للأسف فإن طبيعة العلاقات بين هذه الدول خلال الفترة الماضية لم تكن من الحصانة والمتانة بحيث لاتخلق مناخا مناسبا ترتع فيه هذه المحاولات الخارجية لدق ذلك الإسفين. تجتمع اليوم سبع دول افريقية في مدينة عنتيبي الأوغندية لبحث توقيع اتفاقية جديدة منفصلة تتعلق بإعادة توزيع مياه النيل, و الدول المجتمعة اليوم هي اثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبروندي, هذه الدول هي ما اصطلح علي تسميتها بدول المنبع التي هي مصادر المياه لنهر النيل بنسب متفاوتة, هذا الاتفاق المطروح للتوقيع اليوم هو نتيجة سنوات من المفاوضات غير المجدية خلال السنوات الماضية بين دول مياه حوض النيل التسع وهي دول المنبع التي ذكرتها بالاضافة الي دولتي المصب مصر والسودان, وهناك دولة عاشرة هي إريتريا التي هي عضو مراقب في المبادرة. خلال الاعوام القليلة الاخيرة تصاعدت حدة الحديث عن توزيع مياه النيل, وبدأت اصابع خارجية تلعب في المنطقة بهدف خلق حالة من الزعزعة والقلق بين دول المنبع ودول المصب, وغرس احساس بعدم العدالة في توزيع مياه النهر وفقا للاتفاقيات التي وقعت لتنظيم توزيع المياه بين دول الحوض, وللاسف فإن طبيعة العلاقات بين هذه الدول خلال الفترة الماضية لم تكن من الحصانة والمتانة بحيث لاتخلق مناخا مناسبا ترتع فيه هذه المحاولات الخارجية لدق ذلك الإسفين, وكذلك جاءت مشكلات داخلية لبعض هذه الدول فوجدت في خلق مشكلة تجمع حولها رأيها العام الداخلي حماية لوضعها السياسي فلم تجد افضل من العمل علي زرع الإحساس بغياب العدالة في اتفاقيات توزيع المياه, وشحن الداخل حول ما اقنعوهم بأنه حق ضائع علي يد الاستعمار البائد وحان الوقت لتصحيح الخطأ, ولم تكن دولتا المصب خاصة مصر بعيدة عن تهيئة مناخ غير موات خلال أعوام سابقة عندما لم تتواجد بالقدر الكافي, ولم تعط الإحساس بالاهتمام الكافي بعلاقاتها بهذه الدول. وصلنا اليوم الي لحظة مهمة في تشكيل هذه العلاقة خلال الفترة المقبلة, فكما سبق وان ذكرنا في مرات سابقة فإن عدم النجاح خلال الاجتماعات الماضية دفع دول المنبع لأن تقرر منفردة ان توقع اتفاقا لاتوافق عليه مصر او السودان, ونقطة الخلاف الاساسية هي تأكيد مصر علي ان ينص اي اتفاق علي حقوق مصر التاريخية في المياه وهو امر غير قابل للنقاش او الجدل من طرف مصر, وهو امر مفهوم ومتفهم داخليا ودوليا, اضافة الي نقاط اخري اقل حدة في الخلاف. ما هو المتوقع في اجتماع اليوم؟ احد امرين: ان توقع هذه الدول منفردة وهو ما سيعد تصعيدا غير حكيم, ومدخلا خاطئا للتعامل مع الازمة كما قال لي ذلك الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي, او ان تلجأ الدول السبع الي صيغة اقل حدة واكثر دبلوماسية بأن تصدر بيانا بموقفها وتدعو الي حوار جدي حول تلك المواقف. الحل العاقل الوحيد المطروح اليوم هو تلك المبادرة الرئاسية التي تبناها الرئيس مبارك بأن تنشأ مفوضية دول حوض النيل تعمل في اطار التنمية المشتركة وتعمل في اطار الاتفاق والمصلحة المشتركة بما يصل بكل الدول المشاركة علي حوض النيل الي الاستفادة الكاملة. التعاون المشترك والتنمية المشتركة هما المدخل الصحيح للخروج من هذه الازمة خاصة اذا عرفنا ان بعض المشروعات المشتركة كفيلة بمضاعفة المستفاد من مياه النيل حاليا وتقليل المهدر من المياه واي توقيع لاتفاق من طرف واحد سيؤدي الي قتل هذه المشاريع التي يمكن ان يستفيد منها الجميع. [email protected]