«المشكلة أن كثيرين لاينتبهون للرسائل المتكررة التي تصل إليه، كلها رسائل تقول إن الدور قادم إليك فانتهز الفرصة الآن وعد إلي ربك..» نحن جميعاً.. أنا وأنت وهم مثل الطلاب سنتخرج من الدنيا كما يتخرج الطالب من المدرسة، والذي استعد وتهيأ وبذل الجهد سيدخل الجامعة أو الجنة، والذي أهمل وتكاسل ومنّي النفس بالأماني ولم يستعد لا يلومن إلا نفسه.. لأن الناس في النهاية فريقان لا ثالث لهما: فريق في الجنة.. وفريق في السعير.. فأين تريد؟. والسؤال المهم: ما المطلوب حتي ندخل الجنة؟.. وهو سؤال العمر كله.. فنحن لن ندخل الجنة بالصدفة ولا بحسن الظن فقط دون اجتهاد وعمل ومن المهم ونحن نلهث ونجري لتحصيل أشياء الدنيا أن نتوقف مع أنفسنا لحظة ونراجع ما نقوم به قبل أن تنتهي مهلة الحياة ونخرج منها دون تحقيق الغاية المطلوبة.. فقد دخلنا هذه الحياة مقهورين ودون طلب وسنخرج منها مقهورين أيضاً، وما بين القهرين سنواجه مجبرين أحداثاً مفروضة علينا دون أن تكون لنا أي قدرة علي تعديلها أو تغييرها فما أصابك ما كان يخطئك وما أخطأك ما كان يصيبك، اختيارك الوحيد هو في كيفية تعاملك مع هذه الأحداث شكر.. أم صبر.. أم نقد، وهذا هو الاختبار والاجتباء من الله لك، وحتي تنجح في الاختبار أعطاك الله منهجاً تتعامل به مع كل الأحداث وأرسل الرسل ليعرفوا الناس في زمانهم وفي كل الأزمان بعدهم كيف يعيشون بهذا المنهج علي مراد الله منهم فيحلون حلاله ويحرمون حرامه. «وإما يأتينكم مني هدي، فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقي».. إذن فالطريق الوحيد لدخول الجنة والحصول علي رضا الله، هو أن نعيش علي الهدي فلا نضل في الدنيا ولا نشقي في الآخرة. مشكلتنا الحقيقية أننا مشغولين نصحو كل يوم علي مائة مشكلة وطلب والتزام وواجبات.. وكلها مهمة أو نراها كذلك ولا فكاك من تلبية هذه الالتزامات كلها بحذافيرها نستهلك فيها العمر دقيقة بدقيقة ويوماً بعد يوم حتي تنتهي المهلة ونحن مازلنا مشغولون، ونقف أمام الله للحساب فنكتشف وقتها أننا ارتكبنا كارثة في حق أنفسنا، فقد شغلتنا أموالنا وأهلنا عن طاعة الله علي مراد الله أي بطريقة رسوله صلي الله عليه وسلم وهو أحب الخلق لله وأشرف الخلق عند الله وهو الأسوة الحسنة الذي قال فيه «وإن تطيعوه تهتدوا». وفض الاشتباك والخروج من تلابيس الشيطان الذي يصور لنا أنه من المستحيل بحياتنا المعاصرة أن نتبع الرسول صلي الله عليه وسلم ويقنعنا بأنه عاش في زمن انقضي وانقطعت الصلة به، يكمن في الإيمان والاعتقاد بأنه لا تعارض بين حياتنا والالتزام بما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم ودعوة الناس لنفس ما كان يدعوهم إليه وهو التعرف علي الله وعبادته والمداومة علي شكره وذكره.. فهناك طريق وضعه رب العرش للبشر.. وطريق ثان وضعه البشر للبشر.. ولكل طريق نهاية، الأول يقود إلي الجنة، والثاني يقود إلي الهلاك.. وسعي الشيطان وكدّه وجهده هو أن يقنعك بأن الطريق الثاني هو طريق الفائزين وأن جهدك القليل في أداء العبادات «علي صورتها الحالية» يكفي ويزيد لتدخل الجنة وبأن الأمر أكثر من ذلك لا يستحق العناء.. فتنام وأنت مطمئن وراض وتكتفي بما قدمت للدين وتستمر في توجيه كل اهتمامك وشغلك ورعايتك لدنياك فتحبها وتحب ما فيها وتنسي حياة النبي حبيبك ورسالته ودعوته وتتصور أن «مالكش دعوة» في نصرة دين ربك.. نعم هذه هي المشكلة، لأن من عاش علي شيء مات عليه ومن مات علي شيء بُعث عليه، وبعد الموت يسألك الملك السؤال الأول: من ربك؟ والإجابة أن ربك هو ما كان يشغلك في الدنيا.. فبماذا أنت مشغول الآن؟.. لو أنك مشغول بالله ورسوله ستأتي الإجابة الصحيحة. ولو أنك مشغول بالشغل والبيت والأولاد والفلوس والنفوذ ستأتي الإجابة الخطأ حيث لا فرصة للتصحيح أو التغيير.. وأفضل ما يفعله الإنسان الآن أن يصحح ويقف مع نفسه لحظة ليقلل من أشياء.. ويزيد من أشياء ويلغي من حياته أشياء ويضع في حياته ولو قسراً أشياء أخري.