مرة أخري عادت القواعد العسكرية الأجنبية للمنطقة من جديد, فها هي الولاياتالمتحدة تقيم قواعد عسكرية بقطر حيث تستضيف أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية في عموم المنطقة, وفيها يوجد المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطي من العالم'CENTCOM' الممتدة من آسيا الوسطي للقرن الأفريقي ويقع أيضا المقر الميداني للقوات الخاصة التابعة للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطي بقاعدة السيلية القطرية منذ عام2001, وقواعد في الكويت حيث يوجد بها معسكر يطلق عليه اسم معسكر الدوحة يتمركز فيه أفراد الفرقة الثالثة الأمريكية مشاة إضافة إلي عدد من الأفراد التابعين لسلاح الجو. مع كامل معداتهم وأسلحتهم التي منها دبابات طراز(M-1A12) وعربات مدرعة طراز ش(M-2A2) بجانب الطائرات الهليكوبتر الهجومية وأكثر من80 مقاتلة, وأيضا بعض وحدات القوات الخاصة سريعة الانتشار. وبالبحرين حيث مقر الأسطول البحري الأمريكي الخامس في المنامة, الذي يخدم فيه4200 جندي أمريكي, ويضم حاملة طائرات أمريكية وعددا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من70 مقاتلة, إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود المتمركزة بقاعدة الشيخ عيسي الجوية. وفي عمان حيث تستمد أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة من موقعها كمركز متعدد المهام لخدمات دعم الجسر الجوي, وقامت الولاياتالمتحدة بإنشاء قاعدة جوية فيها, تتمركز بها قاذفات طراز(B1) وطائرات التزود بالوقود. والإمارات وتوجد فيها قاعدة جوية ومستودعات متعددة لأغراض الدعم اللوجيستي, إضافة إلي ميناءين مهمين يطلان علي مياه الخليج العميقة, الأمر الذي يبرز أهميتهما للسفن العسكرية المختلفة وخاصة السفن ذات الأوزان والأحمال الكبيرة والعملاقة والتسليح المتنوع والمكثف وحاملات الطائرات والأردن وتوجد فيها قاعدتان عسكريتان جويتان هما قاعدتا الرويشد ووادي المربع وبهما العديد من المقاتلات الأمريكية, كما توجد في الأردن الوحدة22 البحرية الاستكشافية الأمريكية, وقد كانت لها قاعدة بالسعودية وطلبت الأخيرة نقلها لقطر, وكان الغرض من إنشائها التصدي لخطر صدام حسين ثم تحول لمقاومة خطر إيران, وبالأمس القريب اتفقت الولاياتالمتحدة مع المغرب علي إقامة قاعدة عسكرية لها بأرض الثانية, قيادة شمال إفريقيا بإسم أفريكوم, للتعاون في محاربة الارهاب الذي ضرب بأرض المغرب العربي, ثم تقوم الولاياتالمتحدة بمفاوضات لإقامة قاعدة أخري بوسط إفريقيا لمقاومة المد الأصولي الإسلامي الذي بدأ بدول الصومال وأثيوبيا وموريتانيا ولها قاعدة بجيبوتي منذ بداية سنة2002 حيث بدأت القوات الأمريكية تتمركز في قاعدة ليمونيه وبها أكثر من ألف جندي, وذلك بعد أن مكنتها الحرب التي أقامتها ضد أفغانستان بإقامة قواعد بها وكذلك حدث بالعراق, وهذا غير قواعدها العسكرية التي انتشرت بدول غرب روسيا أو ما كان يعرف بدول الاتحاد السوفييي السابق, وتنتشر القواعد العسكرية الأمريكية في130 بلدا حول العالم تقريبا, ويزيد عددها علي الألف وفق بعض المصادر العسكرية, وتتراوح مهماتها بين القيام بالعمليات العسكرية والتدريب المشترك مع قوات الدول الموجودة بها والمشاركة في عمليات حفظ السلام, كما سعت أمريكا إلي عقد الاتفاقات الأمنية مع العديد من الدول حول العالم, وقد دخلت فرنسا علي الخط وأقامت قواعد لها بالمنطقة العربية, واتفقت مع الإمارات علي إقامة قاعدة لها بأبو ظبي. قواعد عسكرية أجنبية في دول كانت تحارب جاهدة حتي وقت قريب ضد الوجود العسكري الأجنبي بأراضيها, وكانت تعتبر أن خروج تلك القواعد منها يعني إنتصارا لها علي السيطرة الأجنبية والوجود الأجنبي بأراضيها, بما يعني بداية تحرر تلك الدول من سيطرة الاستعمار