الأساطير الإغريقية طالما شكلت العديد من المحاور الأساسية للدراما المسرحية منذ قديم الأزل, والحقيقة أن تلك الدراما حققت نجاحا أيضا علي المستوي السينمائي منذ سنين عدة, ففي عام1963 أخرج دون تشافي فيلم جيسون و فراء الخروف الذهبي أيضا ترجم جيسون آلهة الحرب. وكان هذا الفيلم واحدا من العلامات في تاريخ السينما الهوليودية التي تناولت الدراما الاغريقية , تكلف الفيلم3 ملايين دولار وببعض من التخيل من الممكن معرفة أن هذا المبلغ كان مبلغا فلكيا في تلك الفترة. غير أن الفيلم صنع بشكل مستوحي من التفاصيل الأساسية للدراما الاغريقية, أما الفيلم الذي أراد صانعوه أن يقدموا خليطا من بعض الملاحم الإغريقية فكان فيلمClashoftheTitans صراع المردة أو كما سمي وقتها تجاريا صراع الجبابرة وهو الفيلم الذي أخرجه البريطاني ديزمون دايفيس عام.1981 الفيلم تناول العديد من القصص الشهيرة في الملاحم الاغريقية ففي البداية نري نصف الإله بريسيوس هاري هاملين يريد أن يعرف حلا للغز الذي أطلقته الملكة كاسيوبيا, لمن ن يرغب في أن يتزوج من إبنتها الأميرة أندروميدا والذي يتطوع لحل اللغز ولا يستطيع يعرفه يفقد حياته تماما, إجمل امرأة في العالم. الدراما هنا هي ذاتها القصة الرومانسية المتوارثة والتي تقرأ للأطفال عن الأميرة والمنقذ الذي يتزوجها. غير أن دراما الفيلم قدمت للمشاهد ماهو أكثر عمقا وتركيبا. فقد استندت البداية علي اللغز تماما كما في قصة الملك أوديب التي كتبها يوربيديس. غير أن حل اللغز يستدعي صراعا بين نصفي إله الأول هو بريسيوس وهو الخير والثاني هو كلايبوس وهو الذي غضبت عليه الآلهة وجعلته مسخ يعيش في المستنقعات. إنه صراع بين الخير والشر مرة أخري. وربما أراد صانعوا الفيلم أن يقدموا دراما أقرب إلي الدراما في الكتب السماوية في الكثير من الأحيان فهم في البداية يستوحون قصة موسي عليه السلام في إلقاء بريسيوس في اليم ولكن مع أمه لتتحول القصة بعد ذلك في صراع بريسيوس وكلابيوس إلي صراع المسيح مع الشيطان أو(ChristandAntichrist) ولا تنتهي الدراما علي قطع يد كلابيوس بل هي تبدأ عند ذلك فغضب الإلهة هيرا علي إبنها تجعلها أثناء الاحتفال بتحرير روح اندروميدا من كلابيوس تستغل زلة لسان كاسيوبيا عندما تقول أن ابنتها أجمل من الألهة لتنتقم لأبنها النصف إله وتعطي مهلة لإنقاذ المدينة من الهلاك بوحش الكراكن. مغامرة الفيلم الحقيقية هي الصراع مع الزمن ورحلة البحث عن شيء يوقف الكراكن من تدمير المدينة هنا يستعين بريسيوس بعدد من الجنود وبعض من الأدوات التي يقدمها له أبوه الإله زيوس. دراما الفيلم لاتخرج كثيرا عن تفاصيل الدراما الاغريقية القديمة بل ترتبط بها طوال أحداث الفيلم. الأمر الذي تزيد من قوة الفيلم إضافة إلي ما يقدمه المخرج من أبهار تقني في تحريك العرائس والدمي ومنها اللقطات البعيدة لكلابيوس كذلك ميدوسا المسخ التي جسمها جسم ثعبان وإذا ما نظرت إلي شيء حولته إلي حجارة. أيضا الكراكن اعتمد علي هذه التقنية. الفيلم المعروض حاليا بنفس الإسمClashoftheTitans يبدو أنه يستند علي تفاصيل القصة التي قدمتها هوليوود منذ مايقرب الثلاثة عقود غير أن الأختلاف الرئيسي ليس هو التطور التقني في المؤثرات البصرية. بمعني أنه لم يكن فقط استخدام التحريك بواسطة برامج الواقع الافتراضي وتصوير الممثلين علي خلفية خضراء وصناعة التفاصيل الباقية من خلال الكومبيوتر. لم يكن فقط الاختلاف بين الفيلمين أختلافا تقنيا بين ماهو يدوي وما هو الكتروني. لقد سعي المخرج لويس لاتريير وكاتبا السيناريو ترافيس بيكام وفيل هاي أن يغيروا من الدراما التي يستند عليها سيناريو الفيلم فنجد أن الفيلم يبدأ تماما مثل الفيلم القديم علي بريسيوس وأمه اللذين يلقيان في اليم إلي أن يكتشفهما صياد فينقذهما لتصبح تلك العائلة العادية تعيش في البحر إلي أن يكتشفوا أن جنود مدينة أرجوس يحطمون تمثالا للإله زيوس. هنا يصبح واضحا تماما توجه السيناريو, صناع الفيلم يعدلون من الدراما ليتحول في البداية إلي صراع بين البشر والآلهة بعد أن يعلن ملك أرجوس الحرب علي الأولمب. إنه في الواقع يعلن الحرب علي الديانة القديمة ككل. بعدها يقرر إله العالم السفلي هديس( رالف فينيس) أن ينتقم لشقيقه الإله الأكبر زيوس( ليام