صياغة مواد الدستور يجب أن تعبر بشكل حقيقي عن تطلعات الشعب المصري ولا تنصب فقط علي ضمان مصالح فريق علي مصالح الفريق الأخر. دون الأخذ في الاعتبار مصالح الجميع التي يجب أن يصونها الدستور من خلال قوانينه ومواده وأبوابه التي يجب أن تكون حامية لكل مصر وضامنة لحقوق كل المصريين. فالحفاظ علي كيان الدولة المصرية وعدم اختراقه هو هدف أساسي وأصيل دون أن يكون للانتماء السياسي أو غيره دور في السيطرة والهيمنة علي كل مكونات الدولة المصرية مع عدم الإقصاء للأخرين حتي يأتي دستور واقعي ومتوازن يتوافق عليه الجميع. فمدنية الدولة المصرية ذات المرجعية الشعبية بعيدا عن الوصاية من أحد هو أمر لابد منه إن كنا نريد أن نضع أيدينا علي أولي خطوات التقدم والتقنية, لأنه لا حل لمشكلاتنا المعيشية إلا من خلال الدخول في معترك التقدم والتقنية من أوسع أبوابه, وبدونها لن يكون هنا تقدم ولا يحزنون, بعد الحجر علي العقول ومنعها من التفكير والتطوير والإبداع والابتكار, من خلال الوصاية الفكرية علي عقول الشباب وعقول المبدعين. ومن هنا كان لازما علي الدستور أن يضع آليات لمنع الاستحواذ علي مكونات الدولة من خلال حزب أو تيار سياسي يريد الهيمنة علي كل مقدرات الدولة, فيتم تفكيك الدولة بالقطعة, مما يؤدي إلي حدوث انشقاق واسع لا يمكن رتقه بين مختلف طوائف الشعب من أجل تمرير أجندة معينة هدفها السيطرة والاستحواذ علي كل شيء. إن ثوابت الدولة المصرية يجب أن تنصب بالدرجة الأولي في الحفاظ علي الانتماء لمصر والتي لا يجب علي أحد الاقتراب منها أو تسييسها أو تحولها من خدمة كل المصريين دون تمييز في وجود التجريم علي كل من يعتدي علي حق من حقوق المصريين إلي خدمة مصالح فئوية أو طائفية أو قبلية بديلا عن الانتماء الوطني. ومن هنا نجد أنه من الواجب التأكيد في الدستور علي حياد المؤسسات الرئيسية والسيادية في الدولة دون تطويعها أو لي عنقها بشكل أو بآخر حتي تصب في مصلحة طرف دون طرف آخر, لأن الشعب المصري يتميز عن غيره بالوسطية والاعتدال فلا تطرف ولا تفريط, ومن يتشدد منهما نحو فكره وأعتقاده, ناحية اليمين أو ناحية اليسار, دون أن يكون سهلا لينا فسوف يكسره الشعب المصري, ويخلعه من جذوره, يخطيء من يعتقد أن المصريين لقمة سائغة سهل مضغها وهضمها دون الأخذ في الاعتبار مصالح الشعب, ويخطيء من يعتقد أنه يمكنه أن يعود بنا إلي الوراء ولو في ثوب أخر غير ثوب النظام البائد الذي أفقر البلاد وأنهك العباد. ولذلك يجب أن تكون هناك سبع مؤسسات حيادية في الدستور المصري, الأزهر والتعليم والقضاء والإعلام والفن والشرطة والجيش, بحيث لا يمكن الالتفاف حولها, أو السعي من أجل السيطرة والهيمنة عليها باسم الأغلبية, وتوضع ضوابط محددة تجعل من هذه المؤسسات مؤسسات حيادية حقيقية, هدفها في الأول والآخر الحفاظ علي وحدة وتماسك الدولة المصرية, وحماية مكونات الشعب المصري ومكتسباته من أجل وحدة البلاد. ومن هنا يأتي علي رأس مؤسسات الدولة المصرية التي يجب أن تكون علي الحياد بعيدا عن التجاذبات الحزبية أو الانتماءات السياسية, الأزهر الشريف بتاريخه النضالي علي مدار الف عام, ومن خلال وسطيته وأعتداله وفق منهج النبوة, وبعيدا عن كل الأهواء التي تتملك أصحاب الانتماءات الأخري, لأنه سوف يصون ويحمي الدولة المصرية من الأخطار ويمنعها من الانحراف ناحية اليمين أو ناحية الشمال, وبمؤسساته العلمية والتعليمية يقود الأمة إلي بر الأمن, فالأزهر يقود ولا يقاد, من خلال علمائه أصحاب الانتماء للأزهر ولا أحد سواه, ومن خلال عملية فرز حقيقي لأبناء الأزهر المخلصين والمشهود لهم بالتميز والكفاءة وحسن السير والسلوك وعدم انتمائهم لأي من الفصائل الأخري وحقهم في اختيار من يمثلهم في قيادة الأزهر في كل مؤسساته المختلفة. ثم يأتي التعليم أيضا علي رأس سلم الأولويات في الحياد, والذي يجب أن يكون عصيا علي الاختراق في كل مراحله المختلفة من الحضانة والإبتدائي والاعدادي والثانوي والجامعة, فلا أفكار تدرس للطلبة في كل مراحل التعليم المختلفة إلا من خلال وزارتي التربية والتعليم العالي, من أجل جمع كل المصريين علي كلمة سواء بعيدا عن الحزبية وبعيدا عن الانتماء الذي ببث سمومه في قلوب وعقول الشباب دون وازع من ضمير أو عقل بل من أجل نشر التطرف والخوف من الآخر الذي هو مركز التوازن والاتزان. ثم تأتي الصحافة بشفافيتها ووقوفها في صف الشعب وإبراز كل مواقع الفساد, ومعها الفن بضوابطه التي تربطه بحل مشكلات المجتمع دون تطرف أو ابتذال, والقضاء الذي يقيم العدل بين الناس والشرطة التي تحمي الأمن الداخلي والجيش الذي يحمي الأمن الخارجي للبلاد. وعليه فكل العاملين في هذه المؤسسات السيادية والمنتمين إلي فصيل أو غيره من الفصائل, أن يخلع كل واحد منهم انتماءه, إذا كان له انتماء مثل خلع حذائه خارج المسجد, ويدخل في عمله كمصري وطني مخلص لدينه وبلده محق للحق ومبطل للباطل حتي ولو كان علي رقبته أو رقبة أحد من أبنائه, أو رقبة أحد من أصحابه أو من أقربائه أو جيرانه, فمصر أولا وقبل كل شيء, وبهذا يمكن أن نجعل كل المصريين علي قلب رجل واحد, وهذا غاية الإيمان بالإديان جميعها وعلي رأسها الإسلام. أستاذ بكلية الطب