الأجنبي ونيلها حريتها واستقلالها كاملين, واليوم تعود تلك القواعد من جديد وتبدأ في الانتشار بدول متفرقة بمدن العالم, وكأنك يا أبو زيت ما غزيت, ولم يكن هناك داع لكل حركات التحرر وكل دماء الشهداء التي أريقت في سبيل جلاء هذا الاحتلال الأجنبي والسيطرة العسكرية علي أراضيها, بالطبع تلك القواعد الموجودة حاليا غير هذه وأسباب وجودها تختلف عن الأسباب السابقة, فالأولي كانت تعني السيطرة الأجنبية علي الدول التي تقع علي أراضيها, ثم تحولت لتدخل منظومة الاحتلال العسكرية لمعسكر غربي ضد المعسكر الشرقي أو العكس, أما القواعد الحالية فهي تحت زعم محاربة المد الارهابي أو التطرف الأصولي المتمثل بإيران وتنظيم القاعدة, فالأساس مختلف وأوضاع الدول التي كانت علي أراضيها القواعد الأجنبية غير أوضاعها حاليا, فقد حصلت علي حريتها واستقلالها وتسمح بإرادتها المستقلة بوجود تلك القواعد الجديدة, ولكن من يستطيع أن يؤكد ذلك؟!, فالطائرات العسكرية الأمريكية تقلع مثلا من قاعدة العديد بقطر في طلعات استكشافية بل وقد اشتركت في عمليات عسكرية ضد العراق وبدون أن تحصل علي إذن الدولة المضيفة أو حتي تحيطها علما. لقد كان وجود القواعد العسكرية الأجنبية أيام الاحتلال العسكري التقليدي أوائل هذا القرن كان يتم تحت زعم الدفاع عن الدولة المضيفة ضد أي خطر خارجي حيث لم تكن إمكانيات تلك الدول أو ظروفها تسمح لها بالدفاع عن نفسها, وهو أيضا ما يقال في الوقت الحالي, فالولاياتالمتحدة دائما ما تعرض أسبابا استراتيحية لبناء مثل تلك القواعد, وفي هذا يذكر الجغرافي الأمريكي بكلية إيفرجرين في أوليمبيا بواشنطن زولتان جروسمان أن الولاياتالمتحدة منذ سقوط حائط برلين عام1989 أنشأت مجموعة من القواعد العسكرية الأمريكية بلغت35 قاعدة جديدة بين بولندا وباكستان باستثناء التي أنشأتها في العراق وهو ما أطلق عليه تشكيل مجال نفوذ لأمريكا في المنطقة. وهي مثلا عندما وقعت اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية لها بالمغرب كانت تحت زعم المشاركة وتنسيق الجهود في محاربة خطر الارهاب المتمثل في هجمات القاعدة بدول المغرب العربي وشرق إفريقيا, وقاعدة جوية لها علي البحر الأحمر بمصر, وهل من جديد بين المعنيين سوي اختلاف الألفاظ والمسميات والتواريخ, وكذلك بالصومال وموريتانيا ادعت مساعدتها علي محاربة التطرف الإسلامي الأصولي وما يمثله خطر الارهاب من قواتها, وجود أجنبي عسكري ينتشر بدول العالم المختلفة ليعود من جديد وتعود الأمور لعادتها القديمة وكأن أكثر من خمسين عاما مرت علي تلك الدول بدون فائدة أو لتثبت أنها كانت وقتئذ علي خطأ في مسعاها السابق لإخراجها من أراضيها, بل إن تلك الدول باتت تسعد أو علي الأقل ترحب بذلك الوجود العسكري الأجنبي علي أراضيها, وعلي سبيل المثال فقد أشيع أن قطر أنفقت ما يزيد علي أربعمائة مليون دولار لتحديث قاعدة العديد الأمريكية وغيرها من القواعد مقابل الحماية العسكرية الأمريكية للدولة الخليجية الصغيرة, بالطبع يمكن القول أن وجود تلك القواعد علي إقليم ما من شأنه أن يجلب خيرا اقتصاديا بصورة ما يتمثل في إيجار للقواعد يتفق عليه أو مساعدات ومعاونات مالية وعسكرية واقتصادية من شأنها أن تسهم في رفاهية تلك الدول المضيفة أو حتي الدفاع عن إقليم تلك الدول حيث تدعي قطر مثلا أن هذا النهج في السياسة القطرية مقابل حصولها علي الحماية العسكرية الأمريكية في إطار اتفاق أبرم في عام1992, ولكن متي كانت تلك الأسباب مبررا للوجود الأجنبي مهما كان شكله وطبيعته علي أراضي أي دولة, لذلك يبقي سؤال يطرحه المنطق هل يمكن اعتبار الدول العربية التي تتكاثر فيها القواعد العسكرية الأمريكية, وغير الأمريكية, وتنطلق منها طائراتها كما تشاء ضد دول عربية أو إسلامية أخري, دولا مستقلة فعلا؟!