أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون استقلاله أمام المجلس العسكرى:
الأزهر يبحث عن «طوق نجاة»
نشر في الوفد يوم 23 - 01 - 2012

قانون استقلال الأزهر الذي تم رفعه مؤخراً للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، جاء بمثابة «طوق نجاة» لينقذ هذه المؤسسة العريقة التي تعاني منذ سنوات طويلة من التهميش، بعد أن تم تحجيم دورها وتكبيلها بقانون
حول رئيسها إلي مجرد موظف تابع للدولة، يقضي بما تريد الحكومة، ويأتمر بأوامرها، لذلك فالآمال معلقة لدي الجميع علي هذا القانون الجديد، لعله ينقذ هذه المؤسسة العريقة التي كان لها دائماً دور بارز في الحياة الدينية والسياسية في مصر، إلا أن هذا الدور تقلص بفعل حكومات ما بعد الثورة، وهو ما دفع الكثيرين، منهم أعضاء مجلس شعب سابقون، إلى المطالبة بضرورة استقلال الأزهر عن الدولة، واختيار رئيسه أو شيخه عن طريق الانتخاب وليس التعيين.
تضمنت أهم ملامح مشروع قانون استقلال الأزهر في مادته الأولى أن تتحول دار الإفتاء المصرية إلي هيئة تابعة للأزهر تحمل مسمي «دار الأزهر للإفتاء والدعوة»، وتكون لها شخصية اعتبارية داخل الدولة ويرأسها مفتي الأزهر، علي أن تؤول إليها جميع الحقوق العينية والشخصية لدار الإفتاء المصرية السابقة والعاملين بها، بالإضافة إلي زيادة المخصصات المالية لجامعة الأزهر وفصلها عن مؤسسة الأزهر.
وتنص المادة الثانية علي أن تنتقل المساجد إلي تبعية دار الأزهر للإفتاء، وتلتزم المساجد المنشأة حالياً بما عليها من التزامات ويتم استيعاب الأفراد القائمين علي شئون تلك المساجد من أئمة وخطباء ودعاة ومقيمي شعائر لهيكل وظائفها وفق العاملين بمجالات الدعوة في الأوقاف والأزهر الموجودون بالخدمة.
كما اشتمل المشروع علي أن يرأس مشيخة الأزهر شيخ عالم، علي أن يكون هو الصوت المعبر عن المسلمين وعن الأزهر وتوجهاته في جميع القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين في مصر والعالمين العربي والإسلامي وتمتد علاقاته بالغير داخل الجمهورية وخارجها، ويتم شغل مناصب شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية ورئيس جامعة الأزهر بطريق الانتخاب الحر المباشر من قبل أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر ولمدة تسع سنوات متصلة غير قابلة للتجديد ولمرة واحدة لذات المنصب، وأن يتم تشكيل هيئة كبار علماء الأزهر تتبع الأزهر ويرأسها شيخ الأزهر وتتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتصدر عنها لوائح الأزهر ونظمه جميعها، ويكون لها السلطة المطلقة في اتخاذ جميع التدابير والإجراءات في جميع المسائل المتعلقة بالأزهر وأغراضه وتضم مجلس كبار علماء الأزهر ومجلس الإفتاء والدعوة السلمية ومجلس البحوث والتعليم الأزهري ومجلس الحقوق والحريات السلمية وأن يكون أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر والمفتون والأئمة مستقلين ومحصنين داخل الدولة، ويكون لهم زي رسمي في أوقات مهامهم فقط، بغرض تمثيل الأزهر رسمياً لمباشرة شئون الدعوة والإفتاء داخل الدولة وخارجها وفقاً للائحة التنفيذية لهذا القانون.
وقد استطلعت آراء رجال الدين حول القانون الجديد وأكد البعض أن إصدار مشروع القانون الجديد يمثل خطوة مهمة نحو الاستقلالية ومن ثم التحرر من سطوة الحكومة من ناحية والانصياع للسياسة العامة من ناحية أخري، لكنهم ينتظرون حسن التطبيق علي أرض الواقع، فيما اعترض آخرون علي توقيت إصدار مشروع القانون مطالبين بتأجيل التصديق عليه لحين انعقاد الدورة البرلمانية القادمة لمنح المشروع مزيداً من الحوارات والمناقشات البرلمانية والشعبية والمتخصصة لأهل العلم، ولكن الجميع أكد ضرورة إصداره إن آجلاً أم عاجلاً.
