منذ ما يزيد علي الستين عاماً بعامين، وفي مثل هذا اليوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، تفجرت في مصر «حركة مباركة» قادها الجيش لإصلاح أمور البلاد والقضاء علي الفساد والتخلص من الاحتلال. وسرعان ما تحولت حركة الجيش إلي ثورة شعبية جارفة، بعد إيمان الشعب بها وتبنيه لمبادئها وسعيه لتحقيقها، وهو ما خلق واقعاً جديداً بالمنطقة، وأحدث متغيرات جسيمة علي جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية، تغيرت بسببها موازين القُوي وعلاقات الدول والخريطة السياسية العربية والشرق أوسطية. ومهما اختلفت الآراء السياسية حول ثورة يوليو «52» وما حققته بالإيجاب أو السلب، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يُنكر علي الإطلاق، أنها كانت علامة فارقة في تاريخ الشعب المصري، فرضت واقعاً جديداً امتدت آثاره إلي المنطقة والعالم، وأحدثت متغيرات جسيمة وتداعيات كثيرة ،...، وخلقت تياراً صاعداً من حركات التحرير ونداءات الاستقلال، لم يتوقف عند حدود مصر الجغرافية، بل تعدَّها بكثير ووصلت أصداءه إلي جميع قارات الدنيا. ومهما اختلفت الرُّؤي حول ثورة يوليو 1952 وأسبابها ودوافعها وما أنجزته علي أرض الواقع المصري، وما حققته من انتصارات وما نالها من إخفاقات، إلا أنه لا يوجد خلاف علي الإطلاق بين كل المؤيدين لها، أو الذين اختلفوا معها، علي أنها جاءت كضرورة حتمتها الظروف والتطورات السياسية والاجتماعية في مصر. كانت الثورة قد أصبحت ضرورة لابد منها، في ظل الرفض الشعبي المتصاعد ضد الاحتلال، والرغبة العارمة في الخلاص منه والوصول للسيادة الوطنية الخالصة علي مقدرات البلاد، وتحقيق ما يتطلع إليه الشعب من حرية واستقلال وعدالة اجتماعية، وما يطمح إليه من ديمقراطية سليمة في حماية جيش وطني قوي. ومن هنا كان الحرص من جانب الضباط الأحرار الذين قادوا «حركة الجيش المباركة» علي صياغة هذه الأهداف في بيان قيامها، بوصفها تتضمن المبادئ المعبِّرة عن إرادة الأمة، والتي اعتبروها دافعاً لتحرك الجيش لإنقاذ البلاد مما هي فيه ،....، ومن هنا أيضا كان تأييد الشعب لحركة الجيش والتفافه حولها وإيمانه بها، وهو ما نقلها من مجرد حركة للجيش إلي ثورة شعبية شاملة.