حقيقة أن الكتابة في ذلك التوقيت بالذات حول ما يحدث في مصر وتناول الأوضاع فيها هي بالمهمة الأكثر من الصعبة وهي بالحقيقة كالمشي فوق الأشواك الذي يدمي القلب ويصل بنا إلي حالة من اليأس والقنوط, الأسباب عديدة ومتعددة للوصول إلي هذه المرحلة فليس هناك حقائق واضحة وثابتة بل كا ما يثار هو مجرد مكلميات وتصريحات هنا وهناك, هي معارك بالكلمات والشائعات وأيضا بالأيدي والأسلحة تسيل فيها الدماء وتراق وتهدر الموارد ويغيب الأمن وهذه ليست مصر, وعلي الرغم من تلك المقولة المشهورة التي قد يتعفف اللسان ان ينطق بها حول وصف السياسة بأنها اللعبة القذرة, إلا ان ما يحدث الآن في مصر قد يصل بها إلي أبعد من ذلك الوصف, وفي وسط ذلك الشجار والنقار والأكاذيب والافتراءات وكذلك التواني وغياب العزيمة يتقلص الوطن وتمحو ملامح دولة لها تاريخ وحضارة عريقة, وسط ذلك كله ينهدم جدار القيم الاجتماعي ويزيد الشعور بالغربة والاغتراب عن مصر وطبيعتها وكأن شعبها قد انسلخ من جلده, مصر المعروف عنها الوداعة والهدوء والكرم والأدب الجم علي المستوي الشخصي والجماعي وكذلك حسن الضيافة لم تعد كذلك وكأننا نعيش في بلد آخر, كم يشق علي النفس ويخيم الحزن في القلوب عندما يتناول البعض ما يحدث في مصر ومقارنته بالصومال أو أي بلد آخر من انها تنتظر مجاعات وويلات وحروبا ودماء فمصر ليست كغيرها من البلاد الأخري, لقد ضاعت التقاليد والأعراف وسادت السخرية والتهكم في مواقف لا تحتمل ذلك بالكلية ولكن علينا ألا نلوم ألا أنفسنا والنظام السابق الذي لا يمكن ان نعفيه مما يحدث الآن فما يحدث الآن ليس وليد الثورة بل قد استطاعوا تحقيقه من خلال الغزو الثقافي والسياسي واللعب علي جدار القيم الاجتماعية, وأتذكر في أيام الدراسة بالكلية في أحدي المحاضرات لعالم السياسة القدير يرحمه الله الدكتور حامد عبدالله ربيع وكان ذلك في نهاية السبعينيات في إحدي المحاضرات قوله: إن الخطر الحقيقي لا يأتي من الجيوش والقوات, ولكن عندما يكون عدوك يعيش بينك وكان يقصد بذلك اتفاقية السلام والغزو الثقافي الذي حدث بعد ذلك ورأي انه أخطر من القنبلة والصاروخ أي الغزو الثقافي ومحاولة تغيير القيم والمعتقدات بطريق غير مباشر ذلك ما حدث لنا ولا سيما في الثلاثين عاما الأخيرة, وقتها رأينا تصريحات كانت غاية الخطورة وكانت دلالة علي صدق ما ذهب إليه الرجل الذي كان يستشرف المستقبل حيث إن أحد القيادات أو المسئولين عن الإعلام وقت ذاك في إحدي الدول العربية خرج علينا ليقول ان القومية العربية وهم وأن العروبة هي سبب التخلف الذي حل بنا وعلينا ان نتخلي عن هذه الأفكار وأنه ليس هناك ما يعرف بالوحدة العربية, هنا قد بدأ مفعول هذه الحرب يؤتي ثماره ولم تكن مصر بمعزل عن ذلك كما ان ثورات الربيع العربي علي الرغم من الأسباب والدوافع العميقة الموجودة بالمجتمع التي أدت إليها من فساد للنظم السياسية وتسلطها وتجبرها وكذلك وجود أزمات اقتصادية طاحنة بها وإن دققنا في التعبير غياب العدالة في التوزيع للثروات ومعدل النمو الاقتصادي وتوظيف هذه النظم السياسية للاقتصاد لكي ما يعمل لمصلحة طبقة رجال أعمال بحيث في ظل هذه النظم قد زاد الفقيرا فقرا والغني غني مما همش الكثير من فئات الشعب وقضي علي الطبقة الوسطي التي كانت بمثابة رمانة الميزان في المجتمع وتحكم توازنه, لذلك رأينا ما حدث بعد ثورة يناير من تضارب وخلط للأوراق وتلك الحالة من الفهم وعدم التركيز والاندفاع وتعجل تحقيق الأهداف وكذلك عدم الوفاق والإتفاق, رأينا شكلا جديدا من التوازن أمامنا فقد أطلق عليها الثورات الإلكترونية( الفيس بوك والتويتر) ولم يكن الحقيقة أن هذه الثورة كما كان الراديو