أوضحت الدكتورة آمنة نصير - أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر - أن إصدار قانون استقلال الأزهر سوف يعطي حق الحرية الفكرية والدعوية للأزهر الشريف، بالإضافة إلي تنظيم الهيئات التي تتبع الأزهر، كما أنه سينص علي أن شغل منصب شيخ الأزهر سيكون عن طريق الانتخاب الحر المباشر من قبل أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر وهو ما كنا نتمناه منذ زمن بعيد، حتي يتحرر الأزهر من سطوة الحكومة من ناحية ومن الانصياع للسياسة العامة للدولة من ناحية أخري، وهي التي ربما لا تتوافق بشكل أو آخر مع المنهجية الموضوعية للأزهر الذي يعد قبلة لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كما أنه سوف يعطي الأزهر الشريف الحق في الاستقلالية والامتداد للعالم الإسلامي في إطار من الثقة، واللجوء إليه عند الحاجة، وسيكون الأزهر ملاذاً لكل المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، وأتمني حسن التطبيق علي أرض الواقع.
الدكتور محمود سليم - المفكر الإسلامي - يقول: لابد أن يأخذ مشروع مرسوم قانون استقلال الأزهر حقه في الحوار المجتمعي والتشريعي لكي يصدر مناسباً لكل أنواع الفصائل السياسية دون ثغرات أو تفسيرات يمكن أن تحمل في طياتها أي شكل من أشكال القصور التي قد تعود بالضرر علي الأزهر بل علي الشعب كله، مضيفاً أن هذا المرسوم لا يخص الأزهر وحده كمؤسسة ولكن يهتم به القاصي والداني من المجتمع، بل تمتد أهميته للعالمين العربي والإسلامي أجمع.
وأضاف دكتور «سليم» أن من يتولي منصب شيخ الأزهر لابد أن يكون عالماً وفقيهاً في دينه ويشهد له بالكفاءة وحسن الخلق وأمانة المقصد وصدق الحديث والقوة في حماية الدين والقدوة في إدارة مصالح المسلمين، فهو النفس الأمين غير الفاسد الذي لا يبيع دينه بدنياه، ولابد أن يتم اختباره عن طريق الانتخابات بالطريق الحر المباشر بالتعيين.
ناضل ضد العثمانيين والفرنسيين وكسرته ثورة يوليو وحكومات الحزب الوطنى
«الراعى الرسمى».. لثورات المصريين
لعب الأزهر الشريف دوراً بارزاً فى الحياة السياسية منذ نشأته عام 975 ميلادية (361 هجرية) على يد القائد جوهر الصقلي، وحتى قيام ثورة يوليو 1952، إلا أن هذا الدور تراجع بعد صدور القانون رقم 103 لسنة 1961 والخاص بالأزهر، والذى بموجبه أصبح الأزهر مؤسسة تابعة للدولة، يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيسها أو شيخها، والذى تحول بدوره إلى مجرد موظف، ومع هذا التراجع اختفى الدور السياسي للأزهر كمؤسسة دينية، وأصبحت تابعة تبعية فعلية للدولة، مؤيدة لكل مواقفها، حتى قيام ثورة 25 يناير حينما ظل الأزهر فى بداية الثورة على مواقفه المؤيدة للنظام، ولكن بعد فترة تغير الامر وأصبح للأزهر دور فاعل فى الثورة، وشارك عدد كبير من مشايخه فى فاعلياتها، وكان لهم وجود ملحوظ فى أحداث شارع محمد محمود واستشهد أحد علمائه فى احداث مجلس الوزراء، كما أنه عمل على رأب الصدع فى المجتمع بإصدار وثيقة الأزهر، بعد اختلاف طوائف المجتمع حول الدستور الجديد، كذلك اللقاءات المكوكية التى عقدها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب مؤخرا مع شباب الثورة، والتى أسفرت عن الاتفاق بأن يلقى الدكتور الطيب كلمة الثوار فى احتفال الثورة يوم 25 يناير الحالى، كل هذه المواقف المتأرجحة جعلت الكل ينادى بضرورة إصدار قانون جديد للأزهر يعيد إليه مجده السابق الذى تم تدميره بفعل فاعل.