لا أدري سر العاطفة الغريبة, التي أكنها لك في قلبي, أن يكون لك وجود في الحياة, ولا أدري ما كل ذلك الاشتياق الذي يجعلني أحلم بك دائما ومنذ طفولتي؟! لقد حلمت بك وتمنيتك, من قبل أن أتمني وأحلم بفارس الأحلام تخيلتك أمامي, ورسمت ملامحك من ملامحي, وضعت بداخلك كل ما أود أن تتمتع به من صفاتي المحببة, وأبعدت عنك كل الصفات غير المرغوبة لدي رأيتك أقرب لي من نفسي, ورأيتني أحب الناس إلي قلبك, رأيتني الملاذ الذي تلجأ إليه دائما في فرحتك وشدتك.. رأيتني أمثل لك كل شئ في الحياة رأيتك تفتح عينيك لنور الحياة, في تعجب وانبهار بها, تشعر بالخوف الشديد, وتطلب الاحتماء بي, ساعتها سأشعر بأضعاف خوفك, عندما أنظر إلي جسدك البض الصغير, الذي أخشي عليه من لمستي التي قد تؤلمه. ولكن بكاءك المتواصل, يجعلني أتغلب علي خوفي بعض الشيء, لآخذك بين يدي, وأضمك إلي صدري في ضمة صغيرة, حتي لا أوجعك, فأجدك لا تشعر بأي ألم, بل تشعر بالراحة والاستكانة, فأضمك إلي أكثر وأطمئن لاطمئنانك, إلي أن أعتاد بمرور الوقت علي حملك وضمك ومداعبتك, دون أي خوف أتأمل ملامحك وهي تتشكل أمامي وتبرز يوما بعد آخر, حتي أري جزءا من نفسي فيك, وأشعر بسعادة كبيرة لذلك. أتسمع منك الكلام وأنت تنطق به لأول مرة, بفمك الصغير الذي لم ينبت فيه سوي سنتين صغيرتين, وأحاول أن افسره الكلام لأفهم ما تريده أتتبعك وأنت تحبو علي الأرض وتحاول أن تكتشف الأشياء من حولك, فأساعدك علي فعل ذلك, وقد ترفض مساعدتي, لأنك تريد اكتشافها والبحث عنها بذاتك, فأتركك وأنا فرحة بك, ولكني أترقبك من بعيد, في انتظار أن تناديني, لأنك حتما ستحتاجني, مهما أبيت. تلجأ إلي عندما تود أن تجرب عادة جديدة, تري الجميع من حولك يفعلونها بكل بساطة, تستند علي وأنت تحاول المشي علي قدميك الصغيرتين, مثلما أفعل, أترقب خطواتك البطيئة المتوجسة, وأدركك وأنت تحاول أن تترك يدي, خشية أن تتعثر خطاك وتهوي علي الأرض ومع إصرارك وتركيزك, تستطيع اكتساب تلك العادة, وتنطلق فرحا بنجاحك, تزداد شقاوتك وعفرتتك وأزداد خوفا وقلقا عليك. أراك تبتكر بنفسك الألعاب, كما كنت أفعل أنا في طفولتي, وتحركها في عالمك الصغير, الذي تراه أنت بخيالك واسعا, وبداخله كل شيء ترغب فيه, أعشق ذلك العالم وأتمني أن تشركني فيه, وأن أكون جزءا منه, وقائمة معك علي صنعه, فتسمح لي بذلك, وتأخذني اليك وإلي براءتك التي أفتقدها في عالمي, أسعد كثيرا بك وأزداد عشقا لك, وتزداد تعلقا بي. ويأتي الفراق الأول بيننا, الذي تتأثر به كثيرا وتتعجب له, كيف لك أن تبعد عني, ولو لدقيقة واحدة, لتذهب إلي مكان آخر, يدعي المدرسة, لا أكون متواجدة فيه بجانبك؟! تبكي إلي في انهيار, وتتوسل ألا أتركك, أحبس دموعي حتي لا أظهر ضعفي أمامك, ولأبين لك أن ما يحدث شيء عادي لابد من حدوثه, ثم أنك ستقضي بضع ساعات مع أطفال صغار من سنك, يحبونك كثيرا, ستلعب معهم وتلهو كما تشاء, ثم تعود بعدها إلي, اطمئن ولا تخف, ثم أنك الآن قد أصبحت رجلا, والرجال لا تبكي, هل تريد أن أغضب منك؟ أعرف معني الشوق إليك, ولا أخفي لهفتي عليك عند رؤيتك, أتوحشك فتجري علي لترتمي بين أحضاني, أحتويك بين ذراعي وأضمك إلي بشدة, وأشعر بالأمان عندما أشعر بيديك الصغيرتين, وهما تلتفان حول رقبتي في حنو بالغ أغرقك بأجمل كلمات الحب والحنان التي تنبع من أعماق قلبي, وأعلمك إياها, كي أسمعها منك تأتي إلي ذات يوم لتصارحني بشئ غريب تحسه لأول مرة وأتساءل بلهفة: ما بك؟, فتقول لي وأنت تائه: إنني أحب يا أمي, زميلة لي في المدرسة! أفاجأ كثيرا ولكني لا أود أن ألفت نظرك لشئ أو أبدي لك استغرابا مما تقول, فأرد عليك قائلة: أجل وما المانع؟ إنك تحبها كما تكون أختك مثلا. تتردد لحظة قبل أن تقول: لا يا أمي* إنني أحبها حبا آخر, ليس كحبي للناس, ولا كما تكون أختي وعندما تجدني أسكت في ذهول, ولا أوضح لك ماهية الإحساس الذي تشعر به, تقول لي: إنها شئ آخر يا أمي, شي آخر. أكتشف فيك مراهقة مبكرة, تذكرني أيضا بنفسي, فأبتسم وأسالك في خبث ودلاد: وهل تحبها أكثر مني يا تري؟, تضحك قائلا: بالطبع لا, حبي لأمي, شيء آخر!. أزداد تقربا منك, لأصادقك وأكون حاوية لكل أسرارك وقد اعتدت أن تحكي لي كل ما يحدث في يومك بالتفصيل, تزداد حاجتك إلي وخصوصا إذا اعترضتك أي عقبة تراها كبيرة في حياتك. أكون ملجأك الوحيد, وحضنك الدافئ الذي تحتمي به دائما وتطمئن, وكم أحب ذلك الحضن, وأحتاجه أكثر من حاجتك أنت اليه, وأود أن تظل بداخله ولا تتركه أبدا! أداري عنك كل ما أشعر به من آلام ومتاعب, رغم حاجتي إليك في أن تخففها عني وأصر علي ألا أبدي أمامك أي ضعف, حتي تظل تلجأ إلي دائما, وأكون كفيلة بكل همومك وقادرة علي حملها عنك, فأتظاهر بأنني لا أعاني أية أحمال خاصة بي أهدر الكثير من حقوقي عليك, لأجلك أتظاهر بأنني لا أريد منك أي شيء, بالرغم من أنني أحتاج منك الكثير, ولكني اكتفيت معك بالعطاء.. العطاء وحسب. ولا أكاد أشعر بمرور السنين, وهي تمضي بي كالرهوان, لأري الشيب يزحف علي رأسي, ولأراك أمامي رجلا, كما تمنيت دائما أن أراك, ولكنك لم تعد قريبا مني كما كنت, وأكتشف أن في حياتك العديد من الاهتمامات الخاصة, التي أكون بها آخر من يعلم. أجدني خارج عالمك الذي صار يحوي الكثير والكثير, إنك الآن تستكين إليه وتتأقلم معه, بعد أن كنت تخشاه في البداية, وتستنجد بي لأحميك منه, إنك تعيشه وتنبهر به بكل ما فيه من مساوئ ولا تتقبل مني أي نصح, أوجهه إليك عن ذلك العالم الذي عشت فيه من قبلك, تتمرد علي وتتهمني بأنني أحد من حريتك, وأنني أتسلط عليك وأفرض شخصيتي علي شخصيتك المستقلة بذاتك, وأنك لم تعد