فرض الله تعالي التكاليف الشرعية علي كل مكلف, وجعل لكل تكليف منها وقتا يجب أداؤه فيه, ومن هذه التكاليف الصلوات الخمس, حيث يجب علي كل مكلف عينا أداء كل صلاة في وقتها الذي حدده الشارع, ويدل لمواقيت الصلاة حديث ابن عباس ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين, فصلي بي الظهر في اليوم الأول حين زالت الشمس وصار الفيء مثل الشراك, وصلي بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله, وصلي بي المغرب حين غابت الشمس, وصلي بي العشاء حين غاب الشفق, وصلي بي الفجر حين طلع الفجر, وصلي بي الظهر في اليوم الثاني حين زالت الشمس وصار ظل كل شيء مثله, وصلي بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه, وصلي بي المغرب حين غربت الشمس لوقته بالزمس, وصلي بي العشاء حين مضي ثلث الليل, أوقال: نصف الليل, وصلي بي الفجر حين طلع الفجر وأسفر وكادت الشمس أن تطلع, ثم قال: هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك, والوقت ما بين هذين الوقتين, وهذا يعني أن لكل صلاة مفروضة وقتا محددا ببداية ونهاية, وأنه يجب أداؤها في هذا الوقت, لحديث عبدالله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلي الله؟, قال: الصلاة علي وقتها, قلت: ثم أي؟, قال: ثم بر الوالدين, قلت: ثم أي؟, قال: ثم الجهاد في سبيل الله, قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني, وروي عن عبادة بن الصامت قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات افترضهن الله عز وجل, من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن, كان له علي الله عهد أن يغفر له, ومن لم يفعل فليس له علي الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه, وإذا كان حديثا ابن مسعود وعبادة بن الصامت يدلان علي أن أداء الصلاة في وقتها من أحب الأعمال إلي الله تعالي, وأنها تكون سببا لمغفرته ذنب مؤديها في وقتها, فإن من الأحاديث ما يدل علي فضل أداء الصلوات في أول وقتها, ومن ذلك حديث أم فروة قالت: سئل النبي صلي الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟, قال: الصلاة لأول وقتها وروي عن أبي محذورة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أول الوقت رضوان الله, وأوسط الوقت رحمه الله, وأخر الوقت عفو الله, وإذا كان وقت الصلاة موسعا فيه, بمعني أن من لم يؤد الصلاة في أول وقتها فإنه يسعه أن يؤديها في وسطه أو في آخره, إلا أن فضل أداء الصلاة في أول الوقت بينته السنة المطهرة في كثير من الأحاديث التي منها حديث أم فروة وحديث أبي محذورة, وإذا كان أداء الصلاة في وقتها مطلوبا شرعا, فإن الرثم في تعمد ترك الصلاة في وقتها من غير عذر مرخص, ولهذا توعد الله تعالي من سهي عن أداء الصلاة حتي خرج وقتها, فقال سبحانه: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون وقد ينام المرء عن صلاة فلا يتنبه من نومه إلا بعد مضي وقت الصلاة, كما قد ينسي أداءها في وقتها, فهذان لا يأثمان بذلك, لحديث أنس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من نام عن صلاة أو نسيها, فكفارته أن يصليها إذا ذكرها, كما أنه قد يقوم بالمرء عذر يمنعه أو يشق عليه معه أداء كل صلاة في وقتها, وذلك كالمرض أو السفر أو شدة المطر أو نحو ذلك, ومثل ذلك يرخص له علي تفصيل بين جمهور الفقهاء أن يجمع بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما تقديما أو تأخيرا, لحديث ابن عباس: جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر, وفي رواية من غير خوف ولا سفر, وروي عن ابن عباس انه جمع بين الصلاتين بعذر المرض فأنكر عليه رجل من بني تميم, قال له ابن عباس: أتعلمني السنة؟, لا أم لك, فذر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم فعله, وروي عن معاذ ان النبي صلي الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك, إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتي يجمعها إلي العصر يصليهما جميعا, وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلي الظهر والعصر جميعا ثم سار, وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتي يصليها مع العشاء, وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تدل علي جواز الترخص بالجمع بين الصلاتين, وتأخير صلاة عن وقتها أو تقديمها عنه لعذر يقتضيه, ومثل هذا لا ينافي أداء الصلاة في وقتها, باعتبار ذلك كله تشريع روعي فيه حال المكلف بهذه الفريضة. أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر