ثمة رأي بات يعتقد في صحته الكثيرون, ان الكيان الصهيوني, لم يأل جهدا منذ عام1957, من اجل دق الاسافين, بين مصر وبين دول حوض النيل, بغية تصديع الحق التاريخي لمصر في مياه النيل. والذي يعد بحق اقدم حق تاريخي علي وجه الارض, مما يعد تطاولا علي التاريخ احمق, لأناس ليس لهم تاريخ اصلا وانه حقا تزوير المتربصين, الذي يغوص الي اعمق ما في الغثيان من بشاعة. من ابرز المعالم في حضارات العالم القديم, ان الري والحضارة صنوان لا يفترقان, فحيثما وجدت الحضارة وظهر التمدن, ازدهرت معهما الزراعة التي تعتمد علي الري, ولا ادل علي ذلك من ازدهار الحضارات القديمة علي ضفاف الانهار حيث الماء والارض يتوافران وهما عنصران اساسيان في حياة الانسان, وعليهما قامت في ربوع دجلة والفرات, وفي وادي نهر النيل, اقدم وارقي حضارتين معروفتين في تاريخ العالم. كان لظهور مشكلتي الخطر المشترك والفائدة المشتركة, اثر كبير في توحيد جهود المجتمع في مصر, وفرض النظام والطاعة علي الجميع, بل من الجائز القول بأن ظهور الوحدة السياسية وبروز الاسرات الحاكمة, انما قام في الاصل علي اساس المصلحة المادية المشتركة لسكان الوادي ومزارعيه, لضمان المجهود الجماعي في كثير من الامور منها: اقامة الجسور, حراسة النيل, تكديس كومات التراب التي تقام عليها القرية المصرية فوق مستوي الفيضان, شق الترع والقنوات, وغير ذلك من مرافق الحياة, لذلك كانت مصر من اعرق بلاد الارض نظاما وحكما وادارة منذ انبثق فجر الحضارة الزراعية المستقرة, قبل تدوين التاريخ, وفي بداية العهد التاريخي, كان فرعون ورجال حكومته الاقليمية هم القوامون علي مشروعات الري وتنظيم الجهود الجماعية المتصلة بالزراعة, بل كان فرعون مهندس الري والزراعة الاول في ذلك العصر, وبذلك كله اكتملت لمصر عناصر الحياة المادية, التي يتداخل فيها الاقتصاد القومي بالادارة الحكومية, وهو اقصي درجات التقدم والتعقيد في نظام المجتمع. وهكذا جاءت حياة المصريين وحضارتهم علي ضفاف هذا النهر العظيم, نتيجة لتفاعل منتج بين سخاء الطبيعة وقوتها, وبين ذكاء الانسان وحيلته وسخاء النيل الموزع للحياة هو الذي اوحي للمصريين بفكرة قياس العلو لمعرفة ارتفاع الفيضان, ومسح القسائم للاهتداء الي حدود الحقول التي يمحوها الفيضان في كل عام, ولحماية نظام التملك والفصل في خصومات الحدود, والنيل هو الذي اوجد علم الفلك والرياضيات والقانون والنقد والشرطة, مع عدم وجود هذه الامور لدي اي جماعة بشرية كانت, وهل وجد شعب آخر صاحب تقويم منذ اربعة آلاف سنة ق.م, وعارف بدائرة البروج؟! النيل هو الذي علم المصريين كل هذه العلوم. اما دور النيل في بلورة عقائد قدماء المصريين, فقد اشتهر لديهم بأنه يسبب الندي الليلي الغزير, الذي اعتقدوا انه عرق الإله المفيد للمحاصيل ولم يكن حعبي اله النيل مجرد مياه مؤله, وانما كان روح النيل وجوهره الحراكي, كان هو فيضان المياه النابعة من نون اي رقعة المياه البدائية المترامية الاطراف, التي اقصيت عند الخليقة الي حافة العالم, والتي كان نهرها هو المجري الدائم و اهب الحياة, وكان الفيضان هو مجيء صعبي الذي يعتبر في بعض الاساطير الاله التالي لاحد الالهة العظام خنوم او آمون وهي التي نجد فيها التباسا بينه وبين اوزوريس الجسم الكوني الذي تسبب رطوبة جسمه ارتفاع المياه, وكان المصريون الي عهد قريب, يعتقدون ان بد دالفيضان يتوافق مع نزول النقطة التي تسبب فيضان النيل يوم17 يونيو وفي بعض الأساطير تمثل النقطة دموع المعبودة ايزيس التي تنزل دموعها حزنا علي زوجها المتوفي اوزوريس, وارتبط اوزوريس بالنيل والبعث ويرمز موته الي فترة التحاريق, عندما ينخفض منسوب النيل, وكما يعود اوزوريس الي الحياة بفضل زوجته ايزيس, تعود ارض مصر الي الحياة عندما يعود الفيضان ليحييها من العدم. اما حعبي فقد كانوا يصورونه علي هيئة شخص بدين منبعج البطن ذي ثديين متدليين ولونوه بلون اخضر وازرق, اي بلون مياه الفيضان, وكان عاري الجسم طويل الشعر, اشبه بصياد السمك, وقد استعار جميع الآلهة الممثلين لخصوبة ارض مصر هذا الزي من حعبي وكان الإله المائي للفيضان المرتفع, هو ضامن الحياة كلها, كما تقول التراتيل والصلوات: حعبي, ابو الالهة, الذي يغذي ويطعم ويجلب المؤونة لمصر كلها, والذي يهب كل فرد الحياة, ويأتي الخير في طريقة والغذاء عند بنانه, ويجلب مجيئه البهجة لكل انسان, انك فريد انت الذي خلقت نفسك من نفسك, دون ان يعرف اي فرد جوهرك. غير ان كل انسان يبتهج في اليوم الذي تخرج فيه من كهفك انك سيد الاسماك, انك غني بحقول القمح ونستطيع ان نستمر طويلا في ضرب الامثلة الدالة علي تقديس النيل في الوجدان المصري القديم, ومن ذلك انه عند احد الفراعنة, ان المجد من عناصر الخلود, فصرخ قائلا: يمكن الناس ان يقولوا عني ذات يوم, انه كان نيلا. ومن ذلك ايضا, انه كان علي من يمثل بين يدي اوزوريس وقضاة الموت, ان يبريء نفسه مع اليمين من الكبائر الاربع والاربعين فيقول عند احداها: انني لم ألوث مياه النيل, ولم احبسه عن الجريان في موسمه, ولم اسد قناة ولقد بلغ النيل من تعيينه الجنسية, ما كان معه الاله آمون يصرح بلسان كهنته قائلا: ان البلد الذي يفيض فيه النيل هو مصر, فكل من يشرب من النيل في مجراه التحتاني بعد بلدة بلاق فهو مصري وكل هذا من شأنه ان يفسر لنا, جعل الرئيس مبارك ما يدور حول حصة مصر من مياه النيل الاهم في اولوياته وليس ادل علي ذلك من التنسيق الجاري بينه وبين الرئيس البشير في هذا الشأن, بغية بلورة موقف حاسم وجازم في وجه استراتيجية الفتن الرامية الي التحكم في حصة مصر والسودان من مياه النيل. ولا اجد ما انهي به مقالتي هذه, ابلغ مما انتهي اليه المع المفكرين المصريين جمال حمدان في صفحات من اوراقه الخاصة, والذي نبه الي هذا الامر بقوله كانت مصر سيدة النيل, بل مالكة النيل الوحيدة, الان فقط انتهي هذا الي الابد, واصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة ان لم يكن للنقص.