نيسون) فهو الذي يقرر إطلاق الكراكن علي ارجوس مالم يقم أهالي المدينة بالتضحية بالأميرة أندروميدا. الحبكة الرئيسية في الفيلم هي الرحلة ومخاطرها التي يتحرك فيها بريسيوس ورفاقه إلي حيث البحث عن مخرج يبتعد عن أي من النهايتين: دمار مدينة أرجوس أو التضحية بالأميرة أندروميدا. غير أن البناء في هذا الفيلم لم يكن يرقي للإتقان الذي رسمت به تلك الرحلة في الفيلم القديم فالسبب الذي يدفع بروسيوس للرحيل هو أنه تمت خطبته علي أندروميدا وأنه أنقذها من كلابيوس, أما الفيلم الحالي فلا تعتمد تلك الرحلة علي بناء محكم إذ أن الهدف من تحويل نقطة الصراع إلي أن تكون مواجهة بين آلهة الأولمب والبشر وبالتالي لم تستقيم الدراما مع تحويل الصراع والاعتماد علي ذات المفردات والتفاصيل المستخدمة في الفيلم الأقدم الأمر أدي إلي ضعف البناء في الفيلم كله. فلم يكن هناك الدافع الدرامي بنفس قوة الفيلم القديم إذ أن علاقة الحب ومشروع الزواج بين أندروميدا وبروسيوس يقوي من الدراما في الفيلم, أما في الفيلم الحديث فلا يوجد دافع إنساني وراء عملية الإنقاذ. التفاصيل التي استعارها المخرج وكتاب السيناريو كانت مشابهة تماما لتفاصيل الفيلم القديم حتي وإن كانت لا تمت للبناء الدرامي في الفيلم بصلة فمثلما نجد البومة الآلية في الفيلم القديم نجدها في الحديث لكنها بلافائدة علي الإطلاق ونجد كذلك قطع يد كلابيوس في الفيلم الثاني ليس به ذات القيمة الدرامية في القديم. العقارب الضخمة وضعت في الفيلم القديم بعد أن قام كلابيوس بتسريب بعضا من دماء من رأس ميدوسا علي رمال الصحراء الأمر الذي تسبب في نمو العقارب بشكل ضخم. غير أن الفيلم الجديد صنع معركة بين العقارب الأكثر ضخامة وبين بروسيوس ورفاقه أدت إلي مقتل عدد كبير منهم, ثم سرعان ما تحولت العقارب إلي وسائل مواصلات في الصحراء بعد أن تعرف بروسيوس علي المخلوقات الغريبة التي قيل عنهم أنهم سحرة أو من جن الصحراء والذين سخروا العقارب العملاقة كوسائل للمواصلات, إن هذا التحول بدا في الفيلم وكأنه أكثر المشاهد كوميدية علي الإطلاق. بروسيوس بدا في الفيلم وكأنه يتنصل من كونه نصف إله فهو لايريد أن يستخدم الاسلحة التي منحها إياه زيوس ذاته, شخصية البطل تعد استمرارا لتك الفكرة التي تستند علي صراع البشر ورفضهم لسيطرة الآلهة, وهذا كان تحولا رئيسيا في البطل في الفيلمين. أيضا فإن كلابيوس أمير العالم السفلي ليس مثل ما كان في الفيلم القديم إبنا للآلهة, نصف إله ساقط, هبط من عليائه نتيجة الشرور التي يضمرها في داخله, ففي الفيلم الجديد نجد كلابيوس( جيسون فليمنج) ملكا وأيضا نصف إله إبن إلهة البحر الذي بعد أن شاهد زيوس وهو في فراشه مع زوجته يقرر أن يقتل الزوجة وإبنها من زيوس إغراقا في اليم إنتقاما لخيانته. إلا أن المرأة والطفل ينجوان, ليصبح الطفل هو بريسيوس ثم تلقي المرأة مصيرها بعد ذلك بسنوات غرقا مع زوجها الصياد علي يد الإله هيديوس. كذلك فإن الأسطورة الأولي عن كلابيوس الذي يسيطر علي روح أندروميدا لاوجود لها علي الإطلاق في الفيلم الجديد ولا هو بشكل ما يمثل النقيض لبريسيوس انما ها أحد أدوات إله الشر هيديس الذي يسعي لأن يوقف مسيرة بريسيوس نحو قتل الكراكن. فقط هيديس يريد قتل البشر لأنه يعيش ويقوي علي الخوف الإنساني بينما زيوس يعيش علي الحب الإنساني. إن الارتكاز علي الفكرة الأساسية في الفيلم وهي صراع البشر مع الآلهة قد أثر في تطور الدراما في الفيلم, فصناع الفيلم لم يستطيعوا أن يستندوا علي تلك الفكرة طوال الوقت بل أنهم تحولوا عنها في المنتصف إلي أن تعود الدراما مرة أخري إلي الصراع بين زيوس وهيديس أي صراع بين إله الخير وإله الشر. إن فيلم صراع المردة الجديد في المجمل من الناحية الدرامية لم يرق علي الإطلاق إلي العمق الدرامي الذي طرح في الفيلم الأول, هذا علي الرغم من كونه يعتمد علي نجوم كبار في عصرنا هذا مثل ليام نيسون ورالف فينيس ومؤثرات بصرية متميزة بالإضافة إلي عنصر العرض ثلاثي الأبعاد المتطور, إن الفيلم القديم كان من نوعية الأفلام التي من الممكن مشاهدتها عدد من المرات بدون أدني ملل هذا بعيدا عن كوكبة النجوم الكبار الذين شاركو الفيلم منهم إسطورة السينما النجم الراحل السير لورانس أوليفييه في دور زيوس.