هذا يعني أننا أمام نموذجين ثوريين, الأول تعبر عنه القوي السياسية موالاة ومعارضة والثاني تعبر عنه جموع الشباب الغاضب من الجميع, وهو غضب أشبه بغضبه من نظام ما قبل25 يناير , فكلاهما تجاهل جيلا عريضا يمثل ما يقرب من65% من قوي الشعب المصرييبدو أن البعض منا لم يستوعب بعد طبيعة التغير الذي يجب أن يطرأ علي العقلية المصرية, ففهم هذه الثورة وكأنها مجرد استبدال لجماعة أو فئة من البشر لتؤدي وظيفة سياسية بشكل أكثر رشدا من سابقتها, وهذا التصور هو سر أزمتنا الثورية الراهنة وسبب اختلاف الرؤي بين شركاء الأمس, فماذا تعني الثورة؟ وكيف يمكن لنا فهم حصادها ونتائجها في ظل حالة الانقسام الثوري الراهن؟. فما يفهمه الجيل الثوري الشاب أن ثورته تعني تغييرا جذريا في قواعد اللعبة السياسية والاجتماعية والثقافية ذاتها, وكذا تغيير القوانين التي يجب أن تحكم ذلك النظام الجديد الذي سيولد من رحم الثورة. هذا الفهم, هو ما يفسر الاختلاف الجذري بين الثورة في أنقي تجلياتها الشباب وجماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة وأنصاره من التيار الديني.. وهو خلاف جذري اختبر عبر ممر دموي شديد الألم, ويفسر أيضا حقيقة الاختلاف بين قوي الثورة الشبابية والقوي السياسية التقليدية فيما عرف بجبهة الانقاذ, وهو خلاف يتأصل كل يوم بسبب إصرار تلك الجبهة علي ممارسة اللعبة السياسية بذات القواعد القديمة ونفس الآليات تقريبا. وهذا يعني أننا أمام نموذجين ثوريين, الأول تعبر عنه القوي السياسية موالاة ومعارضة والثاني تعبر عنه جموع الشباب الغاضب من الجميع, وهو غضب أشبه بغضبه من نظام ما قبل25 يناير, فكلاهما تجاهل جيلا عريضا يمثل ما يقرب من65% من قوي الشعب المصري, وكلاهما تجاهل أيضا مطالب جيل يريد أن يحكم أو علي الأقل يشارك في الحكم, ولا يريد علي الاطلاق لأحد أن يتبني مطالبه في العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية, لأنهم يعتقدون أنها ستمارس بنفس الطرق والآليات الجديدة.. إن الثورة ليست مطالب فحسب, ولكنها مطالب وآليات وقوي حية تستطيع أن تتصدي لمشكلات عميقة في المجتمع, ولن يستطيع جيل عاش معظم عمره في ظل استبداد وتجريف وفساد أن ينهض بمفرده لإزاحة غبار سنين مضت, وإن تحدثنا عن المصلحة المباشرة فليس من شك أن الجيل الثوري الراهن هو الأكثر تضررا مما يحيق بالبلاد من مخاطر لأنه لا يريد أن يتسلم بلدا مجرفا أكثر من ذلك علي الصعيد الاقتصادي والسياسي والثقافي, ومن ثم فكل عملية تحول لا تضع في اعتبارها هذه الحقيقة لن تفلح أبدا, وكل دعوة للحوار مهما تكن نوايا الداعين لها, لا تتفهم شروط وأطراف الجالسين علي طاولة المفاوضات لن يكتب لها النجاح, وقد تزداد شقة الخلاف بين الجيلين أكثر فأكثر إذا ظلت النخبة مستأثرة بجميع خيوط اللعبة في تجاهل تام لجيل قدم كل شيء بدءا من المخاطرة في صباح25 يناير حتي شهداء الثورة وما بعدها منذ تولي المجلس العسكري وحتي الساعات الماضية. إذن لن ينجح حوار بلا ثوار, كما لن تحلق طائرة بلا وقود. نحن هنا أمام مشهد سياسي وثوري مختل بامتياز, فما بين نخبة مدنية ودينية اقتسمت السلطة دون التضحيات, وجيل يمثل غالبية الشعب فرضت عليه التضحيات دون مقابل, من تجريح وجرحي ومعتقلين وشهداء. إننا باختصار أمام ثورة جيل, مملوءة بالغضب الثوري والطموح المشروع في صناعة حاضر وبناء مستقبل لن يشهده غيرهم ولن يحياه غيرهم فقط, جيل يريدها ثورة وليست نقلة نوعية داخل نفس النموذج القديم الذي اعتاد اعتبار الشباب مجرد معاونين أو مساعدين له, جيل لن نستطيع أن نقدم له سوي حالة تجريف سياسي ونضالي ومجتمع يعيش تحت خط الفقر, ولم نقدم له مشروعا قوميا حقيقيا يستطيع أن يحتوي هذه الطاقة الشبابية. فكان من الطبيعي أن يسارع هو بأخذ زمام المبادرة ليقدم نموذجا جديدا في اللعبة السياسية, فكم استبعدنا نحن إمكانية قيام ثورة مصرية علي هذا النظام, وإذا بهذا الجيل الذي ليس لديه شيء يخسره يبادر ويحقق المعجزة, وفي تلك اللحظة ظهر الكثير من الاباء غير الشرعيين للثورة, واستحوذوا عليها وحاولوا ولا يزالوا يحاولون حتي اليوم إعادة انتاج نظام قديم بذات القواعد والقوانين.. ولكن عفوا أيها السادة.. هي ثورة جيل يحاول أن يقدم نموذجا جديدا لمجتمع جديد, ربما لا تكون ملامحه كاملة الوجود أمامه ولكنه حتما سينجح في إيجاده.. فقط لو فهمنا طبيعة المرحلة الثورية, التي تؤكد ضرورة اختفاء الموالاة والمعارضة من المشهد الثوري الراهن.