من ياجو الماكر الشرير في عطيل الي( فيجن) رئيس العصابة الذي يخطف الأطفال في رواية أوليفر تويست إلي مرتكبي جرام المحرقة اليهودية, يتناول الناقد الماركسي تيري ايجلتون في كتابه الجديد الصادر عن دار نشر يالي0 عن الشر) تطور فكرة الشر عبر التاريخ البشري بدءا من الأساطير الدينية القديمة الي مرتكبي أغرب وأبشع الجرائم سواء في الأدل أو في الواقع. ويحلل الناقد الانجليزي المخضرم وأحد أهم الباحثين في النظرية الأدبية خلال الكتاب فكرة غواية الشر, ويسأل سؤالا محوريا هو: لماذا يبدو الأشرار أكثر جاذبية وتأثيرا بالنسبة لنا؟ ويقول: قد تكون الفضيلة رائعة, ولكن للرذيلة غوايتها, لا أتصور أن يفي أحدنا بموعد لتناول عصير البرتقال مع أوليفر تويست, اذا كانت أمامه فرصة احتساء البيرة مع فاجين رئيس العصابة في الرواية نفسها صحيح أننا جميعا نحب أن نعلن ازدراءنا الاشرار, الا أن الثقافة الشعبية مهووسة بالغول ومصاصي الدماء والأشباح والوحوش.. وفي مقالة نشرها مؤخرا حول كتابه الجديد في صحيفة الاندبندنت البريطانية,يحمل ايجلتون الطبقات الوسطي المتذمتة مسئولية تحويل الشر الي قيمة بهذه الجاذبية, ذلك أنهم جعلوا الخير عاديا ومثاليا ومملا, وهم من ربطوا الفضيلة بقيم مثل الادخار, وحسن التدبير والوداعة, والتقشف, والعفة والاجتهاد هنا يؤكد الكاتب أصبحنا نفضل الأشباح مصاصي الدماء علي اتباع الفضيلة! لأن الخير يصبح مقيدا ومحرما. كما أن الطيبين المسالمين هم الأكثر عرضة لعملية النصب والاحتيال في الرواية الانجليزية وعادة ماينتهي بهم الأمر ضحايا لا حول لهم, ولايريد أحد أن يؤول الي هذا المصير! لذلك نفضل فاجين اليهودي الشرير رئيس العصابة عن أوليفر تويست وفي الوقت الذي يعتقد الكثيرون أن وراء الشر تدبيرا وعقلا فذا, يجد ايجلتون الشر تافها وضئيلا وساذجا وغير مكتمل, فيقول: قد يبدو الشر مغريا وأخاذا, ولكنك اذا احكمت قبضتك عليه تلاشي حتي الفناء...الشر زائف مثل ابتسامة جوردون براون كما أن الشر يوضح ايجلتون لايحيا الا في وجود الخير ذلك أنه كان عبر التاريخ اللاهوتي كائنا طفيليا, لايحيا الا في وجود الخير ابليس نفسه لم يكن ليصبح شيطانا الا بمعرفته بتفوق الله وكماله, اذ كيف يمكن المعرفة بوجود ابليس الشرير اذا لم يكن غريمه المتجسد فيه فكرة الخير المطلق موجودا؟ وأكثر الناس شرا علي الأرض هم أكثرهم ضعفا وعدم اتزانا وفقا لايجلتون الذي يقول: عندما تشاهد محاكمة ادلوف ليخمان أحد مخططي المحرقة اليهودية تدرك أن أكثر مايصدمك في الشر تفاهته فكان ليخمان يبدو مثل موظف بنك مهترئ,وليس كقاتل متمرس الشر الحقيقي وفقا لايجلتون نادر جدا, لانه يتميز بعشوائية وبعقلانية شديدتين يصعب معهما وجوده هنا يفرق الكاتب بين نوعين من الشر: الشر العادي الذي تقف خلفه أهداف منطقية وواعية, والشر الحقيقي, وهو شر من أجل الشر ذاته! في هذا السياق يقول ايجلتون: في الوقت الذي يمكننا تفسير الهولو كوست باعتباره الشر المطلق فان بعض الافعال الأخري مثل الممارسات التي يقوم بها بعض الاسلاميين المتشددين لا تعد شرا أصيلا, اذ كان من الممكن ردعها اذا ما استجاب الغرب لتظلماتهم كذلك فان ستالين وماو قتلوا ملايين النساء والرجال, ولكنهم لم يفعلوا ذلك حبا في القتل, كان هناك هدف سياسي وراء ارتكاب الأعمال الوحشية, ولكن شرا مثل ارتكاب المحرقة اليهودية يصعب أن تري وراءه نقطة أو هدفا قد نفهم ان صناعة البعبع اليهودي قد يكون لها هدف سياسي ما, مثل توحيد الأمة الألمانية, ولكن لايمكن ايجاد تفسير منطقي وحيد لابادة الملايين منهمويواصل ايجلتون تناوله لنموذج الهولو كوست للتدليل علي الشر كفكرة مطلقة,فيقول: لايمكن تفسير الهولوكوست بالفهم اليومي النفعي. فالمحرقة كانت مثل حفل