من العجائب التي ننفرد بها عن سائر العالم افتقادنا حتي الان لاستراتيجية وطنية للتنمية الريفية بالرغم ان بلدنا حافلة لقرون قادمة بمكتبة هائلة من مجلدات الاستراتيجيات المتنوعة التي لا نري للكثير منها اثرا علي ارض الواقع لاسباب كثيرة ولكن الامر يختلف في قضية مصيرية كالتنمية الريفية باعتبارها الخيار الوحيد لمواجهة الاكتظاظ السكاني المتزايد للعاصمة والمدن الكبري تحت وطأة هجرة سكان القري لها بحثا عن لقمة عيش أو فرصة حياة افضل وهو ما يسفر عادة عن نتائج سلبية كثيرة كان يمكن تفاديها باستراتيجية للتنمية الريفية مدعومة بارادة سياسية قوية توفر لها الاستدامة والدعم المالي. لذا سعدت الاسبوع الماضي بحضور ورشة عمل في كلية زراعة القاهرة عن تجربة فرنسا وشركائها بالاتحاد الاوروبي في مجال التنمية الريفية في اطار الجهود القائمة حاليا لوضع الاستراتيجية المصرية المفتقدة. كشفت الورشة تباينا كبيرا بين مصر التي تشهد زيادة سكانية متصاعدة وهجرة متزايدة من القرية للمدينة وفرنسا التي تعاني تناقصا سكانيا وهجرة عكسية للريف!! الفرنسيون النازحون للريف حملوا معهم مدخراتهم وخبراتهم المتنوعة التي اكتسبوها في المدن واعادوا استثمارها في الريف بشكل حقق تنوع الانشطة وتكاملها بين مشروعات زراعية وصناعية وسياحية وصحية وخدمية في منظومة ترجمت المفهوم الصحيح لمصطلح التنمية الريفية الذي تمثل الزراعة احد مكوناته وليس كل اركانه كما يظن البعض. فرنسا وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي يدعمون التنمية الريفية بموازنة ضخمة من خلال برامج متنوعة برؤية استراتيجية ذكية تري أن القرية المنتجة تصنع قوة المجتمع وتحافظ علي تراثه الثقافي والاخلاقي وهو ما كان حالنا في الزمن الجميل حتي تنكرنا لأصولنا الريفية بدعوي التحضر فجف الخير من قرانا واصبحنا نستورد اكثر من نصف غذائنا!! من هنا تبرز حاجتنا ونحن نعيد ترتيب أولوياتنا إلي تبني استراتيجية للتنمية الريفية واستعادة وزارتها في تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة بحيث تتولي تذليل أصعب خصائص التنمية الريفية وهي ارتباطها وتداخلها مع وزارات الحكومة الأخري كالزراعة والصحة والبيئة والتعليم وإلي آخره والتي تفضل عادة العزف المنفرد!! وهو التحدي الذي تواجهه حاليا وزارة السكان وهو ما يدعوني إلي اقتراح ضم الوزارتين معا لتشابه طبيعة عملهما متعددة القطاعات وللارتباط الوثيق بين قضيتي السكان والتنمية الريفية بعكس المفهوم السائد في بعض حكومات العالم بضم التنمية الريفية مع وزارة الزراعة. عودة وزارة التنمية الريفية سوف يعكس بحق الارادة السياسية لمكافحة الفقر وتوفير فرص عمل حقيقية وحياة كريمة في قري مصر التي لو صلح حالها لاختفت كل مواجعنا الاقتصادية وهمومنا الاجتماعية.