تستهلك مصر سنويا مواد بترولية بما قيمته265 مليار جنيه بالأسعار العالمية, تنتج منها ما يوازي75% ويتم استيراد الباقي من الخارج.. وتصل قيمة الدعم الحكومي إلي115 مليار جنيه سنويا تتحمله الدولة بهدف توفير تلك المواد البترولية للمواطنين بأسعار منخفضة. * وتصل قيمة دعم البوتاجاز إلي20 مليار جنيه وحجم دعم السولار يصل إلي50 مليار جنيه, وهو ما يوازي ما تنفقه الدولة من دعم علي مجالات الصحة والتعليم والتموين. وحسب ما صرح به مؤخرا المهندس أسامة كمال وزير البترول والثروة المعدنية فإن20% فقط من قيمة الدعم تصل إلي مستحقيه, و80% تصل إلي فئات غير مستحقة للدعم. وهناك دراسات وأبحاث كثيرة حول سبل ترشيد الدعم في مجال الطاقة بحيث تصل إلي محدودي الدخل دون غيرهم, خاصة وأن معظم الخبراء يجمعون علي أن الفقراء هم الذين يدعمون الأغنياء والحكومة وليس العكس! بل إ هناك من يري أن دعم الطاقة هو دعم ورقي يتم بأساليب احتيالية, وعلي سبيل المثال فهناك حوالي40 مصنعا من المصانع كثيفة استخدام الطاقة مثل الحديد والأسمنت تستهلك وحدها55% من الدعم المخصص للبترول في القطاع الصناعي, و75% من دعم الغاز الطبيعي, و61% من إجمالي دعم الكهرباء, ومن المعروف أن تلك المصانع مملوكة لكبار رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من النظام. ومع إعلان الحكومة الحالية عن اتجاهها لاستكمال ميكنة أساليب توصيل الدعم, فبعد بطاقة التموين الالكترونية المستخدمة في صرف مقررات السلع التموينية للأسر مستحقة الدعم, جاء دور المنتجات البترولية المدعمة مثل البنزين والسولار وانابيب البوتاجاز والتي يجري الآن الحديث عن استخدام بطاقات الكترونية لصرفها للمواطنين بصورة تضمن احكام الرقابة علي هذه العمليات والحد من تسرب الدعم لغير مستحقيه. وبعيدا عن الجدل حول استعداد المجتمع لتقبل هذه الخطوة وتخوف البعض من زيادات الأسعار قد نشهدها مع تطبيق النظام الالكتروني في توصيل الدعم, فان هناك قضايا قد تكون أخطر لابد أن تنتبه إليها الحكومة قبل الإقدام علي هذه الخطوة منها ما الجهة التي ستشرف علي المنظومة الجديدة والتي بطبيعة الحال ستتاح لها معلومات تفصيلية وبيانات عن غالبية أفراد المجتمع. فالمدقق سيلاحظ أن كل أفراد المجتمع بصورة ما سيتعاملون مع النظام الجديد إن لم يكن للحصول علي السلع التموينية فعند حصولهم علي أنابيب البوتاجاز أو البنزين, وبالتالي سيتجمع لدي الجهة المشرفة علي إدارة هذه المنظومة كم هائل من المعلومات والبيانات عن الأسر المصرية وأنماط استهلاكها واحتياجات مصر من السلع الاستراتيجية وتوقيتات شرائها, والأخطر موقف المخزون منها شهرا بشهر وأيضا توزيع السكان في المناطق والمحافظات المختلفة بصورة دقيقة وشاملة. ولا شك ان هذا الأمر يتطلب أن تراعي الحكومة حساسية هذه المعلومات وتأثيرها علي أمن مصر الاقتصادي, وبالتالي لا يجب لأيد أجنبية أن تتدخل في هذه المنظومة تحت أي ذريعة بل يجب أن تشرف عليها وتديرها الدولة ممثلة في إحدي شركاتها أو هيئاتها العامة. وما يدفعنا إلي هذه المطالبة امتلاك مصر لتجربة ناجحة تعد نموذجا للمنطقة, فوزارة المالية بالتعاون مع البنك المركزي نجحت في إطلاق منظومة المدفوعات المالية الحكومية لتحصل من خلالها مستحقات الضرائب والجمارك, بخلاف دفعها لمرتبات العاملين بالحكومة والجهاز الإداري للدولة, وإن كان عدد المستفيدين من منظومة المرتبات حتي الآن دون مستوي طموحاتنا, أيضا صرف المعاشات الكترونيا والتي يستفيد منها أكثر من ثلاثة ملايين مواطن, وهناك خطة لمد المنظومة لتشمل كل أصحاب المعاشات والمستحقين والبالغ عددهم نحو8 ملايين مصري, وكل هذه العمليات تتم منذ سنوات وبصورة ناجحة للغاية حتي في أشد أيام الانفلات الأمني أيام الثورة استمر النظام وأدي دوره كما يجب. وبجانب هذه التجربة الناجحة توجد بمصر4 أو5 شركات وطنية مملوكة بالكامل للمال العام تشرف وتدير منظومة من الخدمات الالكترونية, وهو الأمر الذي أسهم في بناء بنية أساسية إلكترونية قوية تمتد في جميع أنحاء مصر ويمكنها استيعاب حجم هائل من العمليات المالية بصورة آمنة ومؤمنة بأيدي وعقول مصرية. أيضا فإن هناك جانبا قد يكون خافيا عن البعض وهو المتعلق بامكانية استغلال المعلومات الخاصة بالمشاركين في المنظومة, حيث توجد شركات تشتري تلك البيانات فهي بالنسبة لها معلومات ثمينة عن قوة شرائية هائلة, ولعل البعض مازال يتلقي عشرات التليفونات من أشخاص لا يعرفهم ولكن لديهم اسمه وعنوانه حيث يعرضون عليه شراء عشرات السلع والخدمات التي قد لا يكون في حاجة إليها, وبالتأكيد فإن هذا يعد انتهاكا واضحا للخصوصية. ولذلك وحماية لأمننا القومي نطالب الحكومة بدراسة تلك التجارب الناجحة والاستفادة بها في مد منظومة الخدمات الالكترونية, والأهم أن تصدر كارتا الكترونيا واحدا يتعامل به المواطنون مع جميع الجهات العامة التي تقدم سلعا أو خدمات مدعمة, فهذا بجانب تقليله التكلفة عن الاقتصاد القومي يزيد من إحكام الرقابة علي المال العام ويعبر عن حسن إدارة الحكومة لمواردنا الاقتصادية.