في ظل الليل الحزين.. وصمت حركة أمواج النيل الباكية.. وانقطاع أنفاس البوص الذي يعانق أحزانه بدون حركة يجمع باقي البوص بجواره.. في مشهد تراجيدي يمزق القلوب.. وأنا جالس بين حركة الهواء الباردة.. وكأنها ثلوج تحاول إطفاء الحزن.. والصمت الرهيب.. أنظر إلي الظلام بوشاحه الاسود.. وكأنه أراد أن يشترك في موكب الحزن الذي جمع كل ما أنا جالس فيه.. وفي أعماقه.. يلفني معه كل عناصر الحياة التي رحلت.. وأطفالها الذين رحلوا في صدام بين قطار سريع.. وكأنه الموت الأهوج.. وأتوبيس مدرسة الأطفال الذي انفجرت بداخله دماء الطفولة البريئة.. ولم أستطع أن أيخيل كيف كان الأطفال وهم في داخل الأتوبيس يعيشون لحظة الرحيل.. وكيف كانت دماؤهم تخرج من حطام السيارة لتلتصق بمقدمة القطار.. وصمت51 طفلا في لحظة.. سرقت من وقت الزمن.. ولم يبق إلا صراخ الآباء.. والأمهات.. وفي عز الظلام ظهرت فراشتي الصديقة وهي تبكي بدموع ساخنة سقطت علي مياه النيل الصامت وهي تتكلم بصوت مجروح من الألم.. وتقول.. سمعت كل ما قلته أنت.. وأنت تجلس وحيدا ياأعز صديق.. لم تكن أنت وحدك الذي تتألم.. بل تألم معك الكون الذي تعيش فيه ولم تلحظ أن الفراشة الصديقة وصوت دموعها ظاهرا حزينا يصطدم بمياه النيل الحزين.. أعرف أنك أوقفت تصوير ما كنت تصوره في فيلمك الجديد.. رفض وجدانك تقديم إبداعك الفني المعروف.. وأفقدتك الصدمة كل كيانك وقوته المعروفة في مواجهة المصائب والصعاب.. وحضرت دون أن تدري وأنت تحمل آلام كل الضحايا الشهداء الأطفال.. وكل صراخ الآباء.. والأمهات.. وجلست مع كل الأحزان التي تحيط بالمكان.. وخشيت أن تتصور أني.. وغيري.. من الفراشات.. والبشر في كل مكان.. يعيش في أعماق الحزن والألم.. من ذلك الحادث.. ومهما حاولت الهروب من وقع الحادثة.. وحضرت إليك بدموعي.. لتشارك دموعك.. والآخرين.. أعرف أنك لن تتكلم.. فقد أرسلت حزنك وآلامك التي ملأت قلبك ووجدانك.. أنت وكل من عاش لحظة وقوع الحادثة.. أنا.. لن أتركك وحيدا.. ودموعي الساخنة لن ترحل.. حتي يوجد.. حل لهذه الأحداث التي استولت علي حياتك.. أنت وكل من حولك.. من بشر يلف الحزن كل وجدانه.. وجلست فراشتي بجواري.. في صمت الكلام.. وفجأة لم أجد نفسي.. إلا بصرخة مدوية تشق عنان السماء.. تقول بصمت الكلام.. والحل؟! وتردد صداها في كل المكان!!