يرجع تاريخ إنشاء الجامع الأزهر إلى دخول الفاطميين مصر، حينما قرر الخليفة المعز لدين الله الفاطمى إنشاء مسجد كبير لتدريس المذهب الشيعى ونشره في منطقة المشرق العربي، إلا أن الأزهر أبى ألا يكون جامعة إسلامية عالمية، فلم ينجح في فرض المذهب الشيعى، وإنما أصبح أول وأكبر جامعة إسلامية يتم تدريس جميع المذاهب الإسلامية فيه، ومع هذا الدور التعليمى والدينى كان له دور سياسي بارز في كل مراحل مصر التاريخية، فبعد أن أغلقه صلاح الدين الأيوبى لفترة من الزمن أعاد الظاهر بيبرس افتتاحه لتدريس المذهبين الشافعى والمالكى، وأخذ نجم الأزهر يسطع كمؤسسة دينية وسياسية طوال فترة حكم الدولة المملوكية، وزاد هذا الدور وتبلور إبان حكم الدولة العثمانية وظهر لأول مرة الدور السياسى للأزهر، خاصة بعد أن أصبح الحكام لا يستطيعون البت فى أمر دون الرجوع للشيخ محمد سالم الحفني (الذى تولى مشيخة الأزهر منذ عام 1757 وحتى 1763) وبدأ دور الأزهر كمؤسسة معارضة حينما قاد الشيخ أحمد العمروسي احتجاجا شعبيا ضد إساءة الوالى العثمانى «أحمد أغا» لأهالى الحسينية، مما أدى إلى صدور فرمان سلطانى بعزل الوالي، واضطر خلفاؤه من بعده إلى الحضور للأزهر لاسترضاء علمائه. وتعتبر نهاية القرن الثامن عشر هى العصر الذهبى للأزهر سياسيا، حينما بدأ دور علماء الأزهر فى مقامة الحملة الفرنسية، حتى اضطر نابليون بونابرت إلى مهاجمة الجامع الأزهر واقتحامه بالخيول إبان ثورة القاهرة الأولى عام 1798، واستمرت مقاومة علماء الأزهر للحملة الفرنسية حتى خروجها من مصر عام 1801، وكان على رأسهم الشيخ عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوى نقيب الأشراف، وبعد رحيل الحملة استمر علماء الأزهر ومشايخه في ممارسة دورهم الوطني، حتى كان لهم - ولأول مرة في تاريخ مصر - دور في اختيار حاكمهم، حينما قام علماء الأزهر بخلع لباس الولاية على محمد على عام 1805 وهو ما اضطر الخليفة العثماني لإصدار مرسوم بخلع الوالى التركي خورشيد باشا وتعيين محمد على حاكما على مصر، ولأن مشايخ وعلماء الأزهر اشترطوا على محمد على أن يشاورهم فى أمور الحكم فتنكر لهم، وقام بنفى الشيخ عمر مكرم إلى دمياط، وعزل الشيخ عبد الله الشرقاوي من منصبه عام 1809 ليتولى حكم مصر منفردا. ونتيجة لسياسة محمد على فى التنكيل ببعض علماء الأزهر ومحاولاته لاستمالة بعضهم هدأت وتيرة الدور السياسي الأزهر، ولكن ما لبث هذا الدور وعاد لاصحابه مرة أخرى في عهد الاسرة العلوية، حتى أن الشيخ شمس الدين الألبابي شيخ الأزهر أفتى بعدم صلاحية الخديو توفيق للحكم بعد أن باع مصر للأجانب وأيد ثورة أحمد عرابى، وهو ما أدى إلى تدخل السلطة ولأول مرة بشكل رسمى فى شئون الأزهر بانشاء مجلس لادارته، وقد كشف الباحث بسام عباس الحومى فى دراسته عن «اضمحلال الدور السياسي للأزهر» عن ان هذه الواقعة كانت هى الأولى التى تحاول فيها السلطة التدخل فى شئون الأزهر لتنال من صلاحية شيخه، ثم تلى ذلك محاولات اخرى لتحجيم دور الأزهر منها ما حدث فى بداية الربع الأول من القرن العشرين إثر تعديل قانون المحاكم الشرعية، واعتراض الشيخ حسونة النواوى شيخ الأزهر على ذلك فتمت إقالته من منصبه إلا أن العلماء تضامنوا معه، فعملت الحكومة على أن يكون تعيين شيخ الأزهر من سلطات الملك وليس بترشيح وانتخاب العلماء، خاصة أن هؤلاء العلماء كانت لهم مواقف مناهضة للاحتلال الإنجليزى الذى كان يدعم الملك، وحينما صدر قرار تقسيم فلسطين أصدر مجموعة من علماء الأزهر بيانا شهيرا عام 1947 دعوا فيه للجهاد ضد العدو الاسرائيلى، وقد كان للمواقف الوطنية للامام عبد المجيد سليم دور كبير في عزله إثر معارضته لفساد الملك فاروق .
