استأذن في الانصراف وهو أشد ما يكون سخطاً علي هؤلاء الناس الذين فسدت أخلاقهم، وكان أكثر ما يغيظه هؤلاء الشباب الذين يعاكسون الفتيات بألفاظ الغزل الجارحة في الشوارع.
وعند ملتقي شارع قصر العيني بشارع مجلس النواب لمح صاحبنا فتاة صغيرة واقفة في حيرة وقلق وانتظار..
وقبل أن يصل صاحبنا إليها أخذ يصلح من هندامه.. ومن ربطة عنقه، فهو حديث العهد بالبدلة الافرنجي.. فقد كان قبل ذلك شيخاً معمماً، يساعد والده في قراءة القرآن في المواسم والاعياد الدينية، ثم نزح إلي المدينة وتخلص نهائياً من الجبة والقفطان والعمامة..
ومهما بذل من محاولات لتحسين مظهره فإن الجاكتة بقيت علي غير نظام، وبنطلونه يجر علي الأرض كأنه ذيل الجبة!!
ومر علي الفتاة في تؤدة ورفق كأنه شاب أسبور لم يعرف العمامة.. وهي أيضاً لم تعرفه وقال: مساء الخير ياهانم.. فلم ترد.. وقال مرة أخري: مساء الخير يا روحي.. قالت في غيظ: روح جتك داهية!!
ولم ييأس صاحبنا فهو قد عرف من ملك غزاة القلوب رودلف فالنتينو أنه يجب ألا يستسلم أبداً لأية امرأة تحاول صده حتي يوقعها في شباكه.. قال في برود: تاكسي يا روحي؟ قالت: طلعت روحك.. امشي من قدامي روح في داهية.. قال: ومع ذلك أنا مش زعلان.. تاكسي يا روحي.. صاحت في وجهه: إنت باين عليك فقي!!
وأخذها صاحبنا في جنابه، وانصرف، وتبين له في هذه اللحظة أن مذهب رودلف فالنتينو لم ينجح مع هذه الفتاة!!
وفي البيت وأمام المرأة وقف صاحبنا يشاهد جماله ذهاباً وجيئة، ويحدث نفسه في دهشة: كيف عرفت هذه الشيطانة أنه كان «فقياً» وأنه كان يلبس العمامة، وأكد في نفسه أنه لولا ذكاء هؤلاء البنات الشياطين، لاستطاع أن يجد لجماله وجاذبيته سوقاً غير هذه السوق.. ولو أن قوامه كان معدولاً قليلاً، ومناخيره أصغر قليلاً، وعينيه أوسع قليلاً، ووجهه أبيض قليلاً لضرب فالنتينو علي ناصية أم رأسه!!
موظف مستهتر !
الجمعة:
كان الموظف منهمكا في حديث تليفوني، وتكاثر المواطنون أصحاب المصالح حوله، وهو لا يلتفت إليهم، ولا يكف عن الحديث المثير المرح.. وكل منهم في يده ورقة تحتاج إلي إمضاء منه.. مجرد إمضاء، وتململ الواقفون، وأبدي بعضهم بعض كلمات الاستياء والاحتجاج، وأحس حضرة الموظف بهذا الاستياء والضيق، فترك السماعة دون أن يقفل السكة، واكتسي وجهه بالصرامة: أنا مشغول.. حا أقطع نفسي يعني.. وانكمش الواقفون، ونفوا أنهم مستاؤون أو متضايقون، وأكدوا له أن يستمر في عمله، ودعوا له قائلين في نفس واحد تقريبا: الله يعينك..
وعاد الموظف إلي إكمال حديثه: أيوه يا سعادة البيه.. المسألة اللي وصتني عليها في بالي، يومين بس وتكون خلصت.. وحكاية الدرجات تم فيها إيه.. البركة في سعادتك.. أنا والله العظيم باشتغل أكثر من 12 ساعة في اليوم.
وما كاد يضع السماعة حتي دق الجرس مرة أخري: أيوه يا سوسو.. حجزت تذاكر المسرح.. متحمليش هم!!
وفي سرعة البرق جمع الأوراق من الواقفين وقال لهم: تعالوا بكرة يكون كل شيء جاهز.. أنتو شايفين الواحد مش عارف يعمل إيه وإلا إيه.. ناقص أقطع نفسي!!
أريد أن أرقص !
السبت:
هي: دعنا نذهب إلي أحد الملاهي الليلية لنرقص..
هو: أنت تعرفين أنني أكره هذه الأماكن..
هي: إذن سأذهب مع صديقاتي..
هو: ومن ستراقصين!!
هي: أي رجل يطلبني للرقص!!
هو: وأنا.. ماذا أكون.. طرطور!!
هي: أنت لن تكون معي، فماذا يغضبك؟ ولماذا تنعت نفسك بهذه الصفة، أنا سيئة الحظ!
هو: لا أعرف من منا سييء الحظ.. أنا أم أنت؟
هي: هل تثق بي أم لا؟
هو: الذي يحب من الصعب عليه أن يثق..
هي: ولكن الثقة أساس الحب..
هو: أنا أحبك بجنون.. وأغار عليك من النسيم الذي يلفح وجهك..
هي: إذن.. لماذا لا تحاول أن تسعدني؟
هو: وهل السعادة هي الرقص؟
هي: ما دمت أحبه، فما الضرر في ذلك!!
هو: واسمي وسمعتي.. أليس لهما حساب عندك؟
هي: وهل مراقصتك لرجل غريب شيء عادي؟
هو: أنسيت أنك أم لثلاثة أطفال، أكبرهم قد جاوز الحادية عشرة!!
هي: وهنا دخل الأولاد؟
هو: ماذا يكون شعورهم إذا عرفوا أن أمهم راقصت رجلا غير والدهم؟
هي: لن يقولوا شيئا.. أتريدهم أن ينشأوا رجعيين مثلك؟
هو: لقد بدأت أشك في سلامة عقلك!!
هي: هل حب الرقص قلة عقل؟
هو: إنه جنون.. ومجون أيضا..
هي: هذا رأيك أنت!
هو: ورأي كل إنسان عاقل ومحترم..
هي: إذن.. أنا في نظرك مجنونة وغير محترمة!!
وهنا تدخل ابنها الأكبر واقترب منها وقال لها في صوت يبدو من نبراته العتاب: ليه يا ماما عايزة تخرجي لوحدك، بكره لما أكبر أبقي أخرج معاك ونرقص سوي، بس علشان خاطري متزعليش بابا.
ولم تتمالك الأم عواطفها، فأخذت طفلها بين أحضانها، وطبعت علي جبينه قبلة أودعتها كل ما في قلبها من حب وحنان، والدموع تنساب علي خديها وهي تقول له: حاضر يا حبيبي، أنا عمري ما حأزعل بابا، ومش هأرقص أبدا غير معاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.