إن مؤلفنا العبقري هو صاحب أعظم تراث موسيقي في التاريخ, أعطي للفنانين ولكل من يحيا علي هذه الأرض درسا في أسس ومبادئ الحياة; فقد كانت إصابته أكبر عائق في وجه أي موسيقي يعتمد في الأساس علي حاسة السمع التي حرمه الله منها, ورغم هذا العجز إفإنها لم تكن عائقا وحائلا بينه وبين جمهوره أو بينه وبين النغمات التي ظل يحلم بها منذ نعومة أظافره ب بل استطاع أن يبدع أهم الأعمال الموسيقية في تاريخ البشرية وهو أصم ولم يصبه اليأس والإحباط وظل إنتاجه الزاخر إلي أن فارق الحياة..إنه الفنان الذي تحدي الإعاقة وأذهل العالم أجمع منذ أكثر من ثلاثة قرون وإلي الآن.. صاحب مدرسة الإيمان والصبر وعدم اليأس..إنه بيتهوفن القائل:إن الموسيقي هي الأعلي من كل فلسفة, وأعمق من كل حكمة. لقد ولد هذا العبقري في بون بألمانيا في منتصف ديسمبر عام1770 لعائلة فنية, فوالده مغني تينور وجده قائد كورال في بلاط أمير كولونيا وقد تلقي تعليم البيانو والفيولينة علي يد والده واتسعت شهرته كعازف بيانو في سن مبكرة, ثم ظهر نبوغه في التأليف وكتب أعمالا موسيقية لاقت نجاحا جماهيريا مما جعله يهتم بالتأليف الموسيقي,وفي سن السادسة عشر من عمره التقي بأهم مؤلفي الموسيقي الكلاسيكية في هذا الوقت( موتسارت وهايدن وأعجبا بتفوقه وموهبته مما جعل موتسارت يقول:اهتموا بهذا الصبي فسيكون حديث العالم في المستقبل. وفي الثلاثينيات من عمره ذاع صيته كمؤلف موهوب,ولكن بدأت تحل عليه الكارثة في فقدان سمعه, وظل ينسحب من الأوساط الفنية تدريجيا, ولكن إنتاجه لم يتوقف,وأمضي حياته بلا زواج رغم ارتباطه بعدة علاقات عاطفية, ومع ازدياد حالة الصمم التي أصابته امتنع عن العزف في الحفلات العامة, وابتعد عن الحياة الاجتماعية واتجه للوحدة والعزلة,ورغم هذا فإنه كان علي دراية ووعي بكل ما يدور في المجتمع من مستجدات,وأنتج أجمل أعماله التي حققت جماهيرية وشعبية خاصة السيمفونية الخامسة لقدر والتاسعة الكورالية. ويعتبر بيتهوفن من أهم المؤلفين الموسيقيين فهو همزة الوصل بين مرحلتين مهمتين في التاريخ الموسيقي وهما الكلاسيكية والرومانتيكية.. كما يتميز بخياله الخصب وعبقريته الفائقة في صياغة الأفكار الموسيقية ويمثل تراثه الموسيقي تسع سيمفونيات تتميز بالضخامة والعظمة وتتضح فيهم شخصيته الفريدة مما أكسبهم شكلا جديدا تماما, وخمس كونشيرتات للبيانو وكونشيرتو للفيولينة وافتتاحيات أوركسترالية أهمها كورليان,ليونور وايجمونت,كما اهتم بتأليف أعمال للبيانو فكتب اثنتين وثلاثين صوناتا كان أشهرها( ضوء القمر والعاصفة), بالإضافة لستة عشرة رباعية وترية وصوناتا للفيولينة والبيانو وخمس صوناتات للتشيللو والبيانو,وكتب أوبرا واحدة هي فيديليوواستطاع بيتهوفن أن يحدث كثيرا من التغييرات في أسلوب التأليف الموسيقي حيث استطاع أن يبني بعض أعماله علي موتيفة أي خلية لحنية واحدة لبناء عمل موسيقي كبير كما في السيمفونية الخامسة. أيضا اهتمامه بالكورال كما في القداس العظيم والحركة الختامية للسيمفونية التاسعة الكورالية حيث أبدع في استخدامه للأصوات البشرية والتي تحتاج لتمكن واحتراف في الأداء,كما توسع في التلوين الأوركسترالي فأكثر من استخدام آلات النفخ مثل البيكولو والكنترفاجوت وأضاف أعداد الكورنو والترمبون وزاد عدد الأوركسترا عما كان عليه من قبل.. وكان أسلوبه في التأليف دراميا من خلال التحويلات الهارمونية الجريئة واستخدامه لسلالم غير مألوفة مما يضفي علي أعماله شكلا متطورا ومتنوعا يثريها ويجعلها أكثر تشويقا. وظل بيتهوفن مواصلا العطاء إلي أن فقدنا جسده في السادس والعشرين من مارس عام1827 حيث خرجت فيينا بكاملها لتشييع جثمانه إلي مثواه الأخير,وتأكيدا علي القيم النبيلة التي بثها لنا هذا الفنان طيلة حياته من خلال مؤلفاته الحية التي تبعث الروح في القلوب فقد تم اكتشاف خطته التي وضعها لسيمفونيته العاشرة وأعمال كثيرة أخري والتي تعبر عن خسارة فنية وموسيقية ألمت بالعالم أجمع بفقدان حياته وحرماننا من هذه المؤلفات والتي أعتقد بعد النجاح المدوي للسيمفونية التاسعة ما يؤكد أن السيمفونية العاشرة كانت ستصبح تراثا موسيقيا هائلا وإضافة للإنسانية جمعاء. رابط دائم :