صغيرا, وقد تقصد بكل ذلك الكلام أنك لم تعد بحاجة إلي أخشي عليك وأخشي منك, وكل مدي أشعر بابتعادك عني, أحتاجك فلا أجدك, أحتاج أن أتحدث إليك في لحظات ضيقي, لأشكو لك همومي, كما كنت أنت تفعل من قبل, فلا أجد, لديك الوقت الكافي للجلوس معي ينتابني شعور ما بأن هناك من سينتزعك مني, وينتزعني من داخلك, ولم يكذب إحساسي. فد جئت إلي ذات يوم, تود أن تفتعل معي الحديث في موضوع ما, أفرح كثيرا, فأنت لم تفعل ذلك منذ زمن, أراك متوترا, لا تعرف من أين ستبدأ؟, ولكنك سرعان ما تتغلب علي ترددك, لتقول لي فجأة: إنني أحب فتاة حبا جما, وأريد أن أتزوجها. أبتلع الصدمة مرغمة, وأسألك مازحة: وهل هي تلك الفتاة التي حكيت لي عنها من قبل؟ تتعجب وتقول: أي فتاة؟! إنني لم أحدثك عنها قبل الآن أستمر في مزاحي قائلة: ولكنك قد أخبرتني من قبل, أنك كنت تحب زميلة لك في المدرسة. تطلق ضحكة كبيرة: يااااه, أما زلت تتذكرين؟ كان ذلك منذ زمن بعيد, لقد نسيت حتي شكلها.. لا يا أمي, ليست هي, إن حبيبتي شيء آخر. وبالطبع لن أسألك: هل تحبها أكثر مني؟ لأنني لن أكون متأكدة من أن تعطيني تلك الإجابة التي أود سماعها منك أشعر بالغيرة تنهش قلبي, من تلك الفتاة التي تود أخذك مني, وهي لم تحبك, كما أحببتك, لم تتعب فيك كما تعبت, لم تضح براحتها من أجلك, كما ضحيت ومع ذلك فأنت تحبها كثيرا وتحبها أكثر مني أنا! ولكن بالطبع لن أكون أنانية, ولن أقف أمام سعادتك, التي لم أعد جزءا منها, يجب أن أتقبل كل الأحداث التي سوف تحدث بعد ذلك, بنفس راضية, وأفرح لفرحتك. ويأتي الفراق الأخير بيننا, الذي لا تتأثر به مطلقا ولا تتعجب له, لتبدأ حياة جديدة مع تلك الفتاة التي اختارها قلبك, وسيكون وجودي في تلك الحياة, محدودا.. أعلم ذلك. وفي حفل زفافك, لابد أن تؤخذ لنا تلك الصورة أنت وعروستك وأنا بجانبكما, ولكني أعلم أن الصورة ستكون أجمل بكثير, إذا التقطت لكما معا, دوني! لم أترك الخيال, يمضي بي إلي ما هو أبعد من ذلك, وقد أرغمته علي التوقف وأنا في ذهول منه, وتساءلت جزعا: لم تصورت أن تسير حياتي معك علي هذا النهج, وتنتهي بي عند ذلك الحال؟ لا أدري ولكني حقا أشعر بريبة شديدة منك, أخشي أن يحبك قلبي كل ذلك الحب, فلا يحظي منك سوي بالقليل منه, أخشي أن تحتاج نفسي إليك كل تلك الحاجة, فلا تجدك في عز احتياجها, أخشي التعلق بك إلي حد, قد يجعلني لا أطيق البعد عنك للحظة, فتفارقي ولا تشعر بألم الفراق, أجل إنني أخشاك كثيرا من قبل أن يكون لك أي وجود في الحياة, وأحبك كثيرا وأشتاق إليك كثيرا, من قبل أن أراك. وإلي أن أراك في دنياي التي ستكون بالطبع, أنت أجمل ما فيها, لك مني أعمق عاطفة, يمكن أن توضع في قلب إنسان, تجاه إنسان آخر, قد يكون له وجود في الحياة, وقد لا يكون. دلفيين العدوي رأس البر دمياط رابط دائم :