ما يمر به الاقتصاد المصري لا يخفي علي أحد فهو يعد المرآة التي تعكس صورة مجتمع بات يئن من أزماته المتلاحقة, وتري الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بكلية تجارة جامعة عين شمس أن استراتيجية الدولة تفتقد تحديد الأولويات في سبيل القضاء التدريجي علي الأزمة الاقتصادية الراهنة, وفي مقدمتها البطالة وعجز الموازنة العامة للدولة, لافتة إلي أن الخطوات التي تخطو بها الحكومة علي أرض الواقع متخبطة وتسير عكس الاتجاه. وتضيف أنه علي الرغم من وجود فجوة في الاستثمارات, إلا أن الحكومة لا تسعي بإجراءات فعلية نحو تشجيع المستثمرين من خلال حل مشكلاتهم المتمثلة في ارتفاع تكاليف الاستثمار وزيادة نسبة الضرائب وأسعار الطاقة, مشددة علي ضرورة وجود رؤية مكتملة لتحديد عناصر الأزمة ووضع حزمة من الإجراءات المتناسقة للقضاء عليها. في نفس السياق يوضح الدكتور محمد حامد دويدار أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية ومقرر لجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلي للثقافة أن مؤشرات تراجع الاقتصاد المصري أخذت في الظهور منذ اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات والتي أدت إلي إنهاك قواه بعد أن رفعت الدولة يدها عن النشاط الزراعي لتتركه أسيرا لهوي المزارعين وفقا لآليات العرض والطلب, فضلا عن تصفية الصناعة من خلال الخصخصة, وأخيرا تبديد القوي العاملة المصرية من خلال تصديرها للخارج دون الاستفادة منها علي أرض الوطن. ويوضح أن الأزمة الاقتصادية ليست ناتجة عن ضعف الإمكانات أو الموارد بل تنبع بالأساس من نقص الكفاءة والحرفية في مجال إدارة تلك الموارد وتوجيهها بما يخدم الاقتصاد القومي, إذ أن مصر تمتلك العديد من الثروات الطبيعية غير المستغلة واللازمة لإنعاش الاقتصاد المصري, إلي جانب توافر الموارد البشرية والقوي العاملة التي تعد مقوما أساسيا في النشاط الاقتصادي. وعن كيفية إدارة الأزمة في الوقت الحالي, أكد ضرورة العمل علي تهدئة الأوضاع السياسية في المقام الأول, ثم استعادة دور الدولة وقبضتها علي جميع جوانب النشاط الاقتصادي ووضع السياسة العامة لها, إلي جانب وضع رؤية مستقبلية للنظام الاقتصادي الذي يجب تطبيقه خلال الفترة المقبلة, علي أن يبتعد عن نظام السوق حيث لم يعد من المهمة التاريخية لرأس المال أن يصلح ما أفسده في مصر منذ عام1798, لافتا إلي إمكانية استبداله بنظام اقتصادي يجمع بين ملكية الدولة والملكية الفردية والتعاونية في إطار استراتيجية تنموية اقتصادية اجتماعية ثقافية شاملة تضمن للمجتمع المصري حدا أدني من تحقيق الرشادة الاقتصادية. ومن جانبه يري دكتور سلامة الخولي خبير اقتصادي أنه لا مجال للحديث عن إعادة النظر في مفهوم إدارة الأزمات في الوقت الحالي, حيث إنها تعد منظومة مكتملة مرهون تفعيلها باستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتشكيل مجلس النواب, كما أن الأزمات المتلاحقة التي تمر بها مصر تجعل هذا النوع من الإدارات نوعا من الرفاهية خاصة واننا لم نعتد عليها في الماضي, مشبها حال الدولة المصرية في الوقت الحالي بالمريض الذي يعاني جسده من جميع الأمراض الظاهرة والباطنة ثم يسعي لإجراء عملية تجميل قد تحسن من حالته النفسية إلا أنه لا مجال لها إلابعد تحسن صحته. وعلي صعيد أزمة الطاقة, يقول الدكتور محمد حلمي رئيس جمعية مهندسي ترشيد الطاقة إن السبب الرئيسي لتفاقم الأزمة يكمن في سياسة الدعم من قبل الدولة والتي أهدرت كميات ضخمة من الوقود دون توجيهها للفئات المستهدفة, لافتا إلي أن الدولة تهدر حوالي100 مليار جنيه سنويا لدعم الطاقة فقط, يستفيد بها أقل من20% من الشعب المصري. ويضيف أن سياسة الدعم التي أنتجتها الحكومة علي مدار السنوات الماضية فتحت الباب علي مصراعيه أمام كل أنواع الفساد وسوء استخدام الطاقة وإهدارها, مشددا علي ضرورة البدء في استبدال دعم الطاقة بالدعم النقدي للفئات المحتاجة والذي قد يأخذ شكل زيادة المرتبات, استنادا إلي مفهوم دعم المواطن المحتاج لا دعم السلعة, وفي سبيل ضمان وصول الدعم لمستحقيه. رابط دائم :