الأزهر والثورة
وكان لهذا التاريخ الحافل فى مناهضة الحكام دور كبير في رغبة حكام ما بعد ثورة 1952 فى تحجيم دور الأزهر وعلمائه والقضاء على دوره السياسي، وقصره على الدور الديني والتعليمي فقط، حيث صدر القانون رقم 103 لسنة 1961 والذي منح لرئيس الجمهورية الحق في تعيين شيخ الأزهر ووكيله، وتمت مصادرة أوقاف الأزهر لصالح وزارة الأوقاف، وبذلك تم سلب المخصصات المالية التي كانت تدر له دخلا يضمن له استقلاله عن الدولة، وقد نجحت هذه الاجراءات في تحجيم دور الأزهر بالفعل وليس القضاء عليه تماما، حيث يذكر أن الشيخ جاد الحق على جاد الحق رفض التطبيع مع اسرائيل وأيد الانتفاضة الفلسطينية، وأفتى بأن من يموت فى العمليات الاستشهادية فهو شهيد، ورغم حرص الرئيس المخلوع مبارك على تحجيم دور الأزهر الا أنه لم يستطع إثناء الشيخ جاد الحق عن آرائه، لذلك قام بتعيين الدكتور محمد سيد طنطاوي خلفا له عام 1996، وكان يشغل منصب مفتى الجمهورية قبلها ومعروف عنه ولاءه التام للدولة، وتعد فترة رئاسته للأزهر من 1996 وحتى وفاته عام 2010 هى ذروة انتكاسة الأزهر حيث انصاع الأزهر فى عهده للحكومة، وكان محللا لكل ما تريد سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى بدءا من التطبيع مع إسرائيل، وحتى تحليل فوائد البنوك، ومرورا بمشروع التوريث، واستمر هذا الدور المهادن للأزهر فى بداية تولى الدكتور أحمد الطيب للمشيخة، وتجلى هذا فى بداية ثورة 25 يناير حينما قام مجموعة من علماء الأزهر بالمشاركة فى المظاهرات منذ الأيام الأولى للثورة ليخرج الرأى الرسمي للمشيخة مؤكدا أن هؤلاء المشاركين لا يعبرون عن الرأى الرسمي للأزهر، إلا أن الوضع تغير بعد التنحي حيث عاد الأزهر للانضمام لصفوف المواطنين، فبعد حالة الفرقة التى عاشها المجتمع بسبب الدستور والمبادئ فوق الدستورية، خرجت وثيقة الأزهر لتصبح مثل البرق الكاشف الذى يقهر ظلمة الليل، والتى اجتمع حولها المصريون لترسم شكل الدولة والتي نصت على عدة مبادئ اهمها:
1 دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها الحاكمة، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفراد المجتمع على قدم المساواة، على أن تكون سلطة التشريع لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح.
2 اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر.
3 الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى مع الاحترام الكامل لحقوق الانسان والمرأة والطفل.
4 الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار.
5 تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية والتمسك بالمنجزات الحضارية فى العلاقات الإنسانية.
6 الحرص التام على كرامة الأمة المصرية والحفاظ على عزتها.
7 اعتبار التعليم والبحث العلمي قاطرة التقدم الحضاري لمصر.
8 إعمال فقه الاولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والقضاء على البطالة ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد.
9 بناء علاقة مصر باشقائها العرب ومحيطها الاسلامي ودائرتها الافريقية والعالمية ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلالية الارادة المصرية.
10 تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر.
11 اعتبار الأزهر هو الجهة المختصة التى يرجع إليها فى شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة.
