إلا أنهم وفي غمرة هذا النجاح أثاروا نقطة هامة وهي أن لديهم مؤشرات تدل علي أنه بقدر ما لهذه التكنولوجيا من قدرات إيجابية بقدر ما لها من سلبيات وأن مخاطرها قد تضارع فوائدها تنمو المجتمعات من خلال عملية تغيير مستمرة تدفعها قوي محركة تختلف في طبيعتها من وقت لآخر, وفي وقتنا الحالي نجد أن القوة المحركة التي تدفع عجلة التنمية هي بلا شك الإنجازات المبهرة في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصال, وهي ببساطة شديدة تكنولوجيا نجح العلماء بواسطتها في ربط عالم المعلومات والمعرفة بنظم ووسائل الاتصال الإليكترونية في منظومة واحدة فاكتسبت بذلك قدرات هائلة جعلتها قوة غير عادية أحدثت تغييرات جذرية في الأنشطة الإنسانية علي اختلافها. وأصبحنا نعيش اليوم في «بيئة معلوماتية» لا تقل شأناً عن البيئة الطبيعية, بيئة مداها الفضاء اللانهائي الذي يطلق عليه الآن «الفضاء المعلوماتي», ونشأ مجتمع يسمي «مجتمع المعلوماتية» يعيش في عالم افتراضي وسيلة الاتصال بين أفراده هي الآلة أي الحاسبات الإليكترونية (الكمبيوتر) عبر الكلمة والصورة, وكانت المحاولات الأولي لتحميل المعلومات علي الكمبيوتر كجهاز اتصال, تجري في كليات المكتبات في بعض الجامعات. تلقيت في الثمانينيات دعوة من كلية المكتبات في جامعة بتسبرج والتي تغيَّر اسمها في ذلك الوقت إلي كلية علم المعلومات «School of Information Science» لحضور مؤتمر علمي أبدي فيه العلماء ممن كان لهم فضل الوصول إلي هذه التكنولوجيا سعادتهم وفخرهم بجهودهم التي أصبحت علماً ، إلا أنهم وفي غمرة هذا النجاح أثاروا نقطة هامة وهي أن لديهم مؤشرات تدل علي أنه بقدر ما لهذه التكنولوجيا من قدرات إيجابية بقدر ما لها من سلبيات وأن مخاطرها قد تضارع فوائدها, وطرحوا عدداً من هذه السلبيات المتوقعة, منها أن هناك إمكانية انتهاك واختراق أي معلومات مادامت محمَّلة علي الشبكة الدولية, وهو ما له تداعيات خطيرة أهمها هو تآكل الخصوصية والسرية, فسوف تصبح المعلومات متاحة لأي فرد له القدرة ومستوي المعرفة التي تمكنه من اختراقها حتي ولو كانت مؤمنة وليس هذا فقط بل يمكن العبث بها بالإضافة أو الحذف أو التشويه أو استخدامها دون إذن صاحبها أي سرقتها وغير ذلك من مخاطر وبنص كلمتهم «لا يمكننا تخيلها», وهو ما حدث وفعلاً فاق ما كانوا يتخيلونه. فبيانات المرضي في المستشفيات والبحوث العلمية والمعلومات الصحفية وأسرار التجارة الإليكترونية وغير ذلك من المعلومات في الإمكان اختراقها ولن تنجو من ذلك بيانات الدولة, مثل بيانات توزيع الطاقة والمياه وغير ذلك من الخدمات التي تنظم ويتم التحكم فيها إليكترونياً. ولا تقتصر هذه المخاطر علي المستوي الوطني بل قد تمتد إلي ممارسات ضد الدول وترتفع سقف هذه العمليات الإرهابية لتصل إلي ما يوصف بأنه «حرب الفضاء» «Cyber War», ويوصف القائمين عليها «بالميليشيات الإليكترونية» التي تستخدم الأسلحة المعلوماتية «Information Weapons», وبذلك أصبحت ممارسات سوء استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تشكِّل جرائم في العالم الافتراضي تختلف في صورها عن الجرائم التقليدية وهو ما يشكِّل بالتالي خطورة من نوع جديد تماماً وتهديد للاستقرار والأمن الوطني والدولي. أثارت هذه السلبيات ضمير المجتمع الدولي وتمت مناقشة الموضوع في العديد من المحافل الدولية والوطنية وأصبح جلياً ضرورة مواجهتها فكان أن صدر قرار الأممالمتحدة في النصف الثاني من الثمانينيات مطالباً الدول الأعضاء بأن تأخذ مخاطر سوء استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاعتبار وتواجه جرائم الإرهاب المعلوماتي «Information Terrorism» بسن قوانين ووضع سياسات وإجراءات تتصدي لهذه الممارسات خاصة تلك التي تهدد الأمن الإنساني, وفعلاً استجابت لذلك العديد من الدول.. أتضح بمرور الوقت أن القوانين وحدها لا تكفي وبدا أنها غير رادعة لمجتمع العالم الافتراضي .. وخرجت قرارات وإعلانات من العديد من المحافل الدولية تطالب بالالتزام بمنظومة أخلاقية تحول دون أن تسبب هذه التكنولوجيا أي إضرار بالعلاقات الإنسانية أو تجاوز للقيم الأخلاقية, وكان أن أنشأت منظمة الأممالمتحدة للعلوم والثقافة «اليونسكو» لجنة دولية لأخلاقيات المعرفة العلمية والتكنولوجيا تضع المسئولية الأخلاقية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أولوية الأبعاد التي يجب أن تتنبه لها الدول, فبجانب ضرورة تعديل التشريعات الوطنية لتشمل نصوصاً رادعة خاصة بجرائم العالم الافتراضي, يحتاج الأمر إلي أن تكون هناك آلية تتحمل المسئولية الأخلاقية تجاه المجتمع تتابع ما يجد من تداعيات سوء استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي لو تركت قوي التطوير فيها بدون وازع أخلاقي وغيبة الضوابط الأخلاقية لتعرض المجتمع لمشاكل وأخطار تفوق ما يحدث في وقتنا الحالي.