عربدة بلا معني, وتراجيديا لا توصف ويؤكد الشعار الذي رفعه النازيون علي بوابة معسكر او شفيتز للابادة( العمل يحررك)دليل علي عدمية الأمر, وأن المقصود كان التهكم والسخرية! كما أن التراجيديا عادة ماتتطلب قيمة انسانية ما فلا يمكنك الشعور بمعاناة الملك لير لو كنت تري أن البشر لاقيمة لهم اما الفعل النازي فكان يمثل ماوراء التراجيديا وما وراء المنطق الانساني فكانوا يريدون قتل المعني قبل البشر الغريب يذكر ايجلتون أن الدولة الحديثة تقوم علي مبدأ النفعية والعقلانية, وهو أمر لايمكن تحقيقه بدون توخي كل خطوة وفهم الغرض منها لذلك فانه كان من المذهل ارتكاب هذا الفعل المشوه اللاعقلاني في التاريخ الحديث. وبناء علي هذا النموذج الواقعي من القرن الحديث, يعرف الناقد الأشرار بأنهم أشخاص غير مكتملي الانسانية, ويعود هنا الي تناول جدلية الخير والشر في التراث الفكري الانساني ويقول: بالعودة لتناول الخير والفضيلة في الميراث الفكري الانساني, فان الخير لم يكن منفرا علي طول الخط فوفقا لبعض المفكرين القدامي مثل ارسطو,فالخير هو ان تعرف كيف تمتع نفسك وتعلم كيف تطور ادميتك وتصل بها الي أكمل وأفضل درجة ومن ثم يكون الرجل الخير او المرأة الخيرة يواصل ايجلتون هي من تنبغ في ممارسة انسانيتها. ويكون القديسون هم أكثر الموهوبين في ممارسة الحياة. وبالمقابل ووفقا لنفس وجهة النطر الكلاسيكية, فان الأشرار هم غير القادرين علي التمتع بوجودهم الانساني, وهكذا يصل ايجلتون الي نتيجة مفادها أنه لا يوجد في الواقع شئ اسمه الشر, وأن الأشرار هم أناس غير حقيقيين هم مجرد اسكتشات بشرية غير مكتملة هم مثل اشباح يقفون بين الحياة والموت لهم هيئة البشر ولكنها مثل الكائنات الفضائية في أفلام الرعب هيئة زائفة ويحلل الكاتب السلوك الشرير قائلا:مثل البيروقراطيين,يغضب الأشرار من الفوضي المطلقة التي يحدثها الوجود الانساني وهم مثل الأصوليين يفضلون كمال الموت علي حيوية البشر. ووفقا له فان الأشرار يستمدون شعورهم بالحياة من تمزيق الاخرين, ويبقي الشئ الحي لديهم هو المتعة التي يجنونها من الدمار وبهذا المنطق, فان الأشرار مجموعة من الساديين, ومن ثم يكون النازيون أنصار هتلر هم مجموعة من العدميين المغرمين بالموت والابادة. ويواصل ايجلتون تحليله للسلوك الشرير قائلا: الشر الخالص يكره حقيقة الوجود الانساني ذاتها ويريد ازالته من علي وجه الأرض فلايري الأشرار شيئا في الانسانية الا صورة خادعة مثيرة للشفقة, فهي مكان للهزل والسخرية والبؤس مسكون بالمهرجين كما هو مسكون بالسيافن والمغتصبين. ويدلل ايجلتون علي عدمية السلوك الشرير بقضية سفاحي الأطفال ايان برادي وميرا هيندلي قضية شهيرة في بريطانيا قام بها شخص وصديقته باختطاف واغتصاب وقتل مجموعة من الأطفال1963 1965 يقول الكاتب: المفجع في هذه القضية هو انهم لايبدون كأشخاص مجانين فالمجانين يقومون أحيانا بأشياء لاجدوي لها, ولكن عندما يقوم رجال ونساء عاقلون بالتدمير لمجرد التسلية, فنحن امام شيء فيما وراء اللااخلاقية كذلك هو الأمر بالنسبة لقضية جيمس بلجر, وهي جريمة قتل حدثت ايضا في بريطانيا في عام1993, قام فيها ولدان لايتجاوز عمرهما العشر سنوات بتعذيب وقتل طفل عمره سنتان بلا سبب وفي مثل هذه القضايا التي يعجز العقل البشري عن تفسيرها يؤكد ايجلتون نرجع فيها سبب ارتكاب الجرائم الي أن أصحابها قد خلقوا أشرارا, ولكن هذا لايعني الا أن هؤلاء الأبرياء فكيف يتحمل المرء مسئولية تكوينه الجيني, والا نكون كلنا متحملين مسئولية اصابتنا بالامراض, فان تدين شخص بأنه قد خلق شريرا, فانك في الحقيقة تبرئه. مثلما هو الامر بالنسبة للخير فاذا كان الناس قد خلقوا أخيارا, فكيف نمدحهم علي سلوك لم يختاروه ولا فضل لهم فيه