وقد اجتمعت كل فئات المجتمع وأطيافه السياسية حول هذه الوثيقة، كذلك كان لعلماء الأزهر دور بارز فى تهدئة الاوضاع فى شارع محمد محمود فى شهر نوفمبر الماضى، حينما تصاعدت الاحداث بين الشرطة والمتظاهرين فقرر علماء الأزهر تكوين حائط بشري للفصل بين الجابنين، وبعدها بأيام قليلة سقط أحد شهداء الأزهر وهو الشيخ عماد عفت الذى راح ضحية أحداث شارع قصر العينى، والذى اكدت زوجته أنه كان دائم المشاركة فى الثورة منذ قيامها وحتى استشهاده.
وخلال الأيام القليلة الماضية بدأ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى ممارسة دور أكثر فاعلية حينما دخل فى مشاورات مع شباب الثورة دعاهم فيها للاحتفال بالثورة وتوحيد صفوفه، وتجنب أى خلافات لضمان نجاح الثورة وتحقيق أهدافها فى الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع فى الحقوق والواجبات، وتم الاتفاق خلال هذه اللقاءات على أن يلقى شيخ الأزهر كلمة الثوار فى الاحتفال بالثورة، ويتضمن البيان مطالب الثوار وهى سرعة نقل السلطة إلى ادارة مدنية، والقصاص لشهداء الثورة، والتأكيد على مدنية الدولة، وتحقيق المساواة بين الجميع، واستقلال القضاء والأزهر، كذلك تم الاتفاق على إنشاء غرفة عمليات داخل مشيخة الأزهر يوم الأربعاء القادم بحيث تكون حلقة وصل بين الشباب فى ميدان التحرير وبين المشيخة لضمان الحفاظ على سلمية الاحتجاجات، والتصدى لأى محاولات محتملة لتشويه سلمية ذلك اليوم، وتدخل الأزهر لدى المسئولين للحيلولة دون وقوع أى مصادمات. بذلك ينفض الأزهر تراب السنوات الماضية الذى تراكم على هذه المؤسسة العريقة حتى أخفاها عن عيون الناظرين، ويعود لدوره الوطني القديم الذى عهده فيه المصريون منذ نشأته، فهو الجامع والجامعة والمؤسسة السياسية التى تجمع حولها المواطنون ضد كل حاكم غاشم أراد بهذه البلاد سوءا، ولذلك فالجميع فى انتظار قانون الأزهر المنتظر الذى سيعيد لهذه المؤسسة دورها من جديد.
منارة «الوسطية»
منذ أكثر من ألف عام، والأزهر الشريف يحتل مكانة مرموقة في نشر الثقافة الإسلامية، والفقه الديني، منطلقاً من احترامه لتعددية الكفر، وأن الاختلاف في الفهم والتفسير هو رحمة بالعباد دون إجحاف لحق المجتهدين والمفسرين والعلماء في الشرق والغرب، ويري الجميع أن المجتمعات الإسلامية كانت كثيراً ما تنحاز تجاه الشرق أو تجاه الغرب ورغم تصارع الحضارتان، فإن الإسلام يظل هو دين الوسطية دون انحياز لأي اتجاه من الاتجاهات المعاصرة، فالوسطية في الإسلام تمثل روح الدين الذي يتضمن قيم التسامح والعقلانية والرشادة وإبداعاً ثقافياً يحفظ للدين قداسته ويحفظ للمسلم عقيدته دون تفريط أو إفراط ودون تطرف أو تساهل. ومن هنا كان للأزهر الدور الرئيسى في نشر هذا الفكر واتسم تاريخه بالازدهار لما يتمثله من وسطية معاصرة تحمل فكراً وثقافة وسلوكاً وتديناً رافضاً التطرف والابتعاد عن العنف وحقن الدماء وهكذا يصبح الأزهر منارة الإسلام.. ولعلنا نتساءل في ظل التغييرات السريعة التي يشهدها المجتمع العربي بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة.. كيف يمكن للأزهر أن يلعب دوراً إيجابياً في مواجهة التيارات الإسلامية المتطرفة؟ وكيف تتشكل النهضة الحديثة مع فكر الوسطية المعاصرة بين الأصالة والمعاصرة؟
الوسطية بمفهومها العلمي هي موقف بين اتجاهين أو رأيين أو حضارتين أو ثقافتين، والإسلام جاء بالنص ليكون ديناً وسطاً بين الديانات السماوية كلها، لكي يجمع بين الدين والدنيا دون الإخلال بثوابت العقيدة ودون قبول رأي أحادي أو رفض رأي مغاير، وهكذا تكون الوسطية منهجاً فكرياً.
أشار دكتور محمد البري - رئيس جبهة علماء الأزهر الشريف - إلي أن مواجهة التطرف يحتاج من الفقهاء وعلماء الدين للتحلي بالسماحة والصبر علي المصائب مع ذوي النفوس الضعيفة، وهذا يتطلب الدعوي بالحكمة والموعظة الحسنة في مواجهة الحماقات والجهل ومقاومة المعوجين، فلا يكابر الإنسان علي شيء لا يعلمه أو لا يحسن فهمه.
ونبه دكتور «البري» إلي أن يلتزم بعقيدته والسير علي نسق القرآن الكريم سيجزيه الله علي أفعاله الطيبة ثواباً عظيماً.
مضيفاً أن الدور الرئيسى للأزهر الشريف هو نشر الفكر الوسطي بالعقلانية والرشادة دون تطرف أو إفراط، لكونه منارة الإسلام والمسلمين في العالمين العربي والإسلامي.
وأكد دكتور أحمد يحيي - أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس أن الأزهر بقامته ومقامة يعد منارة الفكر الإسلامي الوسطي الذي يحترم كل التيارات والأفكار والاتجاهات الفكرية والفقهية دون تمييز لفرع علي آخر أو انحياز لفقيه ضد آخر، فمنذ نشأة الأزهر التي تزيد علي 1000 سنة وهو يرفض أحادية الاتجاه في التعليم أو التفكير ويعتمد اعتماداً كلياً علي الفقه المقارن وفقه الأولويات وفقه مصالح البشر دون التعارض مع الشرع ودون التنازل عن القواعد الأساسية للعلوم الشريعة.
وأضاف دكتور «أحمد يحيي» أن الأزهر الشريف ساهم في نشر هذا الفكر الوسطي ليس في مصر وحدها، بل في ربوع العالم العربي، وأيضاً في قارات العالم، ولهذا فإن الأزهر يحتل مكانة مرموقة يحترمها كل من تعلم فيه أو تعلم منه فكر الوسطية وثقافتها وآلياتها ومضمونها.
وأشار دكتور «يحيي» إلي أنه من الطبيعي أن يرفض الأزهر أي تطرف في الفكر الديني أو الثقافي سواء جاء عن طريق تيارات إسلامية أو جماعات دينية أو غيرها، فلا يوجد أكثر من الأزهر فهماً وحرصاً علي تحقيق هذه الوسطية، ولكن المؤسف أن بعض من خريجي الأزهر لسبب أو لآخر انتموا إلي بعض هذه الجماعات وتبنوا أفكارها منذ أيام الشيخ سيد قطب وحتي الآن، فكثير منهم يتطرق تفكيره الفلسفي أو في تطبيقه للشريعة دون مراعاة لمصالح وأحوال المواطنين أو للتغيير الذي حدث في المجتمعات وأيضاً دون الإفراط في أسس الشريعة وقواعدها، وقد نادي كل أئمة الأزهر منذ نشأته وحتي الآن بهذه الوسطية بل إن الإمام الشيخ محمد عبده مثلاً يعد إماماً للوسطية والتجديد في الفكر الإسلامي، الذي يتناسب مع متطلبات المراحل الزمنية المختلفة، كما أن الوسطية انتشرت في مصر فكراً وثقافة وسلوكاً وتديناً مروراً بالشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ شلتوت، وغيرهم الكثيرون الذين نادوا ومازالوا ينادون بحقن الدماء ورفض التطرف والابتعاد عن العنف، حتي إنه في وقت ما في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي اتهم الأزهر بأنه عميل للحكومة ينفذ أجندتها ويتكلم بلسانها وهذا غير صحيح، بل هي تهمة شائنة أطلقها دعاة التكفير والهجرة والتطرف الديني الإسلامي والجماعات الإسلامية وللأسف صدقها البعض إلي أن جاء العالم الجليل فضيلة الإمام الأكبر دكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي لينفي هذه التهمة ليؤكد أن الأزهر لم ولن يكون تابعاً لليمين أو لليسار أو للحكومة أو لغيرها، بل هو حريص علي تأكيد الفكر الوسطي دون انحياز ودون تهوين أو تهويل في مقاصد الشريعة ومضامنها وهكذا يصبح الأزهر منارة الإسلام وفقه الوسطية والحرص علي حمايتها من أي تطرف مهما كان مصدره أو تحت مسمي أي كان، فالإسلام بريء من هؤلاء المتطرفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.