الترانزستور في الستينيات اندلاع حركات الاستقلال في الدول العربية هو وسيلة وأداة انتشار الثورة وكما كان الكاسيت هو أداة الثورة الإيرانية هكذا التويتر والفيس بوك ولكن الجديد في هذه الثورات هي انها قد جاءت عفوية ودون تخطيط مسبق ولكن لها قيادة أو قائمة من الأهداف لقد كانت ثورة شبابية أو يفرجها مجموعة ثم تحولت الي ثورة جماهيرية أو شعبية عبرت عنها جمعة الغضب, وقد أدت هذه الثورة أو كان هدفها الأوحد هو رحيل النظام ورموزه ولكنها لم تكن لديها البدائل أو خطة الإحلال ولعل ذلك ما أدي إلي غياب التوافق والاتفاق ما بين مختلف القوي والتيارات السياسية بل ان إطلاق مسمي التيارت السياسية قد يكون غير مكتمل لأننا قبل الثورة لم يكن لدينا قوي سياسية بالمعني المتعرف عليهت بل كانت مجرد تسميات ولم يكن لدينا أحزاب سياسية بل كلها قد كانت لا تعدو ان تكون سوي مقرات أو جريدة وليس لها أية عمق أو جذور بالشارع, لذلك كان لابد وان تسود روح الفرقة ويغيب التوافق والتسامح بين هذه الفرق والشيع المتناحرة التي الكل يطمع في ان يكون هو علي رأس الحكم أو أن يحكم والكل تصور في انه وحده القادر علي حكم مصر بل والأحق والأجدر بذلك الحكم وتلك هي المشكلة, وفي خضم ذلك العراك السياسي غير الرشيد وذلك الانفتاح البغيض كانت مصر كدولة تتلاشي ملامحها, إذ بناقد أفسحنا المجال للمتربصين ولخفافيش الظلام والمرتزقة والبلطجية لكي يسعوا إلي تحقيق مآربهم البغيضة في النهب والسلب والتدمير بل وتقديم العون والمساعدة بمقابل لبعض القوي السياسية أو لغيرها قد تري ان عليها ان تقاوم طرفا آخر وذلك من أجل الوصول إلي الحكم, من هنا وفي ظل ذلك الخراب وفي ظل الانغماس في الصراعات الداخلية والقضايا الرئيسية والفرعية وعمليات الإغراق في هذه القضايا كان لابد وان تتفاقم المشكلات الاقتصادية والسياسية وأيضا الدستورية في العديد من القرارات وان يحدث الفراغ السياسي أو الانفلات السياسي والأمني وتغيب عدم الاستقرار ونصل إلي تلك الحالة التي وصفوها بالسيئة وان مصر تنتظر الأسوأ, ولم يعد الآن هناك قدرة علي استعادة زمام الأمور كما تري الأوساط السياسية والخبراء والمحللون في مختلف دول العالم لقد جعلنا من مصر فرجة للعالم أجمع وأصبحت بمثابة مسرح كبير للدراما وأيضا الكوميديا العالم كله يري ما يحدث في مصر لقد وصفوه بالموقف الصعب جدا جدا وان الوضع الاقتصادي فيها كارثي فهناك عجز يزيد علي200 مليار وأيضا دين خارجي يصل إلي39 مليار دولار وديون تصل إلي114 مليار دولار لخدمة الدين وتراجع كبير من الاحتياطيات النقدية وأصبح هناك من يلعب في ملف الطائفية لكي ما يزيد البلة طينة ويعجل بالقضاء علي مصر وفي وسط هذا وذاك تلهو وتلعب القوي السياسية وهناك من باتوا يتحدثون وكأنهم يجلسون علي شاطئ النيل في جلسة تسلية عن ثورة الجياع التي ستضرب مصر أو الموجة الثانية من الثورة أو الحرب الأهلية وعن ميليشيات الإخوان أو جيش الإخوان وبيع اصول مصر من خلال الصكوك والتنازل عن حلايب وشلاتين أو بيع قناة السويس لأحدي الدول العربية كل ذلك ومصر ذاهبة في طريق الضياع فهل ذلك هو المطلوب؟ ومن المسئول؟ كلنا قد نسأل عن ذلك حتي وإن حمل طرف المسئولية علي نحو أكبر من الآخر مازلنا ندور حول قانون التظاهر وما زلنا نتكلم في قضايا سياسية فرعية ولسنا لدينا مؤسسات سياسية بل للأسف قد انجرفت هذه المؤسسات إلي حلبة الصراع.. ماذا نحن فاعلون؟ وذلك هو السؤال؟ الذي لا نعرف ان نجيب عليه وأخشي الا تعرف مختلف القوي والتيارات السياسية والشعب وأيضا جميع المؤسسات السياسية والمحصلة كلنا يعلمها وهي ضياع مصر الدولة والكيان والحضارة والتاريخ. رابط دائم :