مرة أخري يؤكد القضاء المصري عمق رؤيته الحضارية واستنارته، وصيانته لمعني العدل والحرية.. أول أمس أصدرت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار (يحيي دكروري) حكمها التاريخي، بوقف قرار وزير الثقافة، بصفته رئيس المجلس الأعلي للثقافة، بسحب الترخيص الصادر لعرض فيلم «حلاوة روح» ووقف عرضه بجميع دور العرض السينمائي... الحكم الصادر يستند علي خطأ قرار المنع (فليس لأي جهة أن تنتحل اختصاصا لم يمنحها القانون إياه، ولا أن تسلب جهة إدارية أخري اختصاصها).. لكن الأكثر أهمية من الحكم، هي تلك الحيثيات التي قدمتها المحكمة، دفاعا عن الثقافة ،وعن حرية الفكر والإبداع، ليستعيد المستشار يحيي الدكروري بهذه الحيثيات التاريخية، ما سبق أن قدمه المستشار (محمد نور) في التحقيق مع طه حسين حول كتابه (في الشعر الجاهلي) وما فعله المستشار (أحمد سميح الريحاني) في حكمه التاريخي بتبرئة (عادل إمام) وأفلامه من تهمة أزدراء الأديان (فلا عقوبة علي خيال). قدم المستشار الدكروري في حكمه، حيثيات تاريخية، هي نقطة مضيئة مضافة الي تاريخ القضاء المصري : «أن حرية الفكر والإبداع الأدبي والفني، لا توجد ولا تتحقق الا إذا أتيحت حرية التعبير بوسائل ووسائط التعبير كافة، وأن حرية الفكر والإبداع الأدبي والفني، لا يتعلق بها حق صاحبها فقط، وإنما يتعلق بها حق الجمهور، والمتلقي الذي يتعامل مع الأعمال الفكرية والأدبية والفنية بالتأييد والموافقة، أو بالاختلاف أو المعارضة أو الرفض ،علي وجه يثري الثقافة عامة... وأن إخضاع الأعمال الأدبية والفنية للحجب بمعرفة جهة الإدارة، يترتب عليه أن ما يظهر علنا من أفكار، أو آراء ،أو إبداع أدبي، أو فني سيقتصر علي ما ترضي عنه جهة الإدارة، أو تسمح به، وأن من لم ترض جهة الإدارة عن أفكارهم، فإن حقهم في التعبيرسيتردد بين التقييد، أو المنع ،أو التسامح بحسب جهة الإدارة.. وهذا الأمر ينتقص من حق وحرية